مع استعار حمى الحرب على ما بات يعرف بـ laquo;الإرهابraquo;، والموسوم بعدد من الصفات laquo;الأصوليraquo;، laquo;الإسلاميraquo;، laquo;المتطرفraquo;... فإن laquo;السعارraquo; الذي أصاب الإدارة الأمريكية ومن لفّ لفها في مواجهة التحديات والأخطار الناجمة عن laquo;الإرهابraquo; لم يحسم تلك التحديات أو الأخطار، أو على الأقل لم يقلل منها أو يحد من انتشارها.
وإذا كان الغرب مؤخراً قد استوعب الدروس والخبرات laquo;المجانيةraquo; التي قدمتها بعض الأنظمة العربية في مجال مواجهة laquo;الإرهابraquo; ومكافحته، فإن تركيز الإدارة الأمريكية على الجانب الفكري في حربها المزعومة على quot;الإرهابquot;، قد شطح بها إلى حدود رد المعروف إلى تلك الأنظمة والتدخل في مجال من أهم مجالات ما يعد من مفهوم السيادة الوطنية، وهو مجال التعليم ومناهجه.
ولما كانت المناهج التعليمية مظهراً من المظاهر المعبرة عن السيادة والشخصية القومية للبلد أو الأمة، والنسغ المعرفي المستقى من تجارب وخبرات الشعوب والأمم والذي يقدم لناشئتها، بغية الحفاظ على هويتها الحضارية والاجتماعية، فإن الاتهامات التي ساقها الغرب ومن ورائه الولايات المتحدة لمناهجنا التعليمية، وبالذات الدينية منها، ومطالبتها laquo;بتعديلraquo; تلك المناهج وlaquo;تطويرهاraquo; بغية القضاء على laquo;منابع الإرهابraquo; وتجفيفها، إن تلك الاتهامات وما تلاها من المطالبات يكمن خطرها حال الاستجابة لها والرضوخ إليها، وهو الأمر المتحقق حتى الآن، في كونها سبيلاً إلى العبث بمقومات الشخصية المتفردة للأمة، وضرباً لأهم عناصر هويتها الحضارية، والذي يعدّ الدين الإسلامي أهم عناصره ومكوناته على الإطلاق.
لسنا ندعي في هذا السياق عصمة مناهجنا التعليمية في مؤسسات التعليم الديني وترفعها على النقد وإعادة النظر، فالدعوة إلى إصلاح مناهج التعليم كانت لصيقة بالدعوة إلى النهضة والإصلاح والتي حمل لواءها في كل بلد علم من الأعلام المعروفين من أمثال (محمد عبده) في مصر، و(محمد الطاهر بن عاشور) في تونس. ولا تزال الدعوات إلى إصلاح تلك المناهج وتعديلها وتطويرها بما لا يتعارض أو يتصادم مع ثوابتنا ومبادئنا وقيمنا قائمة ومستمرة. بيد أن الرغبة الأمريكية المحمومة في هذا الصدد والمسلطة على تلك المناهج، وممارستها لشتى أنواع الضغوط على الأنظمة العربية بغية تحقيق ذلك، وبعبارة أخرى: إن تسييس الخطوات اللازمة لإصلاح مناهجنا التعليمية، والدينية منها بالذات، لم ولن يؤثر على بنية laquo;العنفraquo; وlaquo;التطرفraquo; التي يتسلح بها من تطاردهم الولايات المتحدة من أفغانستان إلى العراق إلى غيرها من البلدان الإسلامية.
فمن الطريف في هذا الصدد التباس الرؤية والموقف الأمريكيين تجاه مؤسسات التعليم الديني التقليدية، ففي الوقت الذي تعتبرها مصدراً لتفريخ الإرهابيين وتلقينهم ثقافة العنف والتطرف تجاه الآخر، فإن المطالع لأسماء من تعتبرهم الولايات المتحدة قادة الفكر الإرهابي ورموزاً له، سوف يجد ابتعاد هؤلاء عن تلقي العلوم الشرعية في أي جامعة أو مؤسسة تعليمية تقليدية أو رسمية. بل على العكس من ذلك، فلقد أدى استحكام تسييس مناهج المؤسسات التقليدية وتفريغها من أي مضمون ذي قيمة فيما يتعلق بالعلوم الشرعية الأصلية، بحجة الدعوة إلى التسامح ونبذ العنف ومقاومة التطرف، أدت تلك الإجراءات إلى انقطاع الصلة بين طلاب العلوم الشرعية ومؤسساتهم، وفقدانهم للثقة فيما تقدمه من معلومات ومعارف مسيسسة سلفاً، مما أدى بهم إلى البحث عما يروي غليلهم وظمأهم المعرفي فيما بين أيدي شيوخ الفكر المتطرف والمتشدد ممن استبعدتهم الأنظمة العربية والإسلامية أساساً عن منابر مؤسساتها وجامعاتها.
إن ما تقوم به الإدارة الأمريكية، وتعينها فيه أنظمتنا السياسية وثلة من مثقفي السلطة من طرح لضرورة تعديل المناهج الدينية أو دمجها في مقررات وعظية وأخلاقية أخرى، وحتى الدعوات الصريحة لإلغاء تلك المقررات، وإعادة قراءة آيات الجهاد ومفردات مقاومة العدوان للغازي والمحتل من منطلق تاريخي سوسيولوجي يعتمد أدوات معرفية حديثة، تخصب فهمنا للقرآن بالمناهج والأدوات الغربية، وبغض النظر عن الفوارق المعرفية والملابسات الجوهرية بين الأديان، إن هذه الممارسات التي يتغاضى عنها أولوا الأمر في مجتمعاتنا تحت ضغوط أو لمآرب شتى، لن يمنع من تسميهم أمريكا laquo;بالإرهابيينraquo; من التزود المعرفي بكل ما يدعو إلى إبادة laquo;الآخرraquo; وإفنائه؛ بذريعة عدم توافقه مع رؤاهم، وهو المنهج ذاته الذي تعتمده الإدارة الأمريكية مع خصومها، فهي لا تقل في ذلك عنهم تطرفاً وعنفاً.
ونحن إذ ندعو إلى اضطلاع مؤسسات التعليم الديني لدينا بإصلاح مناهجنا التعليمية، والتي مضى على بعضها في بعض الجامعات ما يربو على ربع قرن من الزمان، فضلاً عن خروج بعض فصولها عن حركة التاريخ بتدريسها لتاريخ شعوب إسلامية بأرقام فلكية أكل الدهر عليها وشرب. إن تلك الدعوى يجب أن تكون مبرأة عن الاستغلال السياسي الرخيص والمجير لحساب جهات أخرى لا تريد إلا المنفعة لها وحدها، في الوقت الذي يجب أن يتم التأكيد فيه على العناصر الثابتة والجوهرية في تلك المناهج، والتي يسعى الغرب حالياً لتذويبها وإقصائها ومحوها من ذاكرة وكتب ناشئتنا من قبيل آيات الجهاد ومقاومة الغازي والمحتل، وعدم جواز التعامل أو التطبيع معه، فقضية المناهج التعليمية ليست شأناً داخلياً بسيطاً يمكن التفاوض حوله أو التنازل عن بعض عناصره إرضاء لتسلط بعض الدول الكبرى، أو إرواء لشهوة الاستبداد بالحكم من قبل الأنظمة العربية، إنما هي مسألة هوية ثقافية حضارية يراد القضاء عليها وتذويبها، أو على الأقل تهميشها وإضعافها.
وإذا كان الغرب مؤخراً قد استوعب الدروس والخبرات laquo;المجانيةraquo; التي قدمتها بعض الأنظمة العربية في مجال مواجهة laquo;الإرهابraquo; ومكافحته، فإن تركيز الإدارة الأمريكية على الجانب الفكري في حربها المزعومة على quot;الإرهابquot;، قد شطح بها إلى حدود رد المعروف إلى تلك الأنظمة والتدخل في مجال من أهم مجالات ما يعد من مفهوم السيادة الوطنية، وهو مجال التعليم ومناهجه.
ولما كانت المناهج التعليمية مظهراً من المظاهر المعبرة عن السيادة والشخصية القومية للبلد أو الأمة، والنسغ المعرفي المستقى من تجارب وخبرات الشعوب والأمم والذي يقدم لناشئتها، بغية الحفاظ على هويتها الحضارية والاجتماعية، فإن الاتهامات التي ساقها الغرب ومن ورائه الولايات المتحدة لمناهجنا التعليمية، وبالذات الدينية منها، ومطالبتها laquo;بتعديلraquo; تلك المناهج وlaquo;تطويرهاraquo; بغية القضاء على laquo;منابع الإرهابraquo; وتجفيفها، إن تلك الاتهامات وما تلاها من المطالبات يكمن خطرها حال الاستجابة لها والرضوخ إليها، وهو الأمر المتحقق حتى الآن، في كونها سبيلاً إلى العبث بمقومات الشخصية المتفردة للأمة، وضرباً لأهم عناصر هويتها الحضارية، والذي يعدّ الدين الإسلامي أهم عناصره ومكوناته على الإطلاق.
لسنا ندعي في هذا السياق عصمة مناهجنا التعليمية في مؤسسات التعليم الديني وترفعها على النقد وإعادة النظر، فالدعوة إلى إصلاح مناهج التعليم كانت لصيقة بالدعوة إلى النهضة والإصلاح والتي حمل لواءها في كل بلد علم من الأعلام المعروفين من أمثال (محمد عبده) في مصر، و(محمد الطاهر بن عاشور) في تونس. ولا تزال الدعوات إلى إصلاح تلك المناهج وتعديلها وتطويرها بما لا يتعارض أو يتصادم مع ثوابتنا ومبادئنا وقيمنا قائمة ومستمرة. بيد أن الرغبة الأمريكية المحمومة في هذا الصدد والمسلطة على تلك المناهج، وممارستها لشتى أنواع الضغوط على الأنظمة العربية بغية تحقيق ذلك، وبعبارة أخرى: إن تسييس الخطوات اللازمة لإصلاح مناهجنا التعليمية، والدينية منها بالذات، لم ولن يؤثر على بنية laquo;العنفraquo; وlaquo;التطرفraquo; التي يتسلح بها من تطاردهم الولايات المتحدة من أفغانستان إلى العراق إلى غيرها من البلدان الإسلامية.
فمن الطريف في هذا الصدد التباس الرؤية والموقف الأمريكيين تجاه مؤسسات التعليم الديني التقليدية، ففي الوقت الذي تعتبرها مصدراً لتفريخ الإرهابيين وتلقينهم ثقافة العنف والتطرف تجاه الآخر، فإن المطالع لأسماء من تعتبرهم الولايات المتحدة قادة الفكر الإرهابي ورموزاً له، سوف يجد ابتعاد هؤلاء عن تلقي العلوم الشرعية في أي جامعة أو مؤسسة تعليمية تقليدية أو رسمية. بل على العكس من ذلك، فلقد أدى استحكام تسييس مناهج المؤسسات التقليدية وتفريغها من أي مضمون ذي قيمة فيما يتعلق بالعلوم الشرعية الأصلية، بحجة الدعوة إلى التسامح ونبذ العنف ومقاومة التطرف، أدت تلك الإجراءات إلى انقطاع الصلة بين طلاب العلوم الشرعية ومؤسساتهم، وفقدانهم للثقة فيما تقدمه من معلومات ومعارف مسيسسة سلفاً، مما أدى بهم إلى البحث عما يروي غليلهم وظمأهم المعرفي فيما بين أيدي شيوخ الفكر المتطرف والمتشدد ممن استبعدتهم الأنظمة العربية والإسلامية أساساً عن منابر مؤسساتها وجامعاتها.
إن ما تقوم به الإدارة الأمريكية، وتعينها فيه أنظمتنا السياسية وثلة من مثقفي السلطة من طرح لضرورة تعديل المناهج الدينية أو دمجها في مقررات وعظية وأخلاقية أخرى، وحتى الدعوات الصريحة لإلغاء تلك المقررات، وإعادة قراءة آيات الجهاد ومفردات مقاومة العدوان للغازي والمحتل من منطلق تاريخي سوسيولوجي يعتمد أدوات معرفية حديثة، تخصب فهمنا للقرآن بالمناهج والأدوات الغربية، وبغض النظر عن الفوارق المعرفية والملابسات الجوهرية بين الأديان، إن هذه الممارسات التي يتغاضى عنها أولوا الأمر في مجتمعاتنا تحت ضغوط أو لمآرب شتى، لن يمنع من تسميهم أمريكا laquo;بالإرهابيينraquo; من التزود المعرفي بكل ما يدعو إلى إبادة laquo;الآخرraquo; وإفنائه؛ بذريعة عدم توافقه مع رؤاهم، وهو المنهج ذاته الذي تعتمده الإدارة الأمريكية مع خصومها، فهي لا تقل في ذلك عنهم تطرفاً وعنفاً.
ونحن إذ ندعو إلى اضطلاع مؤسسات التعليم الديني لدينا بإصلاح مناهجنا التعليمية، والتي مضى على بعضها في بعض الجامعات ما يربو على ربع قرن من الزمان، فضلاً عن خروج بعض فصولها عن حركة التاريخ بتدريسها لتاريخ شعوب إسلامية بأرقام فلكية أكل الدهر عليها وشرب. إن تلك الدعوى يجب أن تكون مبرأة عن الاستغلال السياسي الرخيص والمجير لحساب جهات أخرى لا تريد إلا المنفعة لها وحدها، في الوقت الذي يجب أن يتم التأكيد فيه على العناصر الثابتة والجوهرية في تلك المناهج، والتي يسعى الغرب حالياً لتذويبها وإقصائها ومحوها من ذاكرة وكتب ناشئتنا من قبيل آيات الجهاد ومقاومة الغازي والمحتل، وعدم جواز التعامل أو التطبيع معه، فقضية المناهج التعليمية ليست شأناً داخلياً بسيطاً يمكن التفاوض حوله أو التنازل عن بعض عناصره إرضاء لتسلط بعض الدول الكبرى، أو إرواء لشهوة الاستبداد بالحكم من قبل الأنظمة العربية، إنما هي مسألة هوية ثقافية حضارية يراد القضاء عليها وتذويبها، أو على الأقل تهميشها وإضعافها.
كاتب وباحث فلسطيني
[email protected]
[email protected]
التعليقات