تصاعدت بعد الانقلاب العسكري الذي قامت به حركة حماس في غزة التكهنات بمصير الضفة الغربية، فسيطرة حماس الانقلابية على قطاع غزة وتبادل رفض الاعتراف بالآخر بين حماس غزة وفتح الضفة، يعني قيام دويلة لحماس في القطاع لن تعترف برئاسة محمود عباس ولا بحكومة الطوارىء التي شكلها برئاسة سلام فياض، وقد سبق تشكيل هذه الحكومة إقالة محمود عباس لإسماعيل هنية وحكومته الحماسية، وبالتالي ترسخت علنيا قيادتان فلسطينيتان في غزة برئاسة إسماعيل هنية ممثلا لحماس، وقيادة في الضفة الغربية برئاسة محمود عباس وحكومة الطوارىء التي شكلها وتعتبرنفسها ممثلة للضفة والقطاع رغم عدم اعتراف حكومة دويلة غزة بذلك.
من التكهنات الخاصة بمستقبل الضفة الغربية راجت مسألة احتمال عودة القيادة الأردنية عن قرارها الخاص بفك الارتباط مع الضفة الذي أصدره المرحوم الملك حسين عام 1988، وعودة الضفة لتكون جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية، وقد كتب كتاب فلسطينيون وعرب في الأيام القليلة الماضية عقب انقلاب حماس العسكري حول احتمال ذلك لحسم مستقبل ومصير الضفة الغربية. من المهم التذكير أن المرحوم الملك حسين اتخذ ذلك القرار الاستراتيجي تلبية لرغبة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عقب اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر الذي أعلن فيه المرحوم ياسر عرفات قيام الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967، فكان القرار الأردني ترسيخا للكيانية الفلسطينية ودعما للدولة الفلسطينية المعلنة، مؤكدا منذ تلك اللحظة احترام الأردن للقرار والرغبة الفلسطينية أيا كانت حدودها وآفاقها، ولا علاقة للأردن بالخيار الفلسطيني فأهل القضية هم من يقررون ما يريدون وعلى الأردن دعم خيارهم واحترام رغباتهم. وتمّ في عهد الملك عبد الله الثاني مرارا التأكيد على قرار فك الارتباط واحترام الخيار الفلسطيني الخاص بالدولة الفلسطينية ودعم أية رغبة أو سياسة فلسطينية، وعدم التدخل في الشأن الفلسطيني بأي شكل من الأشكال، وعلى عكس هذا الموقف الأردني الواضح كان تصريح محمد نزال عضو المكتب السياسي لحركة حماس في يناير 2006 عقب فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، إذ قال حرفيا ( إن حركة حماس لا تعترف بفك الارتباط بين الضفة الشرقية والغربية ولهذا ترفض أن يتخلى قادتها عن الجنسية الأردنية )، فهل كان ذلك التصريح حرصا فقط على الجنسية والجواز الأردني أم تنبؤا بالموقف الحالي عقب انقلاب حماس العسكري، وقيام دويلتها في قطاع غزة، وبدلا من قيام دويلة فلسطينية أخرى في الضفة الغربية فالأفضل عودة الضفة للملكة الأردنية الهاشمية.
ورغم هذه المواقف الفلسطينية المتناقضة خاصة من قادة حماس، فأنا أرى أن المصلحة الأردنية والفلسطينية هي استمرار رفض القيادة الأردنية العودة عن قرار فك الارتباط، لأن الذين يطالبون بالعودة عنه لا يريدون خيرا بالأردن، لأنه فور العودة عنه وهذا مستبعد تماما من القيادة الأردنية، ستبدأ اتهامات المزايدين والثورجيين بأن الأردن يريد تصفية القضية الفلسطينية وما شابه ذلك من اتهامات ومزايدات، وأنه لولا الخطوة الأردنية تلك لكان أولئك الثوريون على وشك تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، خاصة أن هناك قولبة جاهزة في العقل العربي بشكل عام، فلا مانع تكون سورية هي قلعة الصمود والتصدي رغم أنها لم تطلق رصاصة ضد المحتل الإسرائيلي لجولانها منذ عام 1973، ولكن الأردن يتعرض للاتهامات بسبب ودون سبب. ومن ناحية ثانية سيكون ذلك عمليا خدمة للتيار اليهودي المتطرف المنادي بالوطن البديل والقائل باطلا بأن الدولة الفلسطينية قائمة شرق النهر أي في المملكة الأردنية الهاشمية، من هنا كان ويستمر التأكيد الأردني الرسمي والشعبي على أن الأردنيين من أصول فلسطينية هم أردنيون، وعندما تقوم الدولة الفلسطينية المستقلة من يقرر العودة للدولة الفلسطينية عليه أن يتخلى عن الجنسية الأردنية ومن يفضل البقاء أردنيا فهذا خياره. وقد كانت خلفية هذا الموقف هي سبب المشكلة مع قيادة حماس التي تم إبعادها عن الأردن في نوفمبر من عام 1999، لأنه حسب الدستور الأردني لا يجوز للمواطن الأردني أن يكون عضوا في حزب أو حركة غير أردنية، وبالتالي لم يكن منطقيا أو دستوريا أن يكون أولئك المواطنون الأردنيون الأربعة، يحملون الجنسية ألأردنية ويقيمون في العاصمة الأردنية وهم أعضاء في حركة حماس الفلسطينية ويديرون أعمالها وسياستها من العاصمة الأردنية، وهذا ما لا يمكن أن تقبل به أعرق دولة ديمقراطية في العالم. لذلك وافقت الحكومة الأردنية في يونيو من عام 2001 على عودة أحد المبعدين الأربعة وهو إبراهيم غوشة الذي كان ناطقا باسم حركة حماس، بعد أن تخلى عن عضويته في حركة حماس واسترد جوازه وجنسيته الأردنية، ومنذ ذلك التاريخ وهو يعيش مواطنا أردنيا بدون أي نشاط سياسي لا في حركة حماس أو في أي حزب أردني.
إن المصلحة الأردنية والفلسطينية تقتضي عدم العودة عن قرار فك الارتباط، واعتقد جازما أن القيادة الأردنية تعي ذلك بمنتهى الوضوح، من هنا يستمر تأكيدها على دعم الخيار الفلسطيني أيا كان، فأهل غزة والضفة أدرى بشعابها وبما يريدون حتى لو كان دولتان: حماسية في القطاع وفتحاوية في الضفة، وفي أوج حرب تحرير قطاع غزة الذي قادتها حركة حماس في الأيام الأخيرة، عاد الملك عبد الله الثاني لتأكيد هذا الموقف الأردني، ففي لقاء عقد بينه وبين سفراء الاتحاد الأوربي في منزل السفير الألماني بالعاصمة الأردنية عمّان، قال جلالته : ( إن الكونفدرالية أو الفيدرالية ليست موجودة في قاموسنا السياسي في هذه المرحلة، وهذا كلام واضح وقاطع لأنه لا يمكن وضع العربة قبل الحصان أو الذهاب إلى العملية السلمية مشيا إلى الخلف، وفي المستقبل وبعد أن يحصل الشعب الفلسطيني على دولته يمكن النظر لوجود حاجة أو عدم وجود تلك الحاجة لعلاقة من ذلك النوع وضمن خطوات تعطي للشعبين الحق في قول الكلمة الفصل )، تلك هي آفاق المصلحة الشعبية الأردنية والفلسطينية يقررها الشعبان بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة تماما، أما قبل ذلك فلا عودة أردنية عن قرار فك الارتباط كما تؤكد القيادة الأردنية وفي ذلك مصلحة أردنية فلسطينية.
[email protected]