مشهد فلسطيني مقلق بكل تفاصيله، حيرة الصمت القاتل تسيطر على شعب أنهكته حالة دموية غير مسبوقة في تاريخ فلسطيني متقلب. دولة الولايات المتحدة الغزاوية ذات الـ360 كليو متر مربع تعلن استقلالها عن نفسها، بينما الاتحاد السوفيتي الضفاوي quot;الضفة الغربيةquot; ذات المليوني نسمة، أقامت هي الأخرى دولتها وأعلنت استقلالها عن غزة حماس. وسيطر كل على منطقته الجغرافية بينما لا تزال إسرائيل تسيطر على الدولتين المحتلتين منذ 40 عاما. نقسم الوطن المحتل بأيدينا، وكأن المشهد الفلسطيني لا يكفيه كل ما أصابه من مصائب وكوارث عبر سنوات خلت.
رغبة حماس في السيطرة لم تقتصر على حد إطلاق نار هنا وهناك، خططت، تريثت، وهاجمت، وفي ليلة وضحاها تنتصر حماس على عدوها اللدود فتح في غزة بانقلاب عسكري شرعته لنفسها، بينما كانت بالأمس ترفض quot;قتال الإخوةquot; وتعتبره خطا أحمر، لكن على ما يبدو لم يعد هناك خطوط حمراء في فلسطين ولم يعد من اللون الأحمر سوى الدم، أما ذاك اللون في العلم الفلسطيني فقد سال ما بين الضفة وغزة، وأخذت حماس لونها الأخضر من العلم الفلسطيني ورفعته على مقرات غزة الأمنية، وما تبقى من ألوان تقاسمته حركة فتح مع فصائل فلسطينية أخرى ومستقلين بالضفة الغربية.
حكومتان تعملان في أراض فلسطينية متقطعة، يفصلها عن بعضها حواجز إسرائيلية منتشرة بكثرة، وبين كل حاجز إسرائيلي وآخر نجد أيضا حاجزا جديدا. ورغم ذلك تواصل حركة حماس quot;فرحة النصرquot; في قطاع غزة، ولم تخجل على نفسها عندما قالت على لسان المتحدث باسمها أن ما حدث من انقلاب عسكري هو تحرير ثان للقطاع بعد الانسحاب الإسرائيلي من هناك.
حماس التي تواصل فرحة الانقلاب في 360 كيلو متر مربع نسيت شعبا فلسطينيا لم ير في حياته أيام الفرح، ونسيت ما تسببت به للقطاع من إغلاق للمعابر وفرض لحصار شامل ومنع لدخول الوقود والمواد الغذائية إلى ذلك الجزء من الوطن الذي فصلته حماس واعتبرته إقليما منفصلا لنفسها تتربع على زعامته.
وفي الضفة الغربية المشهد لا يقل ألما، مؤسسات تحرق وتدمر أيضا بأيد فلسطينية، والأفعال والردود عليها سمة متواصلة داخل مقر المقاطعة في رام الله.
يغضب الرئيس محمود عباس على الانقلاب العسكري في غزة ويقرر وقف مهام هنية ويعلن إقالته وتشكيل حكومة طوارئ، وفي القطاع quot;المحتلquot; يرفض هنية الاستقالة ويقول أنه سيواصل مهامه. ليعيش الشعب الفلسطيني في quot;نعيم وربما جحيمquot; حكومتين في دولتين منفصلتين، بينما يبقى الشعب كله بلا دولة، فلم يعلن إلى الآن قيام دولة فلسطينية، وسيارة الجيب العسكرية الإسرائيلية لا زالت تتجول بحريتها في شوارع رام الله ونابلس وفي كل ما هو فلسطيني.
ربما أبرر للرئيس عباس خطوته بإقالة حكومة هنية التي تتمركز غالبيتها في قطاع غزة، فهي لم تصمت أمام الانقلاب العسكري ضد مؤسسات السلطة الفلسطينية بل على العكس من ذلك أيدت وشاركت من خلال القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية التي كان يقودها هنية.
فماذا كانوا يتوقعون من (أبو مازن)، ولماذا غضبوا عليه عندما أعلن عن إعلان حالة الطوارئ وإقالة هنية، هل اعتقد الحمساويون أن يتوجه عباس إلى غزة ويقدم باقة من الورد لمحمود الزهار وسعيد صيام على هذا الانقلاب. أم كان عليه أن يذهب إلى غزة ويجلس يحاور هنية ويتوسل إليه لسحب عناصره من المقرات التي تم احتلالها.
كما أن الرئيس عباس ورغم ما حل بأجهزته الأمنية لم يصدر قرارات باعتقال أو اغتيال عناصر حماس أو قياداتها، وما حدث في الضفة الغربية كان ردود فعل على حرب اندلعت في قطاع غزة وإن كانت ردات فعل غير مبررة وغير مقبولة، فالكل هو فلسطيني والخاسر فلسطيني وليس هناك من رابح في معركة quot;الإخوة الأعداءquot;.