لم تتخل مصر حكومات وشعبا عن القضية الفلسطينية وشعبها في كل المراحل والأزمات، حتى في زمن المرحوم أنور السادات الذي خوّنه الثوريون والمناضلون الفلسطينيون كانت القضية الفلسطينية في لبّ محادثات كامب ديفيد، وعرضت على الفلسطينيين كافة الأراضي المحتلة عام 1967 ، وفي السنوات العشر الأخيرة التي أعقبت عودة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية للمناطق الفلسطينية تحت مسمى السلطة الفلسطينية، كانت الحدود المصرية والعاصمة القاهرة هي المنفذ الرئيسي للرئيس عرفات وقيادته، ولا أعتقد أن شهرا كان يمرّ دون مرور عرفات مرتين أو ثلاثة من مطار القاهرة والحدود المصرية مع قطاع غزة. وعقب وفاة عرفات وصعود حماس المفاجىء وبدء التوترات بينها وبين حركة فتح في قطاع غزة تحديدا، وشعورا بالمسؤولية المصرية تجاه هذا الوضع المدمر للشعب الفلسطيني وقضيته، أوكل الملف الفلسطيني للفريق عمر سليمان مسؤول المخابرات المصرية، وتشكل وفدا أمنيا مصريا برئاسة اللواء برهان حماد، كان يقيم إقامة دائمة في مدينة غزة للتوفيق بين الأشقاء الأعداء أكثر من عداوتهم مع جيش الاحتلال الإسرائيلي. وقد احتضنت القاهرة عشرات الاجتماعات بين حماس وفتح وبقية الفصائل الفلسطينية، وكانت القيادات المصرية تستقبل الجميع مهما كانت ملاحظاتهم وانتقاداتهم على بعضهم، وفي لحظة مناكدة وتنكر للدور المصري طاروا بسرعة ضوئية لتوقيع اتفاق مكة الذي لم يصمد أكثر من ستة ساعات هي التي احتاجها وقت لملمة الوفود وتغيير ملابسهم ببدل جديدة لزوم التصوير الفضائي.
وقد استمرت مصر بعد اتفاق مكة في دورها للصلح والتوفيق بين الأشقاء الشياطين، ورغم ذلك تنكرت حماس تحديدا لهذا الدور المصري، واستمرت في انقلابها العسكري تستولي بدم بارد وبدون أدنى حد من الإنسانية على مقرات الأمن والشرطة الفلسطينية، تحرق وتسرق كل محتوياتها، ووصلت العربدة الحمساوية المرتكبة باسم الإسلام إلى نهب وحرق منزل الرئيس عرفات والرئيس محمود عباس، ويلتقط شياطينها الصور التذكارية هناك، التي ستكون صورا لعارهم بحق الشعب الفلسطيني، والأخطر من ذلك وإمعانا في التنكر للدور المصري، قام مناضلو حماس باعتقال وخطف وفد لحركة فتح أثناء توجهه لاجتماع مع الوفد المصري برئاسة اللواء برهان حماد، لذلك أعلنت مصر سحب وفدها الأمني من القطاع وعاد إلى القاهرة فور إكمال حماس انقلابها العسكري وسيطرتها على القطاع ، ذلك الانقلاب الذي زفه سامي أبو زهري الحمساوي للشعب الفلسطيني على أنه التحرير الثاني للقطاع...يا للعار! وفور سحب الوفد الأمني المصري أعلن مصدر مصري مسؤول أن ( مصر ترفض الوصاية على غزة رفضا قاطعا ) وهو يعني وصاية حماس الانقلابية.

حماس غزة وإخوان مصر
وانقلاب حماس العسكري هذا ليس بعيدا عن توجهات جماعة الإخوان المسلمين المصرية، فمهما حاولوا التغطية فحماس هي المولود الشرعي لإخوان مصر الذين كان إخوان غزة تابعين لهم تنظيميا وسلوكيا، وهذا ما يفسر الاتصال الذي حصل بين محمود عباس ومهدي عاكف مرشد الإخوان في القاهرة ليقوم بنصح أولاده في حماس كي يتوقفوا عن انقلابهم على السلطة الفلسطينية، ولم يسفر ذلك الاتصال عن نتائج سوى استمرار الحماسيين في انقلابهم وقتلهم لمسؤولي فتح بشكل بعيد عن الخلق والأخلاق خاصة قتلهم لقيادي كتائب الأقصى سميح المدهون، وتمثيلهم بجثته ودوسهم عليها بالأحذية والكاميرات تصور أفعالهم المجرمة وهم منتشون بالنصر المبين!.
لذلك فعلى القيادة المصرية أن تنتبه الآن من هذه العصابات المسلحة على حدودها الشرقية، خاصة أن بعض العمليات الإرهابية في شرم الشيخ كانت فيها بعض المشاركات الفلسطينية بشكل من الأشكال، وهذا يعني أن خطوة سحب الوفد الأمني وحدها لا تكفي، لأن غدر حماس للدور المصري، لا بد أن يقابل بخطوات جدّية لتعرف تلك العصابات أنه لا يمكن السكوت على جرائمها بحق شعبها، ومن يرتكب هذه الجرائم بحق شعبه وقياداته لن يكون أمينا ولا حريصا على أمن مصر وشعبها وحدودها، وانتصار حماس العسكري الانقلابي سيعقبه مارشات عسكرية أخرى لجماعة الإخوان المسلمين المصريين في الجامعات والمؤسسات المصرية . إن سكوت القيادة المصرية على هذه الجرائم سيؤدي لجرائم أخرى في القطاع وداخل مصر. إن أول الخطوات التأديبية هي مقاطعة حركة حماس وقياداتها ومنعهم من دخول الأراضي المصرية والمرور من خلالها، كي يعرفوا أن التنكر للدور المصري والغدر به لن تمر بسهولة، خاصة أن مصر لم تكن تتوسط لمصالح خاصة سوف تجنيها من قطاع غزة، بقدر ما هو الحرص على مصلحة الشعب الفلسطيني وتحقيق استقلاله كما قال الناطق المصري.
إن الوضع واضح في القطاع فهو انقلاب عسكري غادر على السلطة الفلسطينية، من هنا كان غبيا للغاية قرار وزراء الخارجية العرب الخاص بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، فأية حقائق تحتاج إلى تقصي أيها الغائبون عن حقيقة ما يجري، وكم كان جريئا رفض السلطة الفلسطينية لهذا القرار....غدر حماس بالدور والجهد المصري ينبغي أن لا يمر بدون عقاب من الجانب المصري ، فمن يتخذوا من الإسلام غطاءا ومن محمد مهدي عاكف مرشدا لن تتوقعوا منهم سوى المزيد من الغطرسة ونكران الجميل والجرائم بحق فلسطين ومصر.
[email protected]