ليس صدفة أن تشتدّ الحملة التي تشنها أوساط معينة معروفة بعدائها للمملكة العربية السعودية على الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز مستشار الأمن القومي في المملكة في هذا الوقت بالذات. المطلوب بكلّ بساطة تعطيل دور السعودية سياسياً على كلّ الصعد والعودة ألى سياسة الجمود التي سادت طوال فترة لا بأس بها وسمحت لكلّ القوى الأقليمية غير العربية أو للقوى العربية المرتبطة بأجندات غير عربية بأن تأخذ راحتها. حصل ذلك على حساب الدور السعودي أوّلاً وأخيراً في وقت تبدو مصر أسيرة أوضاعها الداخلية المعقّدة على رأسها مسألة خلافة الرئيس حسني مبارك.
لماذا بندر؟ ولماذا الحملة عليه شخصياً في هذا الوقت بالذات؟ الجواب في غاية الوضوح والبساطة. منذ تولى الرجل موقعه الجديد كمستشار لشؤون الأمن القومي، بدأت السياسة السعودية تأخذ بتوجيهات من الملك عبدالله بن عبد العزيز منحى جديداً. لا يمكن القول أن هذه السياسة خرجت عن الخطوط العريضة للسياسات التي تنتهجها السعودية منذ تأسيسها، ألاّ أن الملفت أن التغيير الذي جاء في سياق الأستمرارية أثبت أن السعودية قادرة على أمتلاك رؤية أستراتيجية وعلى الدفاع عن هذه الرؤية بقوة. هل يعاقب بندر بن سلطان على العلاقة المميزة التي ربطته بالأدارات الاميركية المتلاحقة بين العامين 1983 و2005 وتمكنه من المحافظة على العلاقة حتى بعد تركه السفارة في واشنطن في العام 2005؟ أم أنّه يعاقب على العلاقة المتميزة التي أقامها مع الأدارات الجمهورية خصوصاً ومع جورج بوش الأبن شخصياً؟ هل يعاقب على سعيه ألى أن يكون عضواً في فريق عمل برئاسة الملك عبدالله يضع سياسة متماسكة في كل الأتجاهات والمجالات وتقيم علاقة ذات طابع عملي مع الجمهورية الأسلامية في أيران التي تمتلك مشروعاً سياسياً واضحاً وطموحاً لا يمكن تجاهله، مثلما لا يمكن الرضوخ له؟
أقل ما يمكن قوله عن الحملة المتجددة على بندر بن سلطان أنها من النوع المبتذل. لو لم يكن الأمر على هذا النحو لما كان أثير مجدداً موضوع العمولات التي يُقال أن شركة quot;بي. آي. أيquot; البريطانية دفعتها في مقابل عقد quot;اليمامةquot; العائد ألى العام 1985 من القرن الماضي. لنفترض أن هناك عمولات دفعت في أطار عقد quot;اليمامةquot;، لماذا التركيز على بندر بن سلطان بالذات وحصر العمولات المقدرة بملياري دولار به. هل يعقل أن تكون العمولات ذهبت كلّها ألى جيب الأمير بندر؟ هل هو الوحيد الذي على علاقة بعقد quot;اليمامةquot; الذي قيمته ثلاثة وأربعين مليار جنيه أسترليني أي ستة وثمانين مليار دولار، أذا أخذنا قيمة صرف الدولار أمام الجنيه اليوم؟
هناك أشياء معقولة وأشياء أخرى غير معقولة. المعقول هو ما يكشفه تسلسل الأحداث. يفيد هذا التسلسل بأن بندر بن سلطان بدأ يتعرّض لحملات صحافية معروف جيداً من يقف خلفها ومن يمولها بعدما بدأت المملكة العربية السعودية تلعب دوراً أقليمياً على كلّ صعيد، دوراً في الحجم الحقيقي للسعودية. وقد أدّى ذلك ألى أخذ دولة قطر المتحالفة مع النظامين السوري والأيراني حجمها الحقيقي. لعبت السعودية دوراً في فلسطين. وكان التوصل ألى أتفاق مكة بين quot;فتحquot; و quot;حماسquot; وهو أتفاق لم يكن ممكناً تطويره ألى أكثر من أتفاق لوقف أطلاق النار في غياب الأمير بندر. ولعبت السعودية دوراً في لبنان وفي ضمان عدم حصول صدام سني- شيعي وأستطاعت حمل أيران على لجم quot;حزب اللهquot; الذي كان متجهاً ألى تفجير الوضع في هذا البلد بناء على طلب سوري. ولذلك بدأ السوريون يروّجون قبل فترة لا بأس بها عبر الصحفي الأميركي سيمور هيرش أن بندر يموّل ميليشيات سنية متطرفة في لبنان والعراق. لم يأت الصحافي المشهور (سابقاً)، بأي دليل على ذلك، بل أن كل مصادره كانت من النوع المشكوك به، أي من نوع نقل فلان عن فلان. وأعتبر ذلك أساءة ألى المجلة التي يكتب فيها. لكن الأعلام السوري والأيراني وأدواته اللبنانية وغير اللبنانية، راح يروج لهذه المقولات التي لا تمت ألى الحقيقة بصلة. وما يمكن ملاحظته هنا هو أن التضايق السوري من بندر كان كبيراً، خاصة أن الحوار الأيراني- السعودي لم يؤد ألى أي نتيجة على صعيد تحسين العلاقات بين الرياض ودمشق وأن حضور الرئيس بشار الأسد للقمة العربية التي أستضافتها السعودية لم يقدّم ولم يؤخر. على العكس من ذلك، أظهر بشّار من خلال تصرّفاته في مرحلة ما بعد القمة أنّه شبه أسير لدى الأيرانيين وأن هامش المناورة لديه أصبح محدوداً جداً بدليل ما يفعله في لبنان، خلافاً للوعود التي قطعها للسعوديين.
وفي حال كان مطلوباً التأكد اكثر من مصدر الحملة على الأمير بندر، يمكن الأكتفاء بالأشارة ألى أن من تابع الحملة عليه في الصحف الأميركية هو مارتن أنديك السفير الأميركي السابق في أسرائيل الذي تربطه بالدوحة ودمشق وطهران علاقات أكثر من طيبة.
لماذا بندر بن سلطان؟ ولماذا أستهداف الرجل في هذا الوقت بالذات؟ المطلوب أن لا يكون للسعودية دور. المطلوب العودة ألى سياسة الجمود. المطلوب التفرج على الأيرانيين يسرحون ويمرحون في المنطقة العربية، من العراق، ألى سورية، ألى لبنان، ألى فلسطين، ألى مصر والسودان في مرحلة لاحقة. المسألة أكبر من حملة على أمير سعودي ذنبه أن لديه رؤية واضحة لما يدور في المنطقة وللدور الذي يمكن أن يلعبه بلده في الدفاع عن الهوية العربية. المسألة مسألة الدور السعودي لا أكثر ولا أقل. هل من دور سعودي بغض النظر عن دور ما لبندر بن سلطان أم لا؟