استبشرنا خيرا حينما صار للمرأة العراقية برلمانيات يمثلنهن، فالمرأة العراقية التي عانت لاكثر من اربعة عقود من الرعب والحروب والحصارات والمجاعات والفقدان والاغتراب، تستحق ان تكون في الصدارة لأنها الاكثر احساسا بواقع المجتمع الذي تشكل هي نسبته العظمى والتي تقود اولى خلاياه بعد ما افقدت الحروب والموت اليومي والمقابر رجالاته وشغيلته وخلفت لنا ملايين الارامل التي تنوء بعبء صغار لا يقوون على الوقوف امام متطلبات الزمن الصعب الذي يمر به عراق اليوم.
وكم تفائلنا بنسبة النساء، واعتقدنا ان وضع المرأة العراقية سيكون من اولى اولويات البرلمانيات البالغات اكثر من السبعين، اللواتي كان بامكانهن تشكيل قوة ضاغطة لاتخاذ قرارات تنصف المرأة وتزيل عنها حيف السنوات ورعب السنين الصعبة المقبلة التي لا يعرف احد الى أين ستأخذنا مع كل ما في العراق من موت ودمار لم يمر به بلد حضري في تاريخ البشرية، كما لا احد يدري متى سيتوقف هذا النزيف..
لاشك ان هناك بعض البرلمانيات الشجاعات والمتحمسات لتغيير وضع المرأة العراقية بشكل حقيقي على سبيل المثال لا الحصر السيدات quot;ميسون الدملوجيquot; وquot;صفية السهيلquot; وquot;تانيا طلعت كلي quot; وبعض البرلمانيات الحريصات على الارتقاء بوضع المرأة العراقية لكنهن- للاسف- اقلية في الدفاع عن المرأة في برلمان تطغى عليه المحاصصات الطائفية والاحزاب الاسلامية التي ترفض مساواة المرأة بالرجل انسانيا بحجة مخالفة الشريعة، بدليل السكوت والصمت المطبق من قبل أغلب أعضاء البرلمان عما يحصل للمرأة العراقية من انتهاك لحقها في الحصول على جواز سفر- رغم معارضة ما يجري لنص دستوري اقره البرلمان ذاته- ورغم كون هذا الاشتراط المطلوب يلغي أهلية المرأة ويُسقط عنها حقا مدنيا من حقوقها الشخصية وبالتالي يشكل عقوبة لكل نساء العراق بدون أية جريمة او ذنب اقترفنه.
يضاف على ذلك صمت البرلمان المطبق عن المليشيات الدينية التي ترعب الطالبات في الجامعات والشوارع، وتهدد بالقتل كل من لا ترتدي الحجاب والتي توزع بيانات الرعب خصوصا ما يسمى ميليشيا جيش المهدي الذي يضم في اغلب صفوفه عناصر الفساد الصدامي وحثالة المجتمع الذين يعوضون نقصهم بسلاح وتهديد للنساء في الاماكن العامة دون رادع لهم بعدما كانوا يرتجفون امام ابسط عنصر من عناصر الجيش الشعبي المجرم..
ان المرأة العراقية اكبر المتضررين اليوم، انها الذبيحة الأكثر طعنات، وكاذب من يقول انها اليوم احسن مما كانت زمن المقبور صدام، رغم ان هذا القول يوجع قلوبنا جميعا، لكنه الحقيقة المرّة.
ان قول النساء السائد والمتردد على السنتهن اليوم هو المثل العراقي القائل : quot;ما يقدر أبي إلا على أمي quot;

الامثال لا تطلق من قبل الشعوب اعتباطا، بل هي نتاج تجربة الاف السنين وافرازات واقع عاشته المراة العراقية طويلا، ونحن رأينا منذ سقوط النظام وبعد تشكيل مجلس الحكم والقرارات المجحفة بحق المرأة تنزل علينا كالسيل الجارف، ولا ننسى قرار 137، حيث استفتح السيد عبد العزيز الحكيم به دورته للمجلس، تلته اجراءات اذلال مرعبة للمرأة لا تتناسب لا مع الدستور ولا مع الشرائع والاديان السماوية جميعها، فاي دين واي دستور يسمح للمليشيات ارهاب المرأة في كل مكان وفرض الأحجبة عليها حتى فرضت على المسيحية والصابئية وبقية الديانات، وامتثلت النسوة لهول مايلاحقهن من موت واختطاف واعتداء؟
يجري كل هذا والبرلمان لا يحرك ساكنا ولا يلوي على صراخنا..
في ظل هكذا وضع تبرز خطوة مباركة للسيدة quot;صفية السهيل quot;وزميلاتها في المطالبة بتخصيص نسبة واحد بالمائة من عائدات النفط للملايين من الأرامل، وان هذا القرار الذي تناضل بعض البرلمانيات من اجله هو حق من حقوق الشعب العراقي، فلابد وان يكون لكل مواطن نسبة في هذا النفط الذي تهدر عائداته بشكل عشوائي.
ليس امام اعضاء البرلمان - نساءا ورجالا- لاثبات وطنيتهم وانسانيتهم جميعا ، سوى اقرار هذه النسبة البسيطة جدا والتي لا تتناسب مع عدد المنتفعين منها، اذ يضاف لثلاثة مليون ارملة اكثر من خمس مليون يتيم تحت رعاية تلك النسوة، اي مايقارب نصف الشعب العراقي ، لذا نتمنى ان تـُقر هذه النسبة وتوزع بشكل سهل وسريع على الارامل عبر الايادي النزيهة، رغم خوفنا المشروع زمن الفساد والسرقة العلنية..
ففي حالة اُقرت هذه النسبة للارامل في البرلمان، ستبرز مشكلة آلية الحصول عليها،وهل ستنجو هذه الاموال من الفساد الذي يضرب اجهزة الدولة ؟
وهل عوقب من أهدر ثمان مليار دولار او حتى عرفنا اين ذهبت تلك الاموال ومن هو المسؤول عنها كما قالت بعض التقارير والتقديرات ؟
ومن هم الذين ساهموا بالفساد ونحن لم نر ان وزيرا قد استقال او أقيل او مسؤولا كبيرا قد اعترف بما فعله او ان ضميرا قد صحا كما تصحو ضمائر السياسيين في العالم ؟
هل سيطبق هذا القرار حقا وعلى اكمل وجه بعد اقراره من البرلمان ؟ خاصة واننا قد راينا ان قرارات قبله قد اقرت ولم تطبق ولا أدل على ذلك من قرار اسكان عوائل الشهداء والمهاجرين،وحالات العنف والفلتان الامني، والفساد واهدار الاموال العامة، ومشكلة الماء النظيف، والكهرباء، ومراوحة مشاريع اعادة الاعمار في مكانها ولازالت اغلب مناطق العراق تعج بالازبال والخرائب، ولازالت شوارعها لم تعبد منذ ان ُعبدت اول مرة زمن عبد الكريم قاسم حتى الان..

[email protected]