في صيف عام 2007م أقسم رئيس بلد عربي على الدستور، أن يركب على ظهر العباد سبع سنوات عجاف، يأكلن سبع بقرات سمان.
وكما نرى فالمنظر الخارجي يوحي برئاسة ودستور وقانون، والحقيقة مافيا مدربة على القتل، وشريعة الغاب، بالسن والظفر والناب..
الأمة نائمة والناس تسبح في بحر من ظلمات القنوط والاستسلام، مثل مريض السرطان المدنف الذي ينتظر الموت؛ فكل ما في الجو مطر ورعد وبرق، يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت، والله محيط بالكافرين، يكاد البرق يخطف أبصارهم، كلما أظلم عليهم قاموا، إذا أخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله لو نورا فما له من نور
وفي العراق خربت بصرى والحلة والديوانية وكربلاء وكركوك، وما هي من الظالمين ببعيد.
ومن هم حول العراق يمسحون أيديهم على رؤوسهم، ويقولون انج سعد فقد هلك سعيد..
ويحمدون الله على صحة الطاغية، أن يرزقه بــ (درزن) من الأولاد، يحكمون أطول من فترة هولاكو والدولة الأليخانية في إيران.
وقابلت طبيب أسنان من مساكن برزة في دمشق، بعد أن ودع غابة الرفاق فقال لي: كان قراري في المغادرة حين رأيت طبيب أسنان عراقي يتوسل إلي أن أشغله عندي في العيادة بأي عمل وأي شيء ممرضا كان أو ماسح أرض؟؟
يقول الرجل فقلت في نفسي: العراق أرض الزراعة والتمور أصبحت أرضا تبور. ومنبت الحضارات ونبع البترول الذي لا يعرف النفاد، نفد فيه كل شيء إلا صناعة الموت، وأما بلدي فليس في قوة العراق وبنفخة من فم الجن يصبح في عالم عبقر.
ومن كان عاقلا حزم أموره قبل العاصفة.
تابع : نحن جيل التيه والخوف بلا مستقبل لنا، فلنبحث على الأقل عن مستقبل لأولادنا في بحر الظلمات أو جزيرة كمشتكا وسخالين وبيتاغونيا.
فهذه هي الأسباب العميقة للدياسبورا العربية..
وقابلت شابا حديث السن كان ترتيبه الخامس في الثانوية العامة يريد نصيحتي للمستقبل، فاقترحت عليه علوم المستقبل؟
فنظر لي بحسرة وقال ـ وهو ابن 17 سنة ـ كلما فكرت في أعظم الإنجازات أصاب بكآبة أن يخرب كل شيء ويتدمر وطني بحرب مجنونة.
وما حدث في العراق هو بؤرة الزلزال، ولكن اللافا من الحمم لم تصب بعد على رؤوس الناس في بلاد الأشقياء العرب عفوا الأشقاء؟
وكل ما يسمعوه هو دمدمة الزلزال من العمق، وفرار القطط والجرذان، منذرة بالكارثة القادمة..
وتشقق الأرض من تحتهم. ذلك حشر علينا يسير..
وحاليا تتكوم الفوضى العراقية فوق الفوضى السورية، وكل شهر تولد في بلاد البعث الشامية مدينة بثلاثين ألفا من الأنام، من حطام البعث العراقي، بقدر عدد سكان مدينة متوسطة الحجم بدون خيام وطعام وأمن، إلا من رجال الأمن، واستلاب دنانير العراقيين المنكوبين؛ فهذه ضريبة الأخوة العربية..
والغابة العربية حاليا تسرح فيها الضواري من كل صنف زوجان بجانب ديناصور أمريكي لاحم..
بدأنا حديثا بالدستور ولم ننهه؛ فالحياة الاجتماعية في الواقع لا تمشي بدون دستور. وفي بعض البلدان العربية توجد دساتير، ولكن لا تزيد قيمتها عن الورق الذي سطر فوقها.
وقصة آدم في القرآن عن الشجرة المحرمة معناها القانون، فالجنة كانت مباحة له إلا شجرة واحدة حرم عليه الأكل منها، ومع نظام التحريم نشأت العلاقات القانونية، فيعرف كل إنسان ماله، وما ليس له؟.
ولذا لا بد من كتابة الدستور على الورق، ولكن ما يحدث في مناطق ضعف الوعي الاجتماعي والقهر السياسي أن التعامل اليومي يصبح خارج الورق وبغير دستور، بكلمة أدق بدستور خفي متعارف عليه، فحتى الضواري في الغابات لها قوانين الافتراس الخاصة، وحصة الأسد غير حصة الضبع والثعلب والواوي والغربان.
وهكذا فالمواطن في جمهوريات الخوف والبطالة يتعامل بقانونين:
الأول دستور صريح علني مكتوب منصوص عليه، ولكنه عمليا وهمي وبدون قوة وفاعلية.
والثاني: دستور مخابرات حقيقي غير مكتوب وخفي ومعمول به ومصنوع بدقة بيد رجال الأمن. وهو بحث جدير بكتابته تفصيليا، أي القانون الفعلي الذي يحكم الغربان في بلاد العربان؟؟
ويذكر بكتاب (الفافوش في أحكام قراقوش؟
ومصدر الكارثة الحقيقية هي في مصادرة كل حق على يد قراقوش العرفي وقانون الطوارئ.
وهذا معناه أن لا أمان لقطة وطير، ونملة ونحلة، ويعسوب وإنسان، أو أي شيء في أي زمان ومكان.
وأذكر من مونتريال في كندا حين انقطعت الكهرباء بسبب الثلوج لعدة أيام، وهي في صيف 2007م تقطع كل يوم في فيح جهنم في العاصمة الأموية، ولا يستطيع أن ينتقد قرد أو طير.
والبرد في كندا قاتل، مما اضطر الجيش إلى النزول، وأعلنت الأحكام العرفية لمدة ثلاث أيام، ووجه رئيس الوزراء يومها خطابا للأمة في تعريفهم بقانون الطوارئ فعرف الناس نعمة الحرية.
وصدام المصدوم الذي دلف إلى ملفات الأموات في التاريخ مشنوقا تم انتخابه وفق (الدستور) وحاز على 100% من الأصوات.
ومعنى هذا أن صدام أصبح بحجم ديناصور لاحم، وأن الأمة انضغط حجمها إلى الصفر، وحيث يتضخم الحاكم تتضاءل الأمة. فهما مساحتان في حقل واحد، أو قوتان في مجال مشترك.
وعندما تجرى الانتخابات في بعض الأقطار العربية ويحوز الرئيس 97% من الأصوات فهذا يعني أن حجم الأمة أصبح 3%؛ فإذا ارتفع إلى 99% هبطت الأمة إلى أقل من واحد بالمائة.
وأمة تنكمش إلى هذا الحجم لن تدافع في وجه محتل، وهو يفسر سهولة سقوط نظام البعث الفاشي.
وفي بلد عربي تمت التلاعب بالدستور في دقائق، بحيث يخرج على قياس رئيس جاء على أسنة الحراب.
ويسمونه انتخابا مع أن الانتخاب تعني لغة التفضيل بين أمرين، ولكن بعض الأنظمة عندها من قدرة السحر بالتلاعب بالألفاظ ما يقلب الحجر ذهبا والعصا ثعبانا، فيصبح التزوير حقيقة، والجبر انتخابا. فيكسب القاموس لفظة ويخسر الواقع حقيقة..
وهكذا تم ضغط الدستور على المقياس هبوطا ونزولاً، حيث ينزل الوحي الحزبي، وفق اتجاه مغناطيسي مرسوم؛ فتمدد فترة الرئاسة لرئيس حسب الثقب الذي يضربه معول رجال الأمن في جدار السياسة، في بيعة المملوك البحري..
وهذا يحكي أن الديمقراطية رصيدها وعي الناس أكثر من صناديق الانتخابات.
ولا يمكن لديكتاتور أن يعتلي رقبة شعب واعي.
وأن الدستور في جمهوريات الخوف والبطالة عمل من اجل أن لا يعمل به، وأن كلمة دستور خدعة كبيرة، وأن حكم الشعب باسم الشعب هو لعنة للشعب.
والقرآن تحدث عن الأسماء أنها لا سلطان لها، أمام حقيقة الواقع وسنن الله في خلقه.
إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان؟
وهذا الجدل بين الحقيقة والوهم قصة قديمة في وضع الديكورات والتلاعب بالحقائق من خلف ستار.
والطاغوت والجبت مصطلحات قرآنية، فأما الطاغوت فهو الذي يستعبد الناس بالقوة، وأما الجبت فهو الذي يغتال العقول بالوهم.
وفي يوم تحدث جان جاك روسو عن القانون الحقيقي فقال: ليس هو ذلك الذي يكتب على الورق ولكنه المسطور في الصدور.
وكان عيسى عليه السلام يحذر أتباعه من الكتبة والفريسيين وهم المتشددون الحرفيون ووعاظ السلاطين فقال:
حسب كلامهم افعلوا ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا، لأنهم يحزمون أثقالا كثيرة ولكن لا يحركون قشة بأصابعهم، ويحبون المتكأ الأول في الولائم، وأن يناديهم الناس سيدي سيدي.. ويعرضون عصائبهم ويكبرون عمائمهم، ولعلة يطيلون صلواتهم، ولهم الويل يوم الدينونة.
ويبقى السؤال كما طرحه (أتيين دي لابواسييه) في كتابه (العبودية المختارة) أنه كيف يمكن لفرد أن يملك يدا هي أكبر من كل أيادي كل آلهة الأوليمب، فيمسك بقبضة حديدية رقبة شعب بأكمله؟؟
والجواب من قصة خروشوف الذي انتصب في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي يوجه نفس السؤال عن ستالين؟
فقام رجل من طرف القاعة وقال: وأين كنت أنت وقتها؟؟
ساد القاعة صمت رهيب، والتقط خروشوف أنفاسه وسكت هنيهة، ثم التفت إلى الزاوية التي انفجر منها السؤال وقال: من السائل..
فسكتت القاعة كلها ولم تحر جوابا..
ولما لم يتلق جوابا قال: هذا الذي منعني من الكلام..
فالشعوب تمسك بالرعب إلى حين..
ومهزلة الدساتير لانهاية لها إلى حين الاستيقاظ الفعلي للشعوب.
ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا.

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية