-1-
يبدو أن حركة وفكر الليبراليين العرب الجُدد قد أخذ يحظى بالاهتمام الأكاديمي والعلمي من الأكاديمية العربية والأكاديمية الغربية أيضا، رغم كل ما تعرّض من هجوم إعلامي غوغائي من قبلا الإعلام العربي ومن قبل بعض القراء المُستأجَرين من قبل أجهزة المخابرات البوليسية والذين لا شغل لهم ولا وظيفة إلا مهاجمة الكتاب والمفكرين الليبراليين في (ردود القراء) تحت أسماء مستعارة، شأنهم في ذلك شأن الأسماء المستعارة للإرهابيين الدمويين. فهؤلاء مُرهبو الكتّاب، المتنكرون بأسماء تنكرية وهمية كالماكر، والسافر، والناظر، وأبو إشارة، وبواب الحارة والعمارة وغيرهم، لو كان لديهم حوار حضاري وعلمي وفكر حقيقي مغاير، لكشفوا عن شخصياتهم الحقيقية، ولمارسوا النقد الموضوعي، بدلاً من هذا السباب اليومي البذيء، الذي لا يليق إلا بباعة أسواق الخضار والسمك. وجلّهم ndash; كما قيل لي فأنا لا أقرأهم - كما يبدو من لغتهم الشوارعية من مصر المحروسة، التي تصدّر لنا دائماً (حَوَش) الكلام، من ذوي الأفواه الواسعة غير المجدية، الذي نقرأه هذه الأيام ونسمعه ونشاهده على الفضائيات، والذي أصبح مدرسة مصرية بامتياز، منذ عهد سيء الذكر أحمد سعيد إلى الآن. ويبدو أن جزءاً من الإعلام العربي النظيف والشريف، ومنه quot;إيلافquot;، قد حرص على كشف عورة هؤلاء، وتعريتهم، ومدَّ حبل النشر الطويل لهم عامداً متعمداً ndash; كما قال أحد القراء في رده على بعضهم ndash; فأخذ ينشر لهم كل ما يرده منهم من قذارات وسقط الكلام، لكي يؤرخ بالوثائق وبالتاريخ للغوغائية العربية في زمنها الرديء والمالح، وليُتح الفرصة غداً أمام الباحثين لكي يشهدوا على هذه الغوغائية وجزء من التفكير العربي المنحط، بهذه التعليقات الرديئة الموثّقة مكاناً وتأريخاً. فشكراً لإيلاف. ونحن ككتاب ليبراليين، غير متضايقين ولا منزعجين من هذه التعليقات، ولم نحتج عليها يوماً لدى تحرير quot;إيلافquot;. وهو يشهد. بل إننا نريد المزيد من هذه التعليقات الغوغائية الرديئة لكي نثبت غداً، كيف قوبل الفكر الليبرالي الجديد، من لدن الغوغاء والدهماء، ومطربي حواري الزفة العرباوية، و(معلمي) مقاهي الإعلام العربي.
فرحماك يا مصر المحروسة، يا ولاّدة التنوير والتغيير في الماضي، من هذه القمائم التي أنتجها هذا الزمن الرديء والمالح، والتي تُنثر فوق رؤوسنا كل يوم من مزابل الإعلام العربي وخاصة المسموع والمشاهد منه.

-2-

دعونا من هذا الآن، ولندخل في الجَد.
أما جَدُ كل جَدِ الأمس، فهو في الندوة العلمية الأكاديمية، التي أقامتها كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة في العام 2005، والتي كانت بعنوان (الديمقراطية والإصلاح السياسي في الوطن العربي: نحو رؤية عربية) والتي قدمت فيها الدكتورة أميمة مصطفى عبود في ورقتها البحثية عن مفهوم (الإصلاح السياسي في بعض نصوص الخطاب الليبرالي العربي الجديد) الذي تم نشره ونقاشه بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، وحظي باهتمام شديد في العالم العربي والغرب خاصة بعد نشر (البيان الأممي ضد فقهاء الإرهاب) الذي تم رفعه إلى الأمم المتحدة بعد أن وقّع عليه أكثر من ثلاثة آلاف مثقف من مواطني الشرق الأوسط في الداخل والخارج. وجاءت المحكمة الدولية التي أقرها مجلس الأمن أخيراً لمحاكمة قتلة الحريري وباقي ضحايا لبنان من السياسيين والإعلاميين واحدة من انجازات هذا البيان غير المباشرة.

-3-
أما جَدُ كل جَدِ اليوم، فهو حين أطلت علينا المستشرقة الايطالية المعروفة فالنتينا كولومبو، أستاذة الدراسات الشرق أوسطية في جامعة ميلانو، والتي سبق وقدمت للثقافة الايطالية مجموعة من الكتب عن الرواية العربية، والقصة العربية، والشعر العربي المعاصر. السيدة كولومبو تطلُّ علينا اليوم بكتابها الجديد ( كفى: مسلمون ليبراليون ضد مسلمين متعصبين). وهو كتاب نشر حديثاً في ميلانو في 374 صفحة، وضمَّ 52 مقالاً من مقالات الليبراليين العرب الجدد، مترجمةً إلى الايطالية لعدد 46 كاتبة وكاتباً عربياً ليبرالياً. وهؤلاء الكتاب العرب الليبراليون، ناقشوا عدة موضوعات في هذه الكتاب كان أبرزها:
1-حرية الفكر والعقيدة.
2- مسألة الحرية والديمقراطية والعلمانية.
3- حرية المرأة.
4-أعداء الحرية، والإرهاب الديني السياسي.
وفي نهاية الكتاب، ضمّنت الدكتورة فالنتينا كولومبو بعض الوثائق العربية الليبرالية التاريخية المهمة منها: (البيان الأممي ضد فقهاء الإرهاب) ومنها (مسودة المانيفستو الليبرالي). وقالت الدكتورة كولومبو في مقدمة كتابها الطويلة والمستفيضة التي استغرقت حوالي ستين صفحة، إن الهدف من إصدار هذا الكتاب هو إثبات وجود الليبراليين العرب الجدد الذين يستطيعون تغيير العالم على خارطة الفكر العربي الجديد. وكل ما يحتاجه هؤلاء الليبراليون الآن، هو أناس يستمعون لهم، وآذان تُصغي إليهم.

-4-
من خلال قراءة مقدمة الدكتورة فالنتينا كولومبو، يتبين لنا أن هذه المستشرقة الايطالية المتحمسة حماساً شديداً لفكر الليبراليين العرب الجدد، كانت حريصة أشد الحرص على إضاءة هذا الفكر إضاءات أكاديمية من خلال هذا الاستعراض السريع لأقوال بعض الأكاديميين في الغرب، فقالت:
quot;كفى لتهديدات الاسلامويين المتعصبين. تلك صرخة خرجت بعد مقتل المصور فان كوخ في الثاني من نوفمبر 2004 ، من المثقف الإيراني آفشن إيليان أستاذ القانون بجامعة ليدن الهولنديةquot;.
quot;كفى لهؤلاء الإسلامويين المتعصبين الذين يريدون السيطرة على الدين، من أجل أن يضعوا كل البشرية تحت أقدامهم، كما كتب الانثربولوجي الفرنسي دويانا بوزارquot;.
quot;متى نتوقف عن التفكير للآخرين؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يجب أن نجيب عليه سريعاً. فالإصلاح الحقيقي للإسلام، هو أن نترك أكثر من مليار مسلم في العالم يفكرون لوحدهم وبطريقتهم الخاصة، دون فرض تفكير الفقهاء وتفاسيرهم القسرية عليهمquot;.
quot;إن المسلمين الليبراليين المخلصين هم ضد الإسلامويين المتعصبين المتطرفين. والمشكلة سواء في الغرب أو في الشرق، أن المؤسسات الرسمية الدينية وغير الدينية، لا تريد للمسلمين الليبراليين المخلصين، أن يفعلوا ذلك، ويمنعونهم من فعل ذلك في كثير من الأحيانquot;.
quot;لقد بدأ الغرب ييأس بعد 11/9/2001 من وجود مسلمين معتدلين حقيقيين. في حين اعتُبر كل من طارق رمضان وراشد الغنوشي ويوسف القرضاوي وجماعة الإخوان المسلمين من الإسلاميين المعتدلين، حيث أصبح الاعتدال الإسلامي في نظر الغرب، هو الإسلام الذي لا يُفجّر السيارات المفخخة ولا يلبس الأحزمة الناسفة. ولكن هؤلاء جميعاً ممن يُعتبروا من الإسلاميين المعتدلين أصدروا فتاوى بالقتل والإخراج من الملة وتكفير المسلمين الليبراليين. ولهذا السبب فأنا أطالب بعدم استعمال كلمة quot;معتدلينquot; حيث لا يوجد إسلاميون معتدلون، فهذا مصطلح زائف وخادع. ولكن هناك إسلامويين متعصبين ومتطرفين، وهناك إسلاميين ليبراليين من المسلمين والمسيحيين والعلمانيين. وهم الذين ضمهم كتاب (كفى: إسلاميون ليبراليون ضد إسلامويين متطرفين). وهم الذين كتبوا ووقعوا على (البيان الأممي ضد فقهاء الإرهاب) ويؤيدوا القيم الرفيعة للحرية والديمقراطية quot;.
شكراً للديكتوره فالنتينا كولومبو التي عرّفت الثقافة الايطالية بفكر الليبراليين العرب الجدد. وسيكون كتابها المهم مدخلنا إلى الفكر الغربي عامة.
السلام عليكم