ربما سالتقي بالمستشرق العجوز الشهير برنارد لويس بعد ان التقيت معه لأكثر من مرة.. هذه المرة ستكون للفترة 24-26 ابريل 2008 في المؤتمر السنوي لجمعية دراسات الشرق الاوسط وافريقيا (Asmea) بواشنطن، وستكون له كلمة رئيسية عن مستقبل الشرق الاوسط سانتظرها بفارغ الصبر من اجل رصدها وتفكيك محتواها، خصوصا وان المؤتمر سيعالج موضوعات حيوية عديدة تخص التطورات السياسية والثقافية في الشرق الاوسط وافريقيا: من التقليدية الى الحداثة لأقصى حدود.. في مقالتي اليوم، اود ان أنّبه باختصار الى بعض quot; الملاحظات quot; التي ازعم انها توّضح بعض quot; الافكار quot; التي استبق الاستاذ برنارد لويس في الرؤية التي سيقدمها عن مستقبل الشرق الاوسط.. وهو الذي رسم في اغلب كتاباته تاريخا مضادا لواقعنا وخصوصا اجماله غير المحايد ابدا للحياة التعيسة في العالم الاسلامي. نعم، وقد رسم الرجل نفسه ليس دارسا وباحثا وعالما معالجا بقدر ما جعل من نفسه وصيّا يضطهد واقعنا وتاريخنا ووجودنا، او دكتاتور كلمة لا يراعي الموضوعية، واستخدامه الاسلوب الاستفزازي الذي كتب فيه، وللمنهج المضاد الذي تعامل معه.. وكّنا نتأمل ان الرجل وقد تجاوز التسعين من العمر ان يدرك او يتفهم عوامل عدة لا حصر لها في دراسة متغيرات الشرق الاوسط السكانية والاجتماعية البطيئة، وان يفصل بين تلك المتغيرات من خلال معرفته للتنوع والتعدد في التكوين التاريخي للشرق الاوسط.. وان يكون حياديا ما استطاع في اطلاق الاحكام.. ويوّضح دور الاخر في القهر والغزو وتطبيق المخططات وصناعة الحياة التاريخية المعاصرة بكل كوارثها.. ناهيكم عن التجريحات التي مارسها ضد تواريخنا ورموزنا.. بل وحتى ضد جملة من كياناتنا التاريخية سياسيا واجتماعيا.
انني اذكر بأن برنارد لويس الذي درسنا كتابه الممتاز عن (الاسماعيلية) وكتابه الاخر (العرب في التاريخ) ومشاركته في تحرير (دائرة المعارف الاسلامية) في طبعتها الجديدة، وتخّرج في البداية على يديه العديد من الدكاترة والاساتذة المؤرخين العرب والاتراك الممتازين، كان اكثر انصافا لتاريخنا ومجتمعاتنا وخصوصا عندما كان استاذا بريطانيا بجامعة لندن ابان الستينيات من القرن العشرين.. ولكنه تغّير تغيّرا كبيرا بعد هزيمتنا ام اسرائيل عام 1967، وبدأ يتحّول شيئا فشيئا وخصوصا بعد هجرته الى الولايات المتحدة الامريكية عن نهجه، واتبع نهجا لم يلق اي استجابة من اغلب الدارسين والباحثين في الشرق الاوسط.
ان التركيز على تعميق الخصومة بين المسلمين والاوربيين بدل الموضوعية في قراءة التفاعل التاريخي بين الطرفين ينبغي اثارته امام برنارد لويس، فاذا كان (الغزاة) المسلمين ـ كما وصفهم ـ قد عدوّأ كارثة عظمى للاوربيين حتى انسحاقهم في بواتييه عام 732 م، فانني كنت اتمنى عليه ان يشيد من باب الموضوعية الى ادوار ابن رشد وابن خلدون وبغداد والقاهرة وصقلية والاندلس في تشكيلات النهضة الاوربية الاولى.. كان عليه ان يفصل بين المكونات الاجتماعية في عموم الشرق الاوسط، فالبدو لن يبقوا بدوا عندما يستقروا ويصبحوا حضرا.. واذا كان يثبت اجابته بعدم وجود عوامل عندما يستفسر عن سر التقدم السريع لاوربا والتخلف المريع للعالم الاسلامي.. وهو يدرك ادراكا تاما لها تلك العوامل، فهو يغّيب عن قصد جملة هائلة من التحديات الداخلية والخارجية.. ويبقى مستفسرا وبطريقة استفزازية: اين الخطأ في محاولة للوصول الى استنتاجات لا يمكننا الاقتناع بها ابدا.. ان المشكلة ليست في عدم تقّبل (الكفّار) الاوربيين ـ حسب رأيه ـ من قبل المسلمين، ولكن كيف اكتشف المسلمون كل الاوربيين؟ ما هي طبيعة العلاقة التاريخية بين الاوربيين والمسلمين؟ ان المسلمين لم يطالبوا بأي اعتذارات تاريخية من الاوربيين مقارنة بما طالب به اليهود من الاوربيين على ما اقترف بحقهم، وبرنارد لويس يدرك ذلك كونه يهوديا. ان المسلمين مدركين لحجم الانعكاس الثنائي بينهم وبين الاوربيين منذ معركة ذات الصواري وحتى نهاية القرن الثامن عشر.. ولكنهم اصطدموا بتحديات الاوربيين على ترابهم منذ حملة نابليون بونابرت حتى اليوم..
ثمة ملاحظة اخرى، تتعلق بافكار التسامح والحقوق، اذ لا يمكن ان تسحق العالم الاسلامي وتطالبه بالتسامح.. لا يمكن ان تمارس ضده التسلط والسيادة والاحتلال وتطالبه بالوسطية والاعتدال وقبول الامر الواقع.. انك تقبض على انفاسه وتعزله وتقلل من شأنه وتبقيه بارادتك ضعيفا متقهقرا لا يقوى على الحياة.. انك كمن تلقيه في الماء وتطالبه ان لا يبتل بالماء ! انني اطالب برنارد لويس ان يتكلم في المؤتمر القادم عن مستقبل للشرق الاوسط من دون اي ادانات ومن دون تحيزات ومن دون استخدام لأية تجريحات.. وعليه ان يبحث عن الجذور التاريخية لكل الحركات المضادة في عالمنا الاسلامي ومن كان وراء صناعاتها.. عليه ان يقول كلمة سواء في من يريد للشرق الاوسط ان يبقى راكدا، فمن وراء الضحية والثقافة ثمة خطط غير منظورة وصناعات تدفع نحو الكارثة.. عليه ان يكون واضحا في من كان وراء معاداة السامية وان يجيب على الاسئلة كاملة غير منقوصة.. عليه ان يحاول ان يجد علاجا لمشكلة الهجرة من العالم الاسلامي نحو اوربا لا ان يلهب الموقف بـ quot; احياء صليبية جديدة quot; كما جاء في محاضرته قبل عام (صحيفة وول ستريت جورنال في 8 مارس 2007) وقد حضرها عدد من المسؤولين الامريكيين ومنهم ديك تشيني عندما وصف الهجرة الى اوروبا من قبل المسلمين، وقرنها بالارهاب، محذرا في محاضرته الغرب -- وخاصة اوروبا ndash; من التحديات القادمة التي يفرضها العالم الاسلامي. انه يطالب بـ صليبية جديدة ضد المهاجرين المسلمين كرد فعل مقارنة بالصليبية الاولى التي كانت ـ حسب وصفه ـ رد فعل ازاء الغزو الاسلامي !! انه يتغاضى ويتناسى عن الادوار التي يقوم بها المهاجرون من عرب ومسلمين ومسيحيين في الغرب عموما وما يضطلع به مبدعيهم واختصاصيهم في رفد الحياة المعاصرة المتطورة.. ليبّشر بالسوء.. انه يتغاضى عن تدفق الملايين من الافارقة والآسيويين الى اصقاع الغرب.. ليقف في الضد من المهاجرين العرب والمسلمين.. لقد نشرت نقدا صارما ضد هذا الكلام في العام الماضي في صحيفة الانترناشنال كوريار.. وانني انتظر ما سيقوله هذا العام في مؤتمر (Asmea) لنستمع اليه ونحاوره ان قبل الحوار، وأعد القراء الاعزاء انني سانشر ملاحظاتي الاخرى المتواضعة على كلمته القادمة من اجل ان يكون موضوعيا ولو لمرة واحدة!
انني اذكر بأن برنارد لويس الذي درسنا كتابه الممتاز عن (الاسماعيلية) وكتابه الاخر (العرب في التاريخ) ومشاركته في تحرير (دائرة المعارف الاسلامية) في طبعتها الجديدة، وتخّرج في البداية على يديه العديد من الدكاترة والاساتذة المؤرخين العرب والاتراك الممتازين، كان اكثر انصافا لتاريخنا ومجتمعاتنا وخصوصا عندما كان استاذا بريطانيا بجامعة لندن ابان الستينيات من القرن العشرين.. ولكنه تغّير تغيّرا كبيرا بعد هزيمتنا ام اسرائيل عام 1967، وبدأ يتحّول شيئا فشيئا وخصوصا بعد هجرته الى الولايات المتحدة الامريكية عن نهجه، واتبع نهجا لم يلق اي استجابة من اغلب الدارسين والباحثين في الشرق الاوسط.
ان التركيز على تعميق الخصومة بين المسلمين والاوربيين بدل الموضوعية في قراءة التفاعل التاريخي بين الطرفين ينبغي اثارته امام برنارد لويس، فاذا كان (الغزاة) المسلمين ـ كما وصفهم ـ قد عدوّأ كارثة عظمى للاوربيين حتى انسحاقهم في بواتييه عام 732 م، فانني كنت اتمنى عليه ان يشيد من باب الموضوعية الى ادوار ابن رشد وابن خلدون وبغداد والقاهرة وصقلية والاندلس في تشكيلات النهضة الاوربية الاولى.. كان عليه ان يفصل بين المكونات الاجتماعية في عموم الشرق الاوسط، فالبدو لن يبقوا بدوا عندما يستقروا ويصبحوا حضرا.. واذا كان يثبت اجابته بعدم وجود عوامل عندما يستفسر عن سر التقدم السريع لاوربا والتخلف المريع للعالم الاسلامي.. وهو يدرك ادراكا تاما لها تلك العوامل، فهو يغّيب عن قصد جملة هائلة من التحديات الداخلية والخارجية.. ويبقى مستفسرا وبطريقة استفزازية: اين الخطأ في محاولة للوصول الى استنتاجات لا يمكننا الاقتناع بها ابدا.. ان المشكلة ليست في عدم تقّبل (الكفّار) الاوربيين ـ حسب رأيه ـ من قبل المسلمين، ولكن كيف اكتشف المسلمون كل الاوربيين؟ ما هي طبيعة العلاقة التاريخية بين الاوربيين والمسلمين؟ ان المسلمين لم يطالبوا بأي اعتذارات تاريخية من الاوربيين مقارنة بما طالب به اليهود من الاوربيين على ما اقترف بحقهم، وبرنارد لويس يدرك ذلك كونه يهوديا. ان المسلمين مدركين لحجم الانعكاس الثنائي بينهم وبين الاوربيين منذ معركة ذات الصواري وحتى نهاية القرن الثامن عشر.. ولكنهم اصطدموا بتحديات الاوربيين على ترابهم منذ حملة نابليون بونابرت حتى اليوم..
ثمة ملاحظة اخرى، تتعلق بافكار التسامح والحقوق، اذ لا يمكن ان تسحق العالم الاسلامي وتطالبه بالتسامح.. لا يمكن ان تمارس ضده التسلط والسيادة والاحتلال وتطالبه بالوسطية والاعتدال وقبول الامر الواقع.. انك تقبض على انفاسه وتعزله وتقلل من شأنه وتبقيه بارادتك ضعيفا متقهقرا لا يقوى على الحياة.. انك كمن تلقيه في الماء وتطالبه ان لا يبتل بالماء ! انني اطالب برنارد لويس ان يتكلم في المؤتمر القادم عن مستقبل للشرق الاوسط من دون اي ادانات ومن دون تحيزات ومن دون استخدام لأية تجريحات.. وعليه ان يبحث عن الجذور التاريخية لكل الحركات المضادة في عالمنا الاسلامي ومن كان وراء صناعاتها.. عليه ان يقول كلمة سواء في من يريد للشرق الاوسط ان يبقى راكدا، فمن وراء الضحية والثقافة ثمة خطط غير منظورة وصناعات تدفع نحو الكارثة.. عليه ان يكون واضحا في من كان وراء معاداة السامية وان يجيب على الاسئلة كاملة غير منقوصة.. عليه ان يحاول ان يجد علاجا لمشكلة الهجرة من العالم الاسلامي نحو اوربا لا ان يلهب الموقف بـ quot; احياء صليبية جديدة quot; كما جاء في محاضرته قبل عام (صحيفة وول ستريت جورنال في 8 مارس 2007) وقد حضرها عدد من المسؤولين الامريكيين ومنهم ديك تشيني عندما وصف الهجرة الى اوروبا من قبل المسلمين، وقرنها بالارهاب، محذرا في محاضرته الغرب -- وخاصة اوروبا ndash; من التحديات القادمة التي يفرضها العالم الاسلامي. انه يطالب بـ صليبية جديدة ضد المهاجرين المسلمين كرد فعل مقارنة بالصليبية الاولى التي كانت ـ حسب وصفه ـ رد فعل ازاء الغزو الاسلامي !! انه يتغاضى ويتناسى عن الادوار التي يقوم بها المهاجرون من عرب ومسلمين ومسيحيين في الغرب عموما وما يضطلع به مبدعيهم واختصاصيهم في رفد الحياة المعاصرة المتطورة.. ليبّشر بالسوء.. انه يتغاضى عن تدفق الملايين من الافارقة والآسيويين الى اصقاع الغرب.. ليقف في الضد من المهاجرين العرب والمسلمين.. لقد نشرت نقدا صارما ضد هذا الكلام في العام الماضي في صحيفة الانترناشنال كوريار.. وانني انتظر ما سيقوله هذا العام في مؤتمر (Asmea) لنستمع اليه ونحاوره ان قبل الحوار، وأعد القراء الاعزاء انني سانشر ملاحظاتي الاخرى المتواضعة على كلمته القادمة من اجل ان يكون موضوعيا ولو لمرة واحدة!
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه
التعليقات