أخطر ما في الجدل المندلع في العراق حول الاتفاقية الأمنية المطروح توقيعها مع الولايات المتحدة، هو الكشف عن مدى هشاشة قدرة العراقيين، وتحديدا قدرة القوى السياسية العراقية، على التعايش المشترك وتحمل المسؤولية الوطنية كاملة تجاه الوطن وضمان عدم تشظيه وضياعه بعد خروج القوات الأمريكية المنتظر.
السيناريو المرعب المخيم على أجواء المحللين السياسيين وخبراء الشأن العراقي، أن خروج القوة الأمريكية في الوقت الراهن، سيقود حتما، في ظل ضعف ثقافة الحوار والتوافق، إلى الاستسلام إلى منطق القوة، حيث ستتحول الأحزاب المعسكرة إلى ميليشيات عسكرية تمتلك واجهات سياسية، وتسرع كل طائفة إلى مربعها الأصلي مدعومة من القوى الإقليمية والدول الجارة، ويندثر حلم العراق الوطن أو الأمة تحت ذرائع الواقعية والمصالح الفئوية والحزبية والطائفية.
المؤسسات العسكرية و الأمنية السيادية العراقية الجديدة، المؤسسة بعد سقوط صدام قبيل خمس سنوات ونيف، على قاعدة عقيدة عسكرية جديدة، حديثة ووطنية وديمقراطية، لم يشتد عودها بعد، وهي مخترقة طائفيا من قبل الأحزاب ذات الولاء الطائفي الديني والقومي، كما هي مخترقة إقليميا من خلال تدخل دول الجوار أو الدول ذات المصالح في العراق، وهو ما يعني عدم إمكانية التعويل عليها في حماية النظام الديمقراطي التعددي والتوافقي، في حال خرجت القوة الكبرى الرادعة.
ولعل السيناريو الأقرب إلى التصور إذا ما قرر الرئيس أوباما الوفاء بوعوده الانتخابية، أن تعود المؤسسة العسكرية إلى إنتاج الانقلابات وتفريخ الديكتاتوريين، مع فارق واضح بين الأمس واليوم، هو أن هذه المؤسسة كانت بعد ثورة العشرين وخلال الحقبة الملكية ذات قيادة سنية شبه خالصة، علمانية في نزعتها السياسية والإيديولوجية العميقة، مما سمح للبعد الوطني العراقي بالانتصار على مشاريع الأبعاد الأخرى التي كانت مطروحة.
وإنه لمن سوء حظ العراق، أن تتاح للمشروع الديمقراطي ولإنصاف الأغلبية السكانية الشيعية فرصة، عندما يكون الزمن هو زمن هيمنة القوى الثيوقراطية على الصوت الشيعي، في مقابل تراجع القوى الشيعية الوطنية والعلمانية، إذ التقدير أن ضعف بغداد الذي سيكون نتاج أي خروج قريب للمحتل الأمريكي، سيفضي إلى سيطرة قوى سياسية و ميليشياوية لم تتردد في الإعلان عن طموحاتها الطائفية الضيفة ورغبتها الجموح في إقامة كيانات تجزيئية أقل عراقية.
وفي الحالة العراقية، وحالات عربية كثيرة، ما تزال quot;الوطنيةquot; مشروعا أو حلما أكثر منه حقيقة وواقعا، فالأحزاب الإسلامية والقومية العربية والكردية، تتعامل مع الفكرة الوطنية العراقية على أنها واقع مؤسف تتمنى تغيره، فهي مضادة لفكرة الخلافة الإسلامية أو دولة الفقيه الشيعية، تماما كما هي عار يجلل الأمة لدى القوميين العرب والأكراد، ولا يعني عمليا إلا الخضوع لتقسيم قرره المستعمر عقبة ضد طموحات شعوب المنطقة.
وما يمكن تصوره، هو أن خروج الأمريكيين من العراق، سيعزز حجج الأكراد في مزيد من التمترس في إقليمهم الشمالي، وحماية ما يرونه مكتسبات الاستقلال الذاتي الذي يتمتعون به منذ مطلع التسعينيات، أما الأحزاب الإسلامية الشيعية، وخصوصا المجلس الأعلى للثورة الإسلامية والتيار الصدري، المتبوعان بجيشي بدر والمهدي، فستقوم بتشجيع إيراني وبإعلاء مجموعة من الذرائع الدينية والسياسية إلى بسط هيمنتها على المحافظات الجنوبية، أما محافظات الوسط والموصل ذات الأغلبية العربية السنية، فستجد نفسها خاضعة بدورها لأحلام قيادات من قبيل تلك التي أعلنت quot;الدولة الإسلامية في العراقquot; أو لم تجد حرجا في الانخراط في مشروع quot;إمارة القاعدةquot;.
وقد أثبت التاريخ أن أي نظام سياسي لا يمكن أن يستمر إلا مستندا إلى قوة عسكرية أو أمنية تسنده، وأن هذا النظام سرعان ما يتداعى بعد انهيار سنده، وأن انقسام الكيانات السياسية محكوم بانقسام القوة العسكرية والأمنية ذاتها، و لربما كان في السيرة اللبنانية عظة لكل ساكنة المنطقة، فقد كان الصوت الوطني اللبناني مثلا الحلقة الأضعف خلال الحرب الأهلية، وكانت الغلبة للأحزاب المرتبطة بميليشيات طائفية، ولن يشذ العراق عن السيرة في ظل غياب قوة كبرى ناظمة مخيفة لغيرها، حيث كانت بالأمس قوة الديكتاتور البائسة، وهي اليوم للأسف الشديد قوة المحتل الغاشمة.
وإن المقيم لأداء المؤسسات السياسية للدولة العراقية الجديدة، سيلاحظ إلى أي حد تبدو تقاليد الوفاق والتسوية بين شركاء الساحة الوطنية ضعيفة، وسيدرك أن الدافع الأساسي للاتفاق بين هؤلاء الشركاء في غالب الأحيان لم يكن إلا الخوف من الحارس الأمريكي أو الطمع في منحه، أما ما يسكن أعماق السياسيين والمنظرين الايديولوجيين فليس سوى الأحقاد التاريخية وهواجس الثأر والكراهية والتخوين والتآمر والإقصاء المتبادل والاعتقاد بامتلاك الحقائق المطلقة وازدواجية الأجندات والبرامج السياسية، فضلا عن تأخر المعتقد الوطني وتقدم معتقدات أخرى طائفية وحزبية وقومية ودينية وغيرها.
الواضح أيضا أن نهوض الأحزاب الوطنية العراقية، على اختلاف توجهاتها، ليبرالية ويسارية وإسلامية، مستبعد في المدى المنظور، خصوصا في ظل استمرار مظاهر الأزمة الاقتصادية والاجتماعية مهيمنة على أوضاع غالبية العراقيين المعيشية، و استشراء مظاهر الفساد في جسم الدولة وسائر المؤسسات والمرافق العمومية، إذ عادة ما تخدم هذه الأوضاع الايديولوجيات الشمولية والعقائدية المغلقة، الدينية والقومية، التي لا تتورع في توزيع المخدرات والمسكنات الفكرية والسياسية على الأتباع، وتحويل أزمة الوطن إلى تجارة رابحة على حساب بسطاء المواطنين.
إن انقسام الطبقة السياسية العراقية الحالية، ليس انقساما حول برامج سياسية وعملية تتنافس لخدمة الوطن، بقدر ما هو انقسام عميق يصل إلى حد النقاش حول quot;العراقquot; نفسه، كوجود ووطن ودولة، وإن الأكثر خطورة هو أن جزءا كبيرا من هذه الطبقة مستهتر بالفكرة من أساسها، غير معترف بعمقها التاريخي أو حقيقتها الجغرافية، مضطر فقط للتعايش معها، لكنه يعمل ما في وسعه ومن داخل مؤسساتها لإضعافها، لصالح أفكار أقل حجما، أو في ارتباط بأحلام امبراطورية كبرى تتجاوزها. ولما كان الانقسام كذلك، فإن أي حديث عن أداء جيد للرئاسة أو الحكومة أو البرلمان أو مجالس المحافظات، سيكون ضربا من التمنيات لدى فئة ضيقة، لن تعمل الأيام إلا على تسفيفها بالحجة وراء الحجة، مثلما جرى طيلة الخمس سنوات الماضية، من مهازل سياسية الواحدة وراء الأخرى، مما شمت كافة أعداء العراق الجديد، في نبل مشروعه وسمو طموحاته.
والحقيقة أن جزءا من مسؤولية ما جرى واقع لا محالة على عاتق المحتل الأمريكي، الذي أبان عن فشل ذريع في فهم العراق والعراقيين، حتى أن رجلا كأحمد الجلبي كان أبرز عرابي التدخل الأمريكي، لم يجد حرجا في الاعتراف بأن quot;الأمريكيين قد خدعوا قوى المعارضة العراقية السابقةquot;، وأنه لم يكن متفقا أن يتحول quot;التدخلquot; من quot;تحريرquot; إلى quot;احتلالquot;. لقد بدا أمر السنوات الخمس الماضية وكأنه طبخة أمريكية مستعجلة، جاء مذاقها ماسخا وطعمها مر ونتائجها كارثية غير معلومة.
لقد كانت المعارضة العراقية السابقة مشتتة ومنقسمة وغير قادرة على الالتقاء على مشروع سياسي موحد، لو لا الضغط والتهديد الأمريكي، الذي اضطر جميع الفرقاء في نهاية الأمر إلى الالتحاق بالقافلة، خصوصا بعد أن أدركوا أن التدخل العسكري واقع لا محالة، وقد كانت النتيجة أن خضع الكافة، وكل واحد يخبئ خنجره تحت ثيابه، إلى قواعد اللعبة المفروضة عليهم، آملين أن تتغير هذه القواعد في يوم من الأيام لصالح أجنداتهم الخاصة، ولئن خرج الأمريكيون في الغد تاركين أمر العراق لهؤلاء، فإن ذلك سيكون بمثابة تعجيل لمجيء تلك الأيام السوداء المنشودة.
لقد خرج الأمريكيون من اليابان وهم يدركون أنه أمة مؤمنة بوجودها فخورة بتاريخها طموحة إلى مستقبلها، كما خرجوا من ألمانيا وهم يعلمون مدى قوى الفكرة القومية لدى الألمان، وخرجوا أيضا من فيتنام وحزبها الثوري في أقوى حالاته ضامنا لوجود دولة ووحدة أمة، أما أن يخرجوا من العراق وليس فيه عقيدة وطنية قوية وقوى سياسية قادرة من ذاتها على التوافق حول المصلحة العراقية العليا، فإن ذلك قد يكون جريمة في حق العراق، ربما كانت آثارها السلبية أكثر إيلاما وإيجاعا من جريمة الاحتلال واستباحة ثرواته والعبث بمقدراته.
السيناريو المرعب المخيم على أجواء المحللين السياسيين وخبراء الشأن العراقي، أن خروج القوة الأمريكية في الوقت الراهن، سيقود حتما، في ظل ضعف ثقافة الحوار والتوافق، إلى الاستسلام إلى منطق القوة، حيث ستتحول الأحزاب المعسكرة إلى ميليشيات عسكرية تمتلك واجهات سياسية، وتسرع كل طائفة إلى مربعها الأصلي مدعومة من القوى الإقليمية والدول الجارة، ويندثر حلم العراق الوطن أو الأمة تحت ذرائع الواقعية والمصالح الفئوية والحزبية والطائفية.
المؤسسات العسكرية و الأمنية السيادية العراقية الجديدة، المؤسسة بعد سقوط صدام قبيل خمس سنوات ونيف، على قاعدة عقيدة عسكرية جديدة، حديثة ووطنية وديمقراطية، لم يشتد عودها بعد، وهي مخترقة طائفيا من قبل الأحزاب ذات الولاء الطائفي الديني والقومي، كما هي مخترقة إقليميا من خلال تدخل دول الجوار أو الدول ذات المصالح في العراق، وهو ما يعني عدم إمكانية التعويل عليها في حماية النظام الديمقراطي التعددي والتوافقي، في حال خرجت القوة الكبرى الرادعة.
ولعل السيناريو الأقرب إلى التصور إذا ما قرر الرئيس أوباما الوفاء بوعوده الانتخابية، أن تعود المؤسسة العسكرية إلى إنتاج الانقلابات وتفريخ الديكتاتوريين، مع فارق واضح بين الأمس واليوم، هو أن هذه المؤسسة كانت بعد ثورة العشرين وخلال الحقبة الملكية ذات قيادة سنية شبه خالصة، علمانية في نزعتها السياسية والإيديولوجية العميقة، مما سمح للبعد الوطني العراقي بالانتصار على مشاريع الأبعاد الأخرى التي كانت مطروحة.
وإنه لمن سوء حظ العراق، أن تتاح للمشروع الديمقراطي ولإنصاف الأغلبية السكانية الشيعية فرصة، عندما يكون الزمن هو زمن هيمنة القوى الثيوقراطية على الصوت الشيعي، في مقابل تراجع القوى الشيعية الوطنية والعلمانية، إذ التقدير أن ضعف بغداد الذي سيكون نتاج أي خروج قريب للمحتل الأمريكي، سيفضي إلى سيطرة قوى سياسية و ميليشياوية لم تتردد في الإعلان عن طموحاتها الطائفية الضيفة ورغبتها الجموح في إقامة كيانات تجزيئية أقل عراقية.
وفي الحالة العراقية، وحالات عربية كثيرة، ما تزال quot;الوطنيةquot; مشروعا أو حلما أكثر منه حقيقة وواقعا، فالأحزاب الإسلامية والقومية العربية والكردية، تتعامل مع الفكرة الوطنية العراقية على أنها واقع مؤسف تتمنى تغيره، فهي مضادة لفكرة الخلافة الإسلامية أو دولة الفقيه الشيعية، تماما كما هي عار يجلل الأمة لدى القوميين العرب والأكراد، ولا يعني عمليا إلا الخضوع لتقسيم قرره المستعمر عقبة ضد طموحات شعوب المنطقة.
وما يمكن تصوره، هو أن خروج الأمريكيين من العراق، سيعزز حجج الأكراد في مزيد من التمترس في إقليمهم الشمالي، وحماية ما يرونه مكتسبات الاستقلال الذاتي الذي يتمتعون به منذ مطلع التسعينيات، أما الأحزاب الإسلامية الشيعية، وخصوصا المجلس الأعلى للثورة الإسلامية والتيار الصدري، المتبوعان بجيشي بدر والمهدي، فستقوم بتشجيع إيراني وبإعلاء مجموعة من الذرائع الدينية والسياسية إلى بسط هيمنتها على المحافظات الجنوبية، أما محافظات الوسط والموصل ذات الأغلبية العربية السنية، فستجد نفسها خاضعة بدورها لأحلام قيادات من قبيل تلك التي أعلنت quot;الدولة الإسلامية في العراقquot; أو لم تجد حرجا في الانخراط في مشروع quot;إمارة القاعدةquot;.
وقد أثبت التاريخ أن أي نظام سياسي لا يمكن أن يستمر إلا مستندا إلى قوة عسكرية أو أمنية تسنده، وأن هذا النظام سرعان ما يتداعى بعد انهيار سنده، وأن انقسام الكيانات السياسية محكوم بانقسام القوة العسكرية والأمنية ذاتها، و لربما كان في السيرة اللبنانية عظة لكل ساكنة المنطقة، فقد كان الصوت الوطني اللبناني مثلا الحلقة الأضعف خلال الحرب الأهلية، وكانت الغلبة للأحزاب المرتبطة بميليشيات طائفية، ولن يشذ العراق عن السيرة في ظل غياب قوة كبرى ناظمة مخيفة لغيرها، حيث كانت بالأمس قوة الديكتاتور البائسة، وهي اليوم للأسف الشديد قوة المحتل الغاشمة.
وإن المقيم لأداء المؤسسات السياسية للدولة العراقية الجديدة، سيلاحظ إلى أي حد تبدو تقاليد الوفاق والتسوية بين شركاء الساحة الوطنية ضعيفة، وسيدرك أن الدافع الأساسي للاتفاق بين هؤلاء الشركاء في غالب الأحيان لم يكن إلا الخوف من الحارس الأمريكي أو الطمع في منحه، أما ما يسكن أعماق السياسيين والمنظرين الايديولوجيين فليس سوى الأحقاد التاريخية وهواجس الثأر والكراهية والتخوين والتآمر والإقصاء المتبادل والاعتقاد بامتلاك الحقائق المطلقة وازدواجية الأجندات والبرامج السياسية، فضلا عن تأخر المعتقد الوطني وتقدم معتقدات أخرى طائفية وحزبية وقومية ودينية وغيرها.
الواضح أيضا أن نهوض الأحزاب الوطنية العراقية، على اختلاف توجهاتها، ليبرالية ويسارية وإسلامية، مستبعد في المدى المنظور، خصوصا في ظل استمرار مظاهر الأزمة الاقتصادية والاجتماعية مهيمنة على أوضاع غالبية العراقيين المعيشية، و استشراء مظاهر الفساد في جسم الدولة وسائر المؤسسات والمرافق العمومية، إذ عادة ما تخدم هذه الأوضاع الايديولوجيات الشمولية والعقائدية المغلقة، الدينية والقومية، التي لا تتورع في توزيع المخدرات والمسكنات الفكرية والسياسية على الأتباع، وتحويل أزمة الوطن إلى تجارة رابحة على حساب بسطاء المواطنين.
إن انقسام الطبقة السياسية العراقية الحالية، ليس انقساما حول برامج سياسية وعملية تتنافس لخدمة الوطن، بقدر ما هو انقسام عميق يصل إلى حد النقاش حول quot;العراقquot; نفسه، كوجود ووطن ودولة، وإن الأكثر خطورة هو أن جزءا كبيرا من هذه الطبقة مستهتر بالفكرة من أساسها، غير معترف بعمقها التاريخي أو حقيقتها الجغرافية، مضطر فقط للتعايش معها، لكنه يعمل ما في وسعه ومن داخل مؤسساتها لإضعافها، لصالح أفكار أقل حجما، أو في ارتباط بأحلام امبراطورية كبرى تتجاوزها. ولما كان الانقسام كذلك، فإن أي حديث عن أداء جيد للرئاسة أو الحكومة أو البرلمان أو مجالس المحافظات، سيكون ضربا من التمنيات لدى فئة ضيقة، لن تعمل الأيام إلا على تسفيفها بالحجة وراء الحجة، مثلما جرى طيلة الخمس سنوات الماضية، من مهازل سياسية الواحدة وراء الأخرى، مما شمت كافة أعداء العراق الجديد، في نبل مشروعه وسمو طموحاته.
والحقيقة أن جزءا من مسؤولية ما جرى واقع لا محالة على عاتق المحتل الأمريكي، الذي أبان عن فشل ذريع في فهم العراق والعراقيين، حتى أن رجلا كأحمد الجلبي كان أبرز عرابي التدخل الأمريكي، لم يجد حرجا في الاعتراف بأن quot;الأمريكيين قد خدعوا قوى المعارضة العراقية السابقةquot;، وأنه لم يكن متفقا أن يتحول quot;التدخلquot; من quot;تحريرquot; إلى quot;احتلالquot;. لقد بدا أمر السنوات الخمس الماضية وكأنه طبخة أمريكية مستعجلة، جاء مذاقها ماسخا وطعمها مر ونتائجها كارثية غير معلومة.
لقد كانت المعارضة العراقية السابقة مشتتة ومنقسمة وغير قادرة على الالتقاء على مشروع سياسي موحد، لو لا الضغط والتهديد الأمريكي، الذي اضطر جميع الفرقاء في نهاية الأمر إلى الالتحاق بالقافلة، خصوصا بعد أن أدركوا أن التدخل العسكري واقع لا محالة، وقد كانت النتيجة أن خضع الكافة، وكل واحد يخبئ خنجره تحت ثيابه، إلى قواعد اللعبة المفروضة عليهم، آملين أن تتغير هذه القواعد في يوم من الأيام لصالح أجنداتهم الخاصة، ولئن خرج الأمريكيون في الغد تاركين أمر العراق لهؤلاء، فإن ذلك سيكون بمثابة تعجيل لمجيء تلك الأيام السوداء المنشودة.
لقد خرج الأمريكيون من اليابان وهم يدركون أنه أمة مؤمنة بوجودها فخورة بتاريخها طموحة إلى مستقبلها، كما خرجوا من ألمانيا وهم يعلمون مدى قوى الفكرة القومية لدى الألمان، وخرجوا أيضا من فيتنام وحزبها الثوري في أقوى حالاته ضامنا لوجود دولة ووحدة أمة، أما أن يخرجوا من العراق وليس فيه عقيدة وطنية قوية وقوى سياسية قادرة من ذاتها على التوافق حول المصلحة العراقية العليا، فإن ذلك قد يكون جريمة في حق العراق، ربما كانت آثارها السلبية أكثر إيلاما وإيجاعا من جريمة الاحتلال واستباحة ثرواته والعبث بمقدراته.
التعليقات