من حق الشعوب والجماهيرالعربية أن تسعد بواقعة تعدي الإعلامي منتظر الزيدي علي جورج بوش الإبن بالضرب بفردتي حذائه، ومن الصعب أن تتغاير مع تلك الفرحة العامرة التي طالت قلوب ومست مشاعر النخب والمثقفين والكاريزما في الدول العربية وذلك علي مستويات عليا في الثقافة والفن والأدب والعمل المهني والنقابي والسياسي، لدرجة أن إنبرت نقابات ومؤسسات وهيئات للدفاع عن الإعلامي العراقي منتظر الزيدي، وعلي أقل تقدير للتضامن معه، وعلت الصياحات وتشكلت المسيرات لإعلان الفرحة بالتشفي من الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن، والذي ينحني له رؤساء كافة الدول العربية إجلالاً واحتراماً وتقديراً سواء مخافة المنع أو رغبة في المنح، أو زيادة في التستر علي جرائم الأنظمة العربية المنتهكة لحقوق الإنسان العربي والمضيعة لكرامته والمنتهكة لحرماته، والمحيلة البلدان العربية لسجون ومعتقلات كبيرة بحجم مساحات تلك الدول .
لم أندهش من هذه الفرحة العارمة والتي رفعت فيها الأحذية للإعلان عن الفرح والسرور والبهجة التي غابت عن حياة المواطن العربي لمدد زمنية طويلة تضرب بجذورها في التاريخ، معلنة حالة الكبت والقهر والإستعباد التي تزامل وتصاحب مع المواطن العربي في غالبية الدول العربية، وكأنه كان لزاماً علي المواطنين العرب أن يقوموا بتفريغ طاقة القهر والكبت والإستعباد والشعور بالذلة والمهانة وانتهاك الحرمات، ولكن ليس في مواجهة حكام الأنظمة العربية، والتي تمثل أعتي أنظمة الطغيان في العالم، والمتخاصمة مع الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، والمؤمنة بالإستبداد والكافرة بتداول الحكم والسلطة إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها .

وكذلك لم أندهش من رد الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن علي هذه الواقعة التي إشتاط لها الشعب والجمهور العربي فرحاً وابتهاجاً وسروراً، وذلك برده الذي يشبه رد الهادئ الواثق من ذاته ومن قدراته سواء في الإجرام أو الديمقراطية علي حدٍ سواء، حينما ترجم هذه الواقعة، معبراً عن أن ماحدث هو ثمرة من ثمار الديمقراطية، وأن رؤساء الدول الحرة يلاقوا مثل هذه الأمورولاتشكل له شخصياً أي إهانة .

وأتذكر أنه في الإنتخابات الأمريكية الثانية التي كان مرشحاً فيها جورج بوش الإبن للمرة الثانية، وكان من ضمن المرشحين كيري، وكان أن رسم أحد رسامي الكاريكاتير في كبريات الصحف الأمريكية راسماً حذائين وعلي كل فردة حذاء رسمت صورة جورج بوش الإبن، وكيري، وكتب أعلي رسم الكاريكاتير : أياً منهما سيكون رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، وبمعني أدق، من سيكون من فردتي الحذاء رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، مشبهاً إياهما بالحذاء، أي بفردة الجزمة!!

ولكن لم تتم كتابة عريضة إتهام ضد رسام الكاريكاتير هذا، ولم تتم إدانته لهذا السبب علي الإطلاق، بل إن كثيراً مايتم التعدي علي الرؤساء بالضرب بالطماطم والبيض والبطاطس، وقذفهم بالمأكولات الفاسدة، ومع ذلك لم توجه لهم أي إتهامات ولم يقدموا للمحاكمة، وكثيراً مايتم وصف رؤساء الدول الديمقراطية بأنهم كلاب أو خنازير، أو حيوانات متوحشة، أو أغبياء وجهلاء ومع ذلك لم تتم محاكمة من يقول بذلك .

وأذكر أنه حينما تمت زيارة الرئيس المصري أنور السادات لإسرائيل ومقابلته لرئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، قامت إحدي الصحافيات الإسرائيليات وبصقت في وجه مناحم بيجين، ولكنه لم يحرك ساكناً ولم يأمر بالقبض عليها ولا تقديمها للمحاكمة، إلا أنه قال : ليشهد العالم أجمع أن هذه هي ديمقراطية إسرائيل، مثلما قال جورج بوش الإبن في واقعة التعدي عليه بفردتي حذاء منتظر الزيدي : هذه ثمرة من ثمار الديمقراطية!!

وإن أذكر فأذكر حكم الرئيس الراحل الديكتاتور صدام حسين، والذي إرتكب طوال فترة حكمه أبشع المجازر البشرية في حق الشعب العراقي، والذي كان محكوماً بالذل والعار والطغيان، وأذكر في أحد المؤتمرات التي أصدر فيها صدام حسين أحكاماً بالإعدام علي بعض حضور المؤتمر وهم جالسين معه، وكانت تنفذ أحكام الإعدام فوراً ورمياً بالرصاص، وأذكر حين أذكر أنه لايوجد عراقي في عهد صدام حسين كان بمكنته أن يري ورقة من صحيفة أو مجلة عليها صورة صدام حسين ولا يحافظ عليها ويحترمها مخافة من طغيان وظلم وذل صدام حسين الحاكم الديكتاتور الطاغية .

والذي يؤسف له فعلاً وكان يستحق التظاهر من أجله هو الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وقضايا الفقر والمرض والجهل، وقضايا التنمية والفساد والإستبداد بإعتبار أن تلك الجرائم يتم إرتكابها في حق الجمهور والشعب العربي في غالبية البلدان العربية المأزومة بحكام الأنظمة العربية .

إن الأنظمة العربية تنصب الفخ للشعوب والجماهير وتستثمر واقعة التعدي بفردتي حذاء منتظر الزيدي علي الرئيس الأمريكي، وبالفعل تشجع التظاهرات من أجل إعلان الرفض للرئيس الأمريكي، وللمجتمع الأمريكي، وكأنها تقول للولايات المتحدة الأمريكية، ودول الإتحاد الأوروبي ومعه دول العالم الحر : أرأيتم!!
إن قمنا بتفعيل الديمقراطية ومناخ الحريات، فلن يصعد لسدة الحكم إلا هؤلاء الغوغاء والدهماء والسوقة، من الجماهير والشعوب العربية، سيكون علي رأس الحكم إما قومي عروبي، أو إسلامي أممي!!
ويجب عليكم الخيار!!
إما نحن بأنظمتنا الفاسدة الظالمة المستبدة بطغيانها، وإما هؤلاء، فلكم الخيار يادول العالم الحر والمتقدم!!
وكأن لسان الحال ينطق بذلك معلناً ثقافة جديدة إسمها ثقافة الأحذية والشباشب والقباقيب، ولكنها ثقافة في مواجهة من ؟!!
ياليتها كانت هذه الثقافة في مواجهة حكام الظلم والطغيان والفساد والإستبداد!
فمتي نعي مايحاك لنا من أنظمة الحكم العربية ضد شعوبها ونخرج في مواجهتم معلنين عليهم صيحات الغضب الشعبي والجماهيري، حتي يمكن أن نصل بمفهوم المجتمعات كبديل حضاري عن مفهوم الشعب والجمهور، لأن المجتمع له حرية في إختياراته كاملة غير منقوصة من خلال منظومة الديمقراطية وتبادل الحكم والسلطة، فهو الذي ينتج رئيس يتساوي مع باقي المواطنين في جميع الحقوق والواجبات، أما الشعب والجمهور فيلزمه حاكم أو زعيم يختزل إرادات الشعب والجمهور في إرادته المنفردة الظالمة المستبدة العاشقة للطغيان، وهنا لانكون مواطنين، وإنما مجرد شعب أو جمهور .
وأعتقد أن التيار القومي العروبي، أو الإسلامي الأممي هو المبتهج بشدة لفردتي حذاء منتظر الزيدي، هاتين الفردتين اللتين لم تنهزم بهما أمريكا، ولم تنكسر إرادتها، وإنما ساعدت علي توظيف السوقة والدهماء والغوغاء للإعلان عنهم كبديل غير حضاري في مواجهة زعماء الإستبداد والطغيان العربي .
أظن أن الرسالة لم تصل، ولن تصل، لأن العقول العربية مغيبة عن حقوقها، وتم توظيفها علي خلق صراعات وهمية غير منتجة سواء كانت صراعات في التاريخ بأحداثه، أو صراعات مع الواقع المأزوم بخيباته مثل العداء للإمبيريالية العالمية والصهيونية العالمية، وهذين الصراعين لم يثمر العرب فيهما أي ثمار ولم يحققا فيهما أي نتيجة، وواقعة الزيدي، الدخول لها من هذا الباب .
فهل من نتائج مرجوة بعد فردتي حذاء منتظر الزيدي تنتصر فيها الشعوب والجماهير للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان لتكون مجتمعات وترفض لغة الجمهور والشعب المختزل إرادته في إرادة حاكم فرد لا ينقصه إلا أن يقول أنا الواحد الأحد، الفرد الصمد ؟!!

[email protected]