اولا: معنى الفيدرالية ومقوماتها:
الفيدرالية Federalism: نظام سياسي متقدم تعود جذوره الى العام 1787، ويقضي بتوزيع السلطة في اكثر من حكومة اقليمية ترتبط بحكومة مركزية.. والعلاقة اتحادية تتحدد بين السلطة المركزية والوحدات السياسية (= الاقاليم) وهنا تختلف عن النظام السياسي المركزي او اللامركزي، اذ تتحدد العلاقة بين السلطة المركزية والوحدات الادارية (= المحافظات) او منح تلك الاقاليم صيغة لامركزية بصنع بعض قراراتها بنفسها. وتتمتع الاقاليم الفيدرالية بشخصياتها الجغرافية والطبيعية والاقتصادية والادارية. وفي مصادر اخرى تعرف الفيدرالية كونها نظام سياسي تجتمع فيه عدة دول او اقاليم او مناطق بمجلس فيدرالي ربما يتطور الى نظام كونفدرالي (بين دول وليس بين اقاليم) اذا كانت لكل اقليم دولة تمثلها وزارة خارجية وعلم ونشيد وطني وترتبط ارتباطا محدودا بحكومة مركزية محدودة مع الحفاظ على قدر من الحكم الذاتي.
هنا يتحول اي اقليم فيدرالي له شخصيته الادارية الى نظام سياسي، يأتلف مع غيره، اي مع عدة دول او مناطق ارجاء بعض الدول، وتتحدد استقلاليته على سبيل المثال في الشؤون الخارجية ويعترف به من قبل الدول المجاورة اولا والعالم ثانيا، ان النظام الفيدرالي يقر بوجود حكومة مركزية محدودة مع الحفاظ على قدر من الحكم الذاتي. لقد صمم النظام الفيدرالي كشكل من اشكال انظمة الحكم في العالم لاتحاد اكثر من اقليم مجاور احده للاخر في اتحاد دولة اتحادية فيدرالية كما سنرى نماذجها في ادناه.

ثانيا: الدول الفيدرالية واصناف الفيدراليات
دعونا نتأمل الاسس التاريخية والموضوعية التي بنيت على اسسها الفيدراليات الحالية في العالم، وهي انواع يمكنني ذكرها باختصار مع نماذج متنوعة من الدول:
1/ اتحادات بقايا الامبراطوريه: الفدرلة التطورية: وهي البلاد التي وجدت نفسها مفدرلة كبقايا امبراطوريات كانت تحكمها، ومن نماذجها: استراليا والنمسا وكندا وجزر القمر والهند وماليزيا وميكرونيزيا (= مجموعة جزر في الباسيفيك) وباكستان وروسيا وسانت كيتس - نيفيس وسويسرا والامارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الامريكية.
2/ المفدرلات الهجينة المصّممة: وهي البلاد التي اوجدت لها عناصر تصميم فيدرالية من اجل ان تتطور الحياة السياسية فيها، ولم تزل حتى الان مفدرلات هجينة نجح بعضها كالارجنتين واخفق الاخر كنيجيريا، وهي: الارجنتين والبرازيل ونيجيريا وفنزويلا.
3/ المفدرلات المصممة دستوريا من قبل النخب العليا والدنيا: وهي البلاد التي ورثت تقاليد تاريخية اتحادية وقامت النخب بتصميمها من أعلى إلى أسفل، وتتصف اقاليمها ايضا كونها تمتلك تواريخ ممالك متصارعة، وصراعاتها قديمة، مثل: بلجيكا ويوغسلافيا (= البوسنة - الهرسك) واثيوبيا والمانيا وجنوب افريقيا.
4/ دولة مفدرلة ساهمت القوى السكانية باجماعها الوطني على ترسيمها كونها تمتلك تاريخا لممالك متنوعة، مثل: اسبانيا.(وهنا يريدون تشبيه العراق بها).
هنا يرى بعض اساتذة الفكر السياسي بان ثمة مفدرلات تجتمع في دول فيدرالية، ولكنها غير قابلة للحياة من دون اي محور مركزي لادارتها وتشكيل قراراتها.. وثمة رغبات شعبية جامحة مستقبلا لجعلها متغيرات ادارية، مثل: البرازيل واثيوبيا والمانيا وروسيا (وسوف لن يدخل العراق هذه الخانة لأنه سوف لن يكون دولة فيدرالية).

ثالثا: صناعة الفيدراليات تعبير عن الارادة الشعبية الوطنية
1/ الفيدراليات الهجينة
في الواقع، ومن منظور مقارن، اقول ان من غير المألوف ان الفيدراليات تسمح للسكان ليقولوا كلمتهم في تحديد الوحدات الفرعية في نظام فيدرالي. ان معظم الفيدراليات في العالم تمتد في التاريخ لتجد نفسها حالة متطورة من الانقسام الى الاتحاد.. وعليه، فان الفيدراليات القائمة وجدت نفسها طبيعية وشرعية في آن واحد كوحدات سياسية ترجمتها ارادة شعبية لجميع ابناء البلاد (سويسرا على سبيل المثال)، أو انها قامت على أساس وحدات سياسية كانت قائمة على عهد الاستعمار في نظام امبراطوري، وهو من مخلفات العصور السابقة (بما في ذلك تلك الحالات المتباينه كالتي مثلها روسيا وميكرونيزيا مثلا). وثمة مجموعة ثانية من الفيدراليات هي تلك التي تم صمّمت تفاصيلها، في كثير من الأحيان بعد فترة من التمزقات التي تنتجها الاضطرابات السياسية اثر انهيار الانظمة الشمولية ولكن شريطة وجود بيئة من الاقاليم المتباينة التي تجتمع في اطار امة واحدة (ومنها المانيا ياقاليمها: بافاريا وهامبورك وساكسونيا وهيسين وسارلند وغيرها). ويمكننا اعتبار ما جرى بعد الفصل العنصري في جنوب افريقيا رجوع الى الاقاليم الاولى. ان اهم عنصر من عناصر التكوين الفيدرالي بعد الاسس التاريخية يتمثل بالارادة الشعبية التي تطالب بمدخلات العملية وتوسيعها ان كانت محدودة جدا ؛ ويأتي العنصر الثالث ممثلا من قبل الخبراء والمؤرخين ورجال القانون الدستوري لتضع الخرائط وتحدد الاقاليم التي يمكنها ان تتقّبل الفدرلة دستوريا.. بحيث لا تؤثر على مبدأ المواطنة الذي يسبق كل المبادئ لدى اي شعب من الشعوب، فالالماني لا يعرف نفسه الا بالمانيته من دون ان نعرف سواء كان اصله من بافاريا ام هنغاريا.. ويؤكد الفكر السياسي الكندي سواء في جامعات اقليم اونتاريو او اقليم كيبك بأن التصويت العام على المبدأ (= الفيدرالية) ان حدث فيه اي انكسار، فلا يمكن ان يعيش النظام الفيدرالي من دون كامل الحزمة الدستورية.

2/ الفيدراليات المتطورة:
ان الفيدراليات الهجينه ـ كما تسمّى ـ والتي تمارسها العديد من دول امريكا اللاتينية التي اخذت بالفدرالية، ومعظمها شهد هزات في الخرائط الفدرالية بعد فترات من الاضطراب السياسي الداخلي (منها فنزويلا مثلا) او بسبب ترتيبات امنية خاصة نفذت خلال ازمنه الحرب (الارجنتين والبرازيل مثلا). ان كندا والولايات المتحدة الامريكية حالتان من تطور الاقاليم التي حافظت على حدودها ايام الحرب الاهلية ومن ثم الصراع على الحدود والمياه بين الدولتين وقد وجدتا ان النظام الفدرالي هو الذي يحفظ لهما حزمتيهما من الاقاليم الشاسعة.. اما في حالة روسيا الاتحادية، فهي وريثة الكونفدراليات السوفييتية، ولم تستطع السيطرة على اقاليمها الشاسعة من دون نظام فيدرالي بالرغم من اجراء روسيا الاتحادية عملية ترشيد في نظامها الاتحادي، وبصورة جزئية من خلال تشريعات خاصة، ونظريا مع وجود عنصر المبادرة المحلية. اما الامارات العربية المتحدة، فتمتاز بنظامها الاتحادي الجامع بين الفيدرالية والكونفدرالية معا، فهي تجمع مشيخاتها السبع في دولة فيدرالية، ولكن حكوماتها المشيخية تتمتع كل واحدة منها بسلطات محلية سياسية.. وتجتمع كلها في مجلس اتحادي.. ولقد كانت خطوتها التأسيسية لانبثاق الاتحاد خطوة جريئة واستثنائية في ضم اقاليم مشيخية في دولة واحدة.

رابعا: العراق والفيدرالية: التحدي من دون استجابة!
1/ العملية مضنّية:
يؤكد العديد من الخبراء والمراقبين ان العملية السياسية التي تجرى اليوم في العراق غدت عملية مضنية وانخفضت معدلات التأييد لها بسبب مشكلات تضمنها الدستور العراقي وخصوصا في اقراره مبدأ الفيدرالية للعراق.. وقد اقترح البعض اجراء تعديلات جذرية على الدستور باشراف الامم المتحدة وكان قد اقترح تأسيس مؤتمر لهذا الغرض في مدريد العاصمىة الاسبانية. لماذا اسبانيا؟ كونهم وجدوها نموذجا مثاليا للعراق في تطبيقاها النظام الفيدرالي كما اشار الى ذلك العديد من الخبراء الدوليين في الامم المتحدة الذين عملوا في العراق وكان ذلك من خلال مكتب الامم المتحدة للدعم الدستوري يونيو / حزيراتن 2005.. وها قد مضى اكثر من سنتين ونصف ونحن نجد ان خطوات العملية الفيدرالية العراقية متعثرة تماما، ليس لأنها نظام حكم فاشل، بل لأن العراق غير قابل ان يعامل الا وحدة متكاملة.. وعليه، فكل يوم يمضي من دون ان يتحقق اي تقدم في العملية الفيدرالية، فان مقياس الوطنية سيتفوق على مشروع الفيدرالية.

2/ مقاربة للعراق من التجربة الاسبانية:
لقد جرت مقاربات عدة في الاستفادة من التجربة الاسبانية في الحوارات اللاحقه مع اللجنة الدستورية العراقية، وقام بعض الخبراء الدوليين بمهام اساسية، وايضا في تعيينهم مستشارين وأكدوا مرارا وتكرارا مزايا وجود نظام دستوري في مختلف المناطق التي يمكن ان تحقق المركز الاتحادي مع مختلف المناطق (= المحافظات) التي لم تجد طريقا كي تتبلور في مجموعة أقاليم.. وهذا ما كان قد جرى بالضبط في التجربة الاسبانية، واعتبرت من أهم الخصائص المميزه للاسبانيه عندما اقرت الميثاق من دون اي عطب حقيقي، اذ عد بمثابة مبدأ اساسي للشعب الاسباني الذي غدت له محافظاته التي لم تزل ترتبط بالعاصمة اداريا ولكنها تحتفظ كل واحدة منها بحكم ذاتي.
يتّضح اليوم ان هناك بعض اوجه التشابه بين المادة 115 من الدستور العراقي، على تشكيل المناطق الفيدراليه، وبين المادة 143 من الدستور الاسباني.

3/ اين الكيانات العراقية؟
لعل من ابرز الشدائد في العراق ستكون برغم كل المبادرات الخارجية والمحلية في ترسيم الحدود بين الاقاليم، والتي تعتبر من لبنات بناء المستقبل لأي نظام اتحادي. في حين ان الممارسه التقليديه لاكثر الدول المفدرلة وجود كيانات محددة بحدود وللاقاليم ميزات وخصائص كأن تكون دوقيات او مشيخات او امارات قديمة يسهل فدرلتها.. اما في العراق، فليس التبشير بمبدأ او تضمينه بدستور او المطالبة به كخطاب.. سيخلق اقليم عراقية مفدرلة، فالامر ليس بهذه السهولة التي يتخيلها السّذج من العراقيين مع احترامي لمبدأهم الجديد الذي لم نسمع به من قبل، وخصوصا قبل العام 2003..

4/ الموروث التاريخي الاداري للعراق:
ان الامر غير قابل للتسريع، ذلك لأن العراق يمتلك نظاما اداريا يسنّه قانون المحافظات الذي بني على قانون الالوية وهو قانون بني على المواريث التي تركها قانون الولايات الجديد الذي سنته الدولة العثمانية عام 1864. لقد بدت التقسيمات الادارية للولايات العراقية عند مطلع القرن العشرين على الصورة التالية:
1/ ولاية الموصل: تضم ثلاثة الوية، هي: الموصل وكركوك والسليمانية، و14 قضاء، و23 ناحية، و 3321 قرية.
2/ ولاية بغداد: تضم ثلاثة الوية، هي: بغداد وكربلاء والديوانية، و 17 قضاء، و34 ناحية، و 47 قرية.
3/ ولاية البصرة: تضم اربعة الوية، هي: البصرة والمنتفك ونجد والعماره، و10 اقضية، و29 ناحية، و210 قرى (انظر التفاصيل، سيار الجميل، تكوين العرب الحديث، دار الشروق، ص 350-351).

5/ اقليم كردستان: الاستثناء الذي صنعته الصدفة
ان العملية ليست بسيطة جدا في ان بناء اقاليم فيدرالية (باستثناء اقليم كردستان) الذي خدمته فرصة تاريخية اثر حرب 1991 واندحار الجيش العراقي في الكويت وهيمنة قرارات المجتمع الدولي بزعامة الولايات المتحدة على العراق وفرض الحماية على كردستان.. ان اقليم كردستان الفيدرالي سوف لا يحقق الحلم الكردي، فهو البديل المؤقت للدولة الكردية التي يحلم بها الجميع.. وهي ـ كما يقولون ـ مشروع الامة الكردية. وعليه، فان الفيدرالية في اقليم كردستان غير مستقرة ايضا اذ لا يعرف الاقليم اين تمتد حدوده بشكل رسمي حتى الان.

6/ المشكلة مضاعفة.. كما نستنتج
وعليه فالمشكلة مضاعفة في العراق ـ كما نرى ـ ذلك ان العملية ليست مجرد تحويل الوحدات الاداريه القائمة الى كيانات اتحادية، ويقول معظم الخبراء والمختصين بأن quot; هذه الآليات الدستورية مبتكرة تم تصميمها على عجل من اجل ان يفتح المجال الاداري للتخلص من تركات الماضي وفتح التاريخ لتشكيلات جديدة quot;.. من دون ان يعلم العديد من القادة والساسة العراقيين المصفقين للفيدرالية بأن الوحدات الادارية لا يمكن ان تتحول الى وحدات سياسية في العراق كونها لم تمتلك اية مقومات حقيقية او حدود وسواتر في ما بينها..

خامسا: العراق ليس اسبانيا: مقارنة واضحة
1/ العراق ليس مجتمعات مستقلة
اما في حالة اسبانيا، فالحالة مختلفة جملة وتفصيلا، اذ كان التاريخ الوسيط والحديث قد اتاح لها ان تتبلور فيها كيانات سياسية وممالك قديمة، ومنها: اراغون وقشتالة وليون واندلوسيا وفالانسية وكاتالونيا وجليكيا ومرسيه وكانتابريا وغيرها.. ويتساءل احد المختصين قائلا: واين هي ممالك العراق القديمة او مشيخاته او اماراته التي كانت لها حدودها وتواريخها السياسية ونظمها الاقليمية؟ ان اسبانيا بلاد المقاطعات التي كانت تجتمع مع بعضها البعض من خلال طرق ومسالك لتشكّل ما عرف بـ quot; المجتمعات المستقلة quot;، فهل يمكن تشبيه العراق في ان تغدو محافظاته التي كانت في الاصل الوية (أي: سناجق) لكي نعلن عن مجتمعات عراقية مستقلة نظرا لأن الفيدرالية مشروعا جميلا ورائعا في اسبانيا او غير اسبانيا؟؟ وبصدد المجتمعات المستقلة، فان هناك من يقول ان كردستان نفسها لم تكن مجتمعا مستقلا الا في اعماقها، اذ غدا الاكراد جزءا حقيقيا من المجتمع العراقي، وكانوا اكثر اندماجا من كل النواحي لولا العامل السياسي الذي كان له دوره في تأسيس التمفصل بينهم وبين كل من العرب والتركمان والاشوريين في العراق.

2/ فروقات شاسعة
لا يمكن ان تكون اسبانيا موازية للعراق في المسألة الفيدرالية او غيرها، اذ يعلق العديد من الخبراء الدوليين الجدد الذين يريدون ان يدخلوا الجمل في خرم ابرة، آمالهم بجعل العراق صيغة موازية لاسبانيا.. ومع الاسف صفق ولم يزل يصفق لها العديد من الساسة العراقيين الجدد الذين لم يفقهوا ماهية اسبانيا، بل ولم يدركوا اولويات العراق داخليا واقليميا ودوليا.. انها بالفعل فكرة طائشة بجعل العراق صولرة مشتقة من اسبانيا.. وانهم يصفونها بأنها quot; قد لاتكون مفيدة كما يعتقد الكثيرون quot;، والحقيقة انا من اولئك الكثيرين ! لماذا؟

اولا: إن وحدات الشعب الاسباني كان لها تأثير حاسم في تنظيم مجتمعاتهم الجديدة الاتحادية (ولقد جرى تسمية الوحدات الاسبانية بالمكونات العراقية)، اذ نجح الاسبان بتأليب ارادتهم الوطنية في هذا السبيل بعد الحكم الاستبدادي للجنرال فرانكو الذي يخطئ من يشبهه بصدام حسين.. ان صدام حسين حالة استثنائية لا يمكن تشبيهه بأي أحد.. اذا كان الاسبان ينتظرون تكوين وحداتهم التي عرفوها منذ تواريخ قديمة بعد رحيل فرانكو، فان العراقيين لم يكونوا بانتظار ذلك اثر رحيل صدام حسين.. كان حلمهم عراق ديمقراطي حضاري كالذي كان على امتداد التاريخ.

ثانيا: لقد عرفت تواريخ اسبانيا من خلال ممالكها القديمة التي كانت تتصارع حينا وتتراضى حينا آخر.. وكانت لكل مملكة حدودها مع الاخرى (وتمر علينا ممالك الطوائف عندما حكمت من قبل العرب المسلمين قبل مئات السنين، ا1ذ تأسست في كل مدينة اسبانية دولة من الدول القزمية). نعم، لقد كانت هناك حدود هامة، كانت غاية الوحدات الاجتماعية الاسبانية ان تجعلها خالية من القيود ضمن فيدراليات بلورتها الاراده الشعبية حقا كونها معالجة حقيقية للانقسامات القديمة، فنشأ الاتحاد الجديد، وانشئ هذا النظام في اسبانيا بين عامي 1978 و1983. كان في البداية على الورق، ولكنه تحقق في غضون خمس سنوات
اما في العراق، فاية ممالك متصارعة عاشت فيه متزامنة مع بعضها الاخر؟ واية مكونات تاريخية وادارية وسياسية لها حدودها وفواصلها واسيجتها؟

ثالثا: اذا كانت الارادة الشعبية الاسبانية قد حسمت الموقف لصالح الفدرلة من اجل بناء مستقبل بني على اسس تاريخية اثر الحرب الاهلية الاسبانية واثر الازمات السياسية، وكان التطلع على اساس البدء من البلديات والوحدات الادارية فتبلورت السمات الجديدة الاتحادية فجاه بل ان النخب السياسية بدأت تطبق وتترجم الارادة الشعبية الى واقع وخصوصا في ربيع وصيف 1981، ومن دون ذلك فلقد كانت الديمقراطية مهددة.. اما في العراق، فان فجيعته ان يلبي الشعب ما يريده الساسة الجدد رغما عنه.. وعليه فبعد مرور ما يقرب من خمس سنين لم تلد اي فيدرالية عراقية حتى اليوم! ومن سوء حظ العراق العاثر ان تغدو المكونات العراقية مقسمّة على اساس طائفي وعرقي.. وهذا ما لم يحدث ابدا في اي تجربة فيدرالية!
رابعا: ان اسبانيا كانت في تجربتها عملية الى حد كبير، فهي متجانسة في جغرافيتها ومواردها وان فيدراليتها الادارية قد عالجت انقسامات الماضي. وبالرغم من بعض الاخطاء الا انها شّرعت فيدراليتها في اجواء طبيعية وأمنية.. اذ لا يمكن مقارنتها بالعراق ابدا والذي كان ولم يزل يعيش اهوال الحرب والاحتلال وفقدان الامن وانحلال المؤسسات وتشظي المكونات وهزال الجيش والشرطة وعبث المليشيات واختراق الارهاب وتدخل الاقليم.. وبعد هذا وذاك، هل يمكننا ان نتصور ان العملية الفيدرالية سهلة وستكون حلا للازمات؟ وكيف يطالب بها ولم يزل الدستور بحاجة الى تعديلات باقرار من صاغه من ممثلي الاحزاب الحاكمة!

خامسا: ان اسبانيا وطن في شبه جزيرة ايبريا شاسعة الاطراف ويفصلها عن فرنسا جبال البرنيه وتفصله الطبيعة عن البرتغال، فهي شبه منعزلة وليست كالعراق تقع في قلب الشرق الاوسط.. اذ يحيط العراق دول اقليمية قوية. اما الاحزاب السياسية الاسبانية، فاهمها: حزب الشعب (PP) وحزب العمال الاشتراكي الاسباني (PSOE) واتحاد اليسار (IU) والتحالف الديمقراطي لكاتالونيا (CiU) والحزب الوطني الباسكي (EAJ-PNV).. اما الاحزاب والتيارات السياسية العراقية فهي احزاب دينية او طائفية.. لا يمكنها ان تعبر ارادة كل العراقيين، بل ولا تصلح لقيادة العراق في مثل هذه الظروف.. ان من المؤسف ان يصل الالحاح بالفيدرالية من الاعلى الى الادنى وباسلوب من يجهل الامر كثيرا.
سادسا: صحيح ان هذا quot; الخيار quot; له اهميته الفائقة كونه طريق نحو المسار الديمقراطي يقوم ببناء دولة اتحادية نموذجية، ولكن العراق كان قد تعّرض ولم يزل يتعّرض لمخاطر وتحديات قاسية لا يتم علاجها بهذا الاسلوب الذي يكرس في مثل حالة العراق الانقسام خصوصا وان جغرافية العراق هي غير جغرافية اسبانيا.. فالعراق تحيطه دول اقليمية كبيرة من الاستحالة ان تقبل بالعراق الفيدرالي لاسباب داخلية صرفة وخصوصا تركيا وايران.. فضلا عن دول عربية وخصوصا السعودية وسوريا..

واخيرا: ماذا نستنتج؟
انني اعتقد بأن الفيدرالية ان طبقّت في العراق، فستكون فيدرالية هجينة كالتي عاشتها نيجيريا، وستفشل العملية التاريخية في التغيير بسبب عدم وجود المقومات الفيدرالية في العراق، وان وحداته الاجتماعية متجانسة الى ابعد الحدود، ولا يمكن التعويل على اية مكونات طائفية او عرقية يمكنها ان تكون اساسا للفدرلة.. لقد مرّت قرابة خمس سنوات على البدء بمشروع الصناعة الفيدرالية في العراق.. ولم تنجح الا فيدرالية كردستان التي تكتنفها المشكلات الصعبة هي الاخرى الاقليمية والداخلية. ان الولايات المتحدة التي سعت لتطبيق هذا quot; المشروع quot; بديلا عن المشروع المركزي الذي كان سائدا، لم ينبثق من طموحات الشعب العراقي، بل ولم يحظ ابدا بالتأييد بانطلاق ارادة شعبية بسبب عدم وجود اقاليم عراقية كانت في ما سبق ممالك منفصلة او مبعثرة او مشتتة.. لقد ترافق مشروع الفيدرالية مع مشروعات اخرى.. ولما ازداد الالحاح عليه وبتطبيقه بسرعة بدا يفّسر على كونه سعي مستميت من اجل تقسيم للعراق. فهل سيشهد العراق نظاما فيدراليا هجينا ام متطورا؟ ام ان المشروع سيفشل فشلا ذريعا؟ هذا ما ستنبؤنا به السنوات الخمس القادمة.

استشارات
-Encyclopedia Britannica.

,The Federalist Papers (Signet Classics).Alexander Hamilton-


-The Essential Federalist and Anti-Federalist Papers (Paperback)
by Alexander Hamilton, James Madison, John Jay

-Building Federal Subunits by Way of Referenda: Special Challenges for Iraq, By Reidar Visser
-Levy, Karl (ed.): Italian Regionalism: History, Identity and Politics (Oxford: Berg, 1996).
-Moreno, Luis: The Federalization of Spain (London: Frank Cass, 2001).
-Morrow, Jonathan: ldquo;Iraqrsquo;s Constitutional Process II: An Opportunity Lostrdquo;, United States Institute of Peace Special Report 155, 2005.
-de Silva, K.M.: ldquo;Sri Lanka: Ethnic Conflict and the Search for a Durable Peace, 1978ndash;1999rdquo;, Ethnic Studies Report vol. 17 no. 2, 1999.

www.sayyaraljamil.com

اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه