شكرا لكم من الاعماق، وانا استجيب لطلبكم الكريم بأن القي كلمة مختزلة بهذه المناسبة التي تمر علينا كل عام في اليوم الثامن من مارس.. لقد عودتنا مؤسستكم الكندية ان تحتفي بالمرأة في كل عام، بل وانني سعيد بانشطتكم الرائعة في ما يخص الوقوف ضد اضطهاد المرأة في الاجزاء الساخنة من هذا العالم الصعب.. واذا كان العالم يركز في هذا العام على تنمية مواهب المرأة، وقدراتها على مقاومة الاضطهاد من اجل تحقيق احلامها الكبيرة.. فمن المهم ان اقف قليلا عند هذا الجانب الذي أجده قد أخذ شقيّن اساسيين كنت اتمنى ان يكرّس الاهتمام على شق واحد هذا العام حتى يكرس الشق الثاني في العام القادم، ذلك ان تنمية المواهب تحتاجها المرأة في عالمي الشمال والجنوب، في حين حتى تكّرس المرأة الاهتمام بمقاومة الاضطهاد في عالم الجنوب.. فالمرأة أجدها بحاجة الى تنمية المواهب والتفكير معا في كل بقعة من هذه الارض التي يعيش عليها النصف الاخر من الانسان.. انها المرأة في كل مكان، ولا يمكن لأي عاقل ان ينفي هذا النصف الاخر، فبدونه تختل موازين الحياة تماما.. وبقدر ما نؤكد على هذا الجانب، فان العالم كله يعرف بأن التاريخ في مجمله قد صنعه الرجل.. وكانت المرأة مشاركة من وراء الكواليس او انها كانت في الصفوف الخلفية.. السؤال الذي يطرح هذا اليوم: هل باستطاعة المرأة ان تشارك مشاركة حقيقية في قيادة العالم وصنع قراراته؟ بل وتزيد بعضهن في المطالب المطروحة بالقول متسائلة: اذا كان الرجل قد صنع كل الماضي وشاركناه في صناعة الحاضر، فهل يمكننا ان نسيطر على الموقف ونعزل هذا الرجل (المتوحش) كي نتسّلم زمام العالم ونصنع مستقبله؟ وبطبيعة الحال، هناك ثمة احتجاجات على هذا quot; التفكير المتطرف quot; من قبل نسوة العالم اللواتي يعتبرن الرجل اجمل مخلوق في الوجود، كما تقول الشاعرة والروائية الكندية مارغريت أوتوود.
اننا اليوم بصدد التذكير بشأن مسائل عدة، اود اثارتها بعد هذه quot; المقدمة quot; التي اثارتكم حقا، فهل تدعوني ان استمر في اثارتها؟ خصوصا وانها تتعلق بشأن هذه الانثى التي تريدون منها اليوم ان تنّمي قدراتها الابداعية في اي حقل من حقول الحياة.. كما تريدون منها ان تقاوم كل الاضطهادات التي تتعرض لها من اجل ليس تحقيق ليس احلامها فقط، بل تحقيق احلام كل المجتمعات الانسانية التي تعمل على خلق التوازنات بين المرأة والرجل.. واعتقد ان الرجل سيكون سعيدا جدا لو وجد الى جانبه المرأة، مهما كانت درجة صلته بها، وهي تشاركه هذه الحياة فعلا وعلى اسس سليمة وبريئة:
1.لقد شهدت السنوات الاخيرة منجزات نسوية كبرى حققتها المرأة ليس من الناحية الاجتماعية حسب، بل في الجوانب السياسية، وخصوصا في عالم الجنوب.. وكان آخرها مأساة مصرع بنازير بوتو في الباكستان، وقد أدت السيدة ايلين جونسون سيرليف القسم لتصبح أول رئيسة لدولة ليبيريا. كما فازت ميشيل باشلية بالانتخابات الرئاسية فى تشيلى. أما أنجلا ميركل فهى السيدة الأولى التي وصلت الى سُدّة الحكم فى ألمانيا. وتسعى اليوم السيدة كلينتون ان تصل الى ان تكون رئيسة لأقوى دولة في العالم.
2.ان تنمية مواهب المرأة بحاجة الى واقع جديد وتفكير اجتماعي جديد يمكنهما ان يخلقا الظروف الملائمة التي من خلالها تبرز مواهب المرأة.. ولكن اجد ان كلا من الرجل والمرأة يشتركان في هذا الجانب، فلا يمكنني ابدا ان افصل مواهب هذا عن تلك، فالموهبة الانسانية مشتركة، واننا لا يمكننا تنميتها عند المرأة بمعزل عن الرجل.. او ان نعتني بمواهب الرجل بتهميش للمرأة وهذا هو الصواب. ولكن ان وجدت ميادين تتفوق فيها المرأة، فمن الصواب ان تبقى تلك الميادين رحابها الحقيقي ليكون الرجل في ميادين اخرى.. اما الشراكة، فان كلا من الاثنين بحاجة الى هذا quot; المبدأ quot;.
3.في كلمة ألقتها السيدة آن فينامين المديرة التنفيذية لصندوق انقاذ الطفولة اليونسيف في اجتماع بواشنطن بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، أكدت أن المرأة ماتزال تعاني من صمت في أنحاء العالم، وبعيدا عن عيون المجتمع خاصة في الدول النامية. الصمت هنا معناه الرضا بالواقع، ولبس الاقنعة لتزييف المواقف! وان اغلب الدعوات الموجهة للمرأة في التحرر من قيودها الثقيلة لا يقبلها الرجل في الحقيقة. او انه يتشدق بمنح المرأة حقوقها، وهو يمارس كل الاضطهاد بحقها، ويفرط من اول فرصة بحقوقها على كل المستويات.
4.ان المشكلة كما عالجتها في واحدة من محاضراتي في فلسفة مجتمعات التحرر تكمن في نقد الاعتماد على الكم، لا على النوع.. انني لا يهمني ابدا كم يتواجد من برلمانيات عربيا ـ مثلا ـ في عدة بلدان عربية اغلبهن قد جئن لاكمال النصاب الدستوري، ولكن يهمني ما نوع المبدعات والاختصاصيات في ايّ من مجتمعاتنا؟ وما نوع المهن التي تمارسها المرأة في مجتمعاتنا..؟؟ ويهمني كم حصلت المرأة من نصيب في الثقافة والمعرفة..؟؟ ويهمنا كم نالت من حقوق؟ وكم استردت من كرامة؟ وكم حافظت على نفسها في مجتمعات تسير دوما الى الوراء دون استقامة الطريق؟
5.واعيد واكرر مرة اخرى، انه بالرغم من كل التقدم الكبير الذي احرزته المرأة في القرن العشرين، ولكنها لم تزل تعيش القمع والتمييز والعنف والاستغلال.. انها لا يسمح لها لأن تقود السيارة في مكان، ولا تمارس حق الاختيار في مجتمع اخر.. وانها معرضة للقتل والذبح بوحشية مفرطة لمسائل الشرف... ان المرأة مقموعة في مجتمعاتنا ومكبوتة بحيث ينتج ذلك ردود فعل مضادة فتدفع ثمنها لاحقا.. وانها مستغلة ابشع استغلال في مجتمعات آسيوية معينة، كما ويمارس ضدها العنف في مجتمعات افريقية واوربية وامريكية.. بل وتمارس اقسى انواع العنصرية بحقها في جنوب شرق آسيا، كما توضّح قبل قليل..
6.ثمة تمييز على اساس اللون والدين والمذهب والعرق في عالم المرأة نفسه.. انه عالم غريب بكل مصنفاته، اي ان المرأة نفسها قد تمارس التمييز والتفرقة ضد المرأة في العديد من المجتمعات، وخصوصا في امريكا الجنوبية والعالم الاسلامي.. ولقد تبلورت في السنوات الاخيرة ظواهر لم نكن نجدها سابقا بردود فعلها الساخنة وخصوصا ـ مثلا ـ بين المحجبات وغير المتحجبات من النسوة في مجتمعات عدة. وتمارس بعض المجتمعات القسوة والاضطهاد ضد هذه او ضد تلك! ناهيكم عن تعدد الزيجات او الزواجات المتنوعة اليوم في العالم الاسلامي بين شرعي وعرفي وبين مسيار وفرندز او بين متعة وملك يمين.. الخ
7.لقد قرأت ان الاحصاءات التي نشرها الاتحاد الاوربي عن المرأة الاوربية انها تتفوق على الرجل في الدراسة والتعليم، ولكنها لم تحّصل على نفس الاجور التي يتقاضاها الرجل، ودوما ما تسند اليها وظائف دنيا في منظومات العمل. وتشير الأرقام الى أن نسبة 80 % من النساء يُتممن التعليم الثانوي مقابل 75% من الرجال. وتبين الأرقام كذلك أن نصف المسجّلين للدراسة الجامعية من النساء. ومع ذلك فان المرأة عندما تخرج الى أسواق العمل في أوروبا، تحصل على نسبة 15% أقل من الأجر عن الرجال. ولاتصل النساء في أوروبا سوى الى ثلث المناصب الادارية الكبرى في مجال العمل. وقال فريسكو روسكام أبينغ المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي ان تفوق المرأة في الدراسة لاينعكس ايجابا على أدائها في سوق العمل، وهو ما يثير الحيرة. وأعرب أبينغ عن اعتقاده بأن السبب في ذلك يرجع الى أن المرأة ما تزال تتحمل عبء المهام الأسرية أكثر من الرجل، وأنها في بعض الأحيان تضطر للعمل نصف وقت الدوام فقط.
8.من اجل تعديل الاوضاع في الحد من اضطهاد المرأة في كل هذا العالم، فينبغي الاهتمام ببؤر التوتر في العالم والمساهمة في الحد من اضطهاد المرأة. ان الذي تعانيه المرأة في مثل تلك البؤر لا يمكن وصفه ابدا، وهو خارج عن حدود التخّيل. ان ما تعانيه المرأة العراقية بمختلف اطيافها ـ مثلا ـ من سطوة المليشيات الدينية والطائفية والجماعات المتشددة في كل مكان من ارض العراق ما يجعلها ظاهرة بحاجة الى معالجة دولية كي لا يمتد الوباء الى مناطق اخرى. ان اهم ما نحتاجه اليوم هو الوعي بالمرأة كانسان لا كبضاعة، وكارادة لا كتابع، وكمبدعة لا مقلدة.. الوعي بمكانة المرأة والتعامل معها باخلاقية عالية كانسان وان يكون العقل بديلا عن العواطف.. اننا بحاجة الى اخراج كل المكبوت والمعقّد من الكوامن كي يتعامل الرجل مع المرأة من دون اية رواسب مضادة، والعكس يصح ايضا مع المرأة ازاء الرجل. اننا لو عاينا نماذج متعددة من اضطهادات للمرأة، فسنقف ازاء عظمة ونضال وصلابة وجلد وصبر المرأة في مجتمعاتنا عراقية ام فلسطينية ام مصرية ام لبنانية ام جزائرية.. الخ
9.ان مجتمعاتنا في الشرق الاوسط قاطبة بحاجة الى الدولة كي تكون الدول في خدمة مجتمعاتها، والارتقاء بالمرأة الى مكانها الطبيعي بعيدا عن السيادة المطلقة للرجل وعبثه وتمرده وتسلطه واستعراض عضلاته وقوته.. على الدولة في هذا الجزء من العالم العمل على الغاء قوانين واستحداث قوانين جديدة تحافظ فيها على كرامة المرأة وحقوقها المادية والمعنوية.. وتمنحها فرصها في الحياة كبقية بني البشر.. وذلك لا يتعارض ابدا لا مع دين ولا مذهب ولا عقيدة.. وهنا اعيد مناشدتي باصلاح التعليم وتحديث المناهج وتجديد اصول المعاملات في القضايا الشرعية بما يتفق والحياة المدنية التي نحن بأمس الحاجة اليها اليوم.
10.انني اناشد المرأة في مجتمعاتنا كافة بأن عليها ان تتحرك من اجل المطالبة بما يؤهلها للحياة العامة، وان تطالب بتأسيس نقابات وجمعيات واتحادات وصحف ومجلات لها.. وان تبحث لها عن ادوار تقدم فيها ابداعاتها وانشطتها.. ونحن ندرك كم هو حجم الحيوية الذي تتمتع بها المرأة في مجتمعاتنا.. فلقد نجحت على امتداد التاريخ في بناء الاسرة، وتربية الرجال، وخلق السعادة وبرز منهن شاعرات ونهضويات واديبات وطبيبات ومهندسات ومعلمات.. الخ اما اليوم، فهي تعاني من قسوة الزمن، واضطهاد المتغيرات، وسلطة القهر، وظلم المجتمع، وعقد التاريخ..
وأخيرا، فالمناسبة اليوم هي من اثمن المناسبات السنوية، وعلى الرجل ان يستذكرها قبل المرأة.. ان المجتمعات لا يمكنها ان تستمر من دون نصفها الثاني، وان السعادة لا تتحقق الا مع ذلك النصف الرائع في وجودنا. دعوا ذلك النصف يرتقي بحقوقه وواجباته وابداعاته.. فستجدون الدنيا تتغير نحو الافضل.. ازرعوا نبتا طيبا في هذه الارض ستجدون ثمرا جنيا في كل مكان.. اشكركم على حسن اصغائكم، مع اسمى التمنيات للمرأة في عيدها السنوي.
www.sayyaraljamil.com
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه