تذكرت ما قاله فليسوف العرب الراحل عبدالله القصيمي عن التصريحات الرسمية العربية، وانا اتابع ما يغدق به علينا قادة الشعب الفلسطيني هذه الأيام بكلمات ملأت أدمغتنا، بل وأزعجتها، عن حرمة الدم الفلسطيني، وتحريمه، وكذا تجريم كل من يرفع السلاح في وجه شقيقه.. يقول القصيمي (إن أبعد مسافة كونية، هي المسافة بين كلام العربي وفعله)!!..
اسأل نفسي، وربما الملايين حول العالم: على ما يتقاتل هؤلاء؟.. قد يكون مفهوما مصرع الأشقاء في الصومال، فهو بلد به ثروات، له شواطئ، ويقع في منطقة شديدة الحساسية استراتيجيا. أدرك أن يدور قتالا في دول أفريقية، بحثا وراء ثروات مخزونة.. لكن ما يحدث في بلديتي غزة والضفة الغربية، أمر يثير العجب والاستغراب، ويقود الى الحنق والغضب..
وطن محتل! أرض مغتصبة! حصار ظالم! تجهل دولي!. كل هذا والأشقاء ينحرون بعضهم، ويقتلون بعضهم بدم بارد!! كيف يمكن أن يتعاطف أجنبي، بل وعربي، مع هؤلاء! قادة يقودون المعارك عن بعد من فنادق مكيفة، ولحسابات غير فلسطينية، ويستمتعون بالظهور مبتسمين، معلنين وقفا لإطلاق النار، يتبعه مصرع خمسة وعشرة وعشرين.. كل ذلك تحت شعار (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة)، و (حرمة الدم الفلسطيني)، التي يتحدثون عنه بنشوة بالغة تبعث على الاشمئزاز.
إن ما يجري في غزة والضفة، أمر يجب أن تقف عنده القيادات العربية، وأن تمارس هي حصارا على هؤلاء القتلة، وتمنع استقبالهم وتحرمهم من أي دعم مادي أو معنوي.. الذي يستحق الدعم هو ذلك الشقيق الفلسطيني الذي يكتوي بنار حكومة الوحدة الوطنية الوهمية، أما من يظهرون بأبهى حللهم، أمام كاميرات التلفزيون، مرتدين أزهى الألوان، فعقابهم الأدنى هو مقاطعتهم.
كان الراحل العظيم نجيب محفوظ يقول (أتحدى إسرائيل أن تفعل بنا بعض ما نفعله بأنفسنا). لقد أثبتت الأحداث أن إسرائيل فتح تحقيقات (ولو وهمية)، وسمت (من باب الخجل والحياء)، كل من ساهم في مقتل أبرياء.. لكننا لم نسمع عن مسئول فلسطيني واحد، تعرض للمساءلة، أو التحقيق، فما بالك بالتوقيف والعقاب!.. لكن من المؤكد أن ذلك يأتي تمسكا بالثوابت العربية، التي تصر عليها الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.. (عفا الله عما سلف)، حكمة عربية أصيلة، يتمسك بها كل من أثمت يده، وتلوثت بدماء إخوانه وأشقائه..
في الأوطان التي يكون المواطن فيها، هو جوهر الحياة، تصبح المسئوليات واضحة، ويتحمل كل فرد في المجتمع دوره بموجب القوانين السارية، ولا يصير عفو عن خطأ أرتكب في حق مواطن أخر.. في المجتمعات التي وضعت النفس البشرية كأقدس المقدسات عملا بقوله تعالى (ومن قتل نفسا بغير نفس، فكأنما قتل الناس جميعا)، يدرك الجميع أن التعدي على الأرواح لا يمر دون عقاب.
متى يدرك أشقاؤنا في فلسطين الحبيبة، أنهم يفقدون من رصيد تعاطف العالم معهم، وأنهم سيصبحون قريبا بلا نصير ولا ظهير.. إذا لم يفعلوا ذلك، فأدعوهم أن يتقبلوا أوضاعهم، وألا يحملوا أحدا مسئولية مآسيهم الحالية.. وألا يستمعوا الى مطلقي التحليلات السياسية العقيمة، التي أوصلتهم سابقا الى ما هم عليه.

رحم الله القصيمي.

كاتب المقال: سفير اليمن في الهند