نوان الكتاب: الفصام في الفكر العربي المعاصر. المؤلف: د. غريغوار مرشو. الناشر: دار الفكر، دمشق، ط1، 2008م. عدد الصفحات: 352. |
يعدّ الفصام مرضاً نفسياً خطيراً يصيب الإنسان نتيجة تراكم لضغوطات نفسية ومعنوية وحياتية، تجعل الشخص المصاب تائهاً، يعيش بشخصيتين ولا هوية له، فماذا يحدث لو أصاب الفصام الفكر الإنساني؟ ولماذا أصيب الفكر العربي المعاصر بهذا المرض؟ وكيف احتدمت أزمة الهوية في غياب المرجعية القومية وفي ظل تأسيس أحزاب متطرفة؟.
يتناول هذا الكتاب بالمعالجة والتحليل مشكلات الفصام الفكري والثقافي الذي ألمّ بالوطن العربي، والآثار المادية والمعنوية المترتبة على ذلك في العصر الراهن، وانقسامه إلى معسكرين متناحرين، حداثي وسلفي. و ينطلق الكتاب من مقاربته لمفهوم الفصام في الفكر العربي وتفاقمه في فترة quot;تمفصل الاتصال الثقافي ما بين الجماعات والمجتمعات، على آليات مؤدية إلى انمحاء الثقافة المحلية لحساب الثقافة المسيطرةquot;، وانتهاء إلى نفي الاختلاف ورفض الاستقلال للثقافة المسيطر عليها، وإدانتها من أجل احتوائها وإلحاقها بعلاقة سيد/عبد. خاصة عندما ارتبط هذا الانمساخ، تحت تأثير عمليات الاستبطان، بدونية العبد أمام غلبة السيد عن طريق تبخيس الذات ونكرانها.
يركز الكتاب على رصد مظاهر هيمنة النظام الغربي على الشعوب الأخرى وبخاصة على الإمبراطورية العثمانية بحجة تحديثها وتطويرها، وانتقال هذه الآليات التحديثية للوطن العربي. ثم يتساءل عن جملة الإجراءات وإعادة إنتاج مفاهيم الحداثة الغربية للتكيف مع الواقع الجديد. ويحاول بيان الإجراءات التي اتخذتها النخب المثقفة المحلية من أجل الإصلاح من خلال تقديم لمحة تحليلية عن كيفية صناعة الغرب لصورته وتشويه صورة الآخر الخارج عن قارته. ويسلط المؤلف الضوء على ثلاثة محاور أساسية: سوريا ولبنان ومصر، بوصفها نقاط استقطاب لحراك الفكر الثقافي في المنطقة. بغية الكشف عن مدى انسجام أو تعارض هذا الفكر مع واقعنا بمشكلاته وتناقضاته.
ويحاول المؤلف بعد ذلك استنطاق quot;إشكاليات الفصام وآثارها المادية على المجتمع، بفعل انشطار المجتمع العربي إلى معسكرين متناحرين ومتنافرينquot;، وذلك من أجل quot;إعادة الدور الخلاق للعقل ودعوة المجتمعات المهمشة في الأطراف إلى الانعتاق من دورها الاستهلاكي السالب على الصعيد الثقافي والحضاريquot;. الأمر يفضي بالمؤلف إلى تسليط الضوء على إشكالية الفصام الفكري وتداعياته المادية من خلال الخطابات الحداثوية المختلفة المطروحة: علمانية، إصلاحية إسلامية، قومية، ماركسية. والتي ظلت أسيرة هذه الإشكالية وبقيت مطبوعة بعمق بهذا الفصام الشهير الذي حكم ولا يزال يحكم الخطابات المتعددة التلاوين ويتحكم بأفعالها. مستخلصاً بعض الأفكار المستمدة من النقل الميكانيكي للحداثة الوافدة، كون الاتصال بالآخر لم يكن قائماً على التفاعل الثقافي بقدر ما كان قائماً على آليات التلقي والانفعال والاستهلاك.
ويشير المؤلف إلى استمرار المثقفين في quot;تبخيس الثقافة المحلية، باسم كونية الثقافة اليونانية وأولوية العقل على الإيمان، ثم التبشير بالإقليمية في المجال الأدبي وتشويه النصوص القرآنية، وزرع التفرقة العرقية، وفصل الأدب عن المجتمع، أو وصم اللغة العربية بالركود لصالح اللغات الغربية على أساس أنها المصدر الوحيد للإبداعquot;. انطلاقاً من منظورات انتقائية أو اجتزائية أو توفيقية تلفيقية.
ويؤكد الكتاب على حمل هذا الفصام الفكري في طياته بذور تدمير بنى النظام القديم. إذ جاءت القيم الجديدة لتزعزع وجود النظام السابق وشروطه ونظم إنتاجه دون أن تنتج تغيراً متوائماً على مستوى العلاقات الاجتماعية، ودون أن تنجب ميداناً مناسباً للخلق والإبداع المحليين، فضلاً عن غياب العدالة والحرية. متوقعاً استمرار هذا الفصام ببقاء شبكة قنوات النقل الثقافي الحديث، واحتدام أزمة الهوية في غياب المرجعية القومية وفي ظل تأسيس أحزاب متطرفة، فوجدت الدول أنه لا مناص من الحزب الواحد بحجة استعادة الهوية والوحدة وتبنت النظام الاشتراكي بديلاً. داعياً إلى قيام المجتمعات بدورها الإيجابي الحضاري لحساب نظام فكري جديد مُبدع.
ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى تحليل مفردات خطاب النهضة العربية الذي أصيب اقتدى بالتغريب التركي العلماني من خلال اللجوء إلى التحديث العسكري والديني حرقاً للمراحل. فأدت النهضة القاصرة والمستلبة إلى نتائج كارثية وظهور مقاومات عربية تطالب بالرجوع إلى الأصل للحفاظ على الأمة تحت شعار السلفية. كما أفضى إصرار النخب على إنتاج مفاهيم حداثية متكيفة مع الغرب لا مع الواقع العربي إلى تبرير النظم الاستبدادية، إذ عملت تلك النخب الثقافية على إضفاء الشرعية على النظام القائم مع رفاعة الطهطاوي، إمام النهضة المستتبعة، ثم لحق به كل من طه حسين وقاسم أمين وخير الدين التونسي وغيرهم.
وكان هاجس هؤلاء quot;النهضويينquot; من وجهة نظر المؤلف، تبخيس الثقافة العربية واحتقارها عن طريق اللجوء إلى الأدب ما قبل الإسلامي بغية تأويله كي يتناسب مع المدلولات والحمولات الغربية، فضلاً إلى تقديس الترجمة. وحاولت مجموعة من النخب الحداثية، سلامة موسى ورزق الله حسون وجرجي زيدان وإبراهيم اليازجي وأحمد فارس الشدياق، quot;شطب فكرة الدين المتعالي، مقابل الهيام بدور العلم وتمجيده، وخاضت في نظريات الوضعية والتطورية والفرويديةquot;. وقد أدى ذلك إلى quot;شرعنة التوسع الاستعماري لإنقاذ سكان الشرق من استبدادهم، وإلى تصنيف العالم تصنيفاً مانوياًquot;.
ويخلص الكتاب إلى أن الفصام الفكري النهضوي، بتياراته المتعددة (القومية والإسلامية والماركسية)، قد أفضى إلى حدوث laquo;متاهة الوعيraquo;، quot;نظراً لعدم بحثهم في العوامل الاجتماعية التاريخية الاقتصادية السياسية الضرورية لاستنهاض الأمةquot;، واقتصار بحثهم على مادية نجاحها وكلية حضورها وقوتها في الخارج. مستعينين في خضم ذلك بوصفات إيديولوجية وافدة من أجل إعادة تكوين هويات تتناسب مع الدول المصطنعة تحت الاحتلال.
بيد أن المؤلف يبدي استغرابه من استمرار تلك الحال مع نشوء الدولة العربية الحديثة، إذ quot;جرى القضاء على أشكال التضامن الأهلي القديم لصالح الدولة التسلطية والشمولية، وتم تدمير مفهوم الجماعة الإسلامية، وغدت الدولة منبع الوعي الوطني الوضعي والعدالةquot;، فيما حمّل الشعب مسؤولية تخلفه وجميع المصائب والهزائم والنكبات، واعتبر المعرقل الرئيسي لمسيرة الحضارة والتقدم والتوجه نحو الحداثة بمفهومها الغربي.
ويبقى الكتاب، على الرغم من قسوة الأحكام التي أطلقها على عدد من رواد النهضة ومفكريها، دراسة تتسم بقدر كبير من الأهمية والجدية في تناول قضايا النهضة ومقولاتها، وتحليل أسباب تعثر الدائم عن تحقيق شرط النهوض بواقع أمة لا تزال في سياق مناقشة مدى أهمية النهوض في عصر لم يعد ينتظر المترددين.
يتناول هذا الكتاب بالمعالجة والتحليل مشكلات الفصام الفكري والثقافي الذي ألمّ بالوطن العربي، والآثار المادية والمعنوية المترتبة على ذلك في العصر الراهن، وانقسامه إلى معسكرين متناحرين، حداثي وسلفي. و ينطلق الكتاب من مقاربته لمفهوم الفصام في الفكر العربي وتفاقمه في فترة quot;تمفصل الاتصال الثقافي ما بين الجماعات والمجتمعات، على آليات مؤدية إلى انمحاء الثقافة المحلية لحساب الثقافة المسيطرةquot;، وانتهاء إلى نفي الاختلاف ورفض الاستقلال للثقافة المسيطر عليها، وإدانتها من أجل احتوائها وإلحاقها بعلاقة سيد/عبد. خاصة عندما ارتبط هذا الانمساخ، تحت تأثير عمليات الاستبطان، بدونية العبد أمام غلبة السيد عن طريق تبخيس الذات ونكرانها.
يركز الكتاب على رصد مظاهر هيمنة النظام الغربي على الشعوب الأخرى وبخاصة على الإمبراطورية العثمانية بحجة تحديثها وتطويرها، وانتقال هذه الآليات التحديثية للوطن العربي. ثم يتساءل عن جملة الإجراءات وإعادة إنتاج مفاهيم الحداثة الغربية للتكيف مع الواقع الجديد. ويحاول بيان الإجراءات التي اتخذتها النخب المثقفة المحلية من أجل الإصلاح من خلال تقديم لمحة تحليلية عن كيفية صناعة الغرب لصورته وتشويه صورة الآخر الخارج عن قارته. ويسلط المؤلف الضوء على ثلاثة محاور أساسية: سوريا ولبنان ومصر، بوصفها نقاط استقطاب لحراك الفكر الثقافي في المنطقة. بغية الكشف عن مدى انسجام أو تعارض هذا الفكر مع واقعنا بمشكلاته وتناقضاته.
ويحاول المؤلف بعد ذلك استنطاق quot;إشكاليات الفصام وآثارها المادية على المجتمع، بفعل انشطار المجتمع العربي إلى معسكرين متناحرين ومتنافرينquot;، وذلك من أجل quot;إعادة الدور الخلاق للعقل ودعوة المجتمعات المهمشة في الأطراف إلى الانعتاق من دورها الاستهلاكي السالب على الصعيد الثقافي والحضاريquot;. الأمر يفضي بالمؤلف إلى تسليط الضوء على إشكالية الفصام الفكري وتداعياته المادية من خلال الخطابات الحداثوية المختلفة المطروحة: علمانية، إصلاحية إسلامية، قومية، ماركسية. والتي ظلت أسيرة هذه الإشكالية وبقيت مطبوعة بعمق بهذا الفصام الشهير الذي حكم ولا يزال يحكم الخطابات المتعددة التلاوين ويتحكم بأفعالها. مستخلصاً بعض الأفكار المستمدة من النقل الميكانيكي للحداثة الوافدة، كون الاتصال بالآخر لم يكن قائماً على التفاعل الثقافي بقدر ما كان قائماً على آليات التلقي والانفعال والاستهلاك.
ويشير المؤلف إلى استمرار المثقفين في quot;تبخيس الثقافة المحلية، باسم كونية الثقافة اليونانية وأولوية العقل على الإيمان، ثم التبشير بالإقليمية في المجال الأدبي وتشويه النصوص القرآنية، وزرع التفرقة العرقية، وفصل الأدب عن المجتمع، أو وصم اللغة العربية بالركود لصالح اللغات الغربية على أساس أنها المصدر الوحيد للإبداعquot;. انطلاقاً من منظورات انتقائية أو اجتزائية أو توفيقية تلفيقية.
ويؤكد الكتاب على حمل هذا الفصام الفكري في طياته بذور تدمير بنى النظام القديم. إذ جاءت القيم الجديدة لتزعزع وجود النظام السابق وشروطه ونظم إنتاجه دون أن تنتج تغيراً متوائماً على مستوى العلاقات الاجتماعية، ودون أن تنجب ميداناً مناسباً للخلق والإبداع المحليين، فضلاً عن غياب العدالة والحرية. متوقعاً استمرار هذا الفصام ببقاء شبكة قنوات النقل الثقافي الحديث، واحتدام أزمة الهوية في غياب المرجعية القومية وفي ظل تأسيس أحزاب متطرفة، فوجدت الدول أنه لا مناص من الحزب الواحد بحجة استعادة الهوية والوحدة وتبنت النظام الاشتراكي بديلاً. داعياً إلى قيام المجتمعات بدورها الإيجابي الحضاري لحساب نظام فكري جديد مُبدع.
ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى تحليل مفردات خطاب النهضة العربية الذي أصيب اقتدى بالتغريب التركي العلماني من خلال اللجوء إلى التحديث العسكري والديني حرقاً للمراحل. فأدت النهضة القاصرة والمستلبة إلى نتائج كارثية وظهور مقاومات عربية تطالب بالرجوع إلى الأصل للحفاظ على الأمة تحت شعار السلفية. كما أفضى إصرار النخب على إنتاج مفاهيم حداثية متكيفة مع الغرب لا مع الواقع العربي إلى تبرير النظم الاستبدادية، إذ عملت تلك النخب الثقافية على إضفاء الشرعية على النظام القائم مع رفاعة الطهطاوي، إمام النهضة المستتبعة، ثم لحق به كل من طه حسين وقاسم أمين وخير الدين التونسي وغيرهم.
وكان هاجس هؤلاء quot;النهضويينquot; من وجهة نظر المؤلف، تبخيس الثقافة العربية واحتقارها عن طريق اللجوء إلى الأدب ما قبل الإسلامي بغية تأويله كي يتناسب مع المدلولات والحمولات الغربية، فضلاً إلى تقديس الترجمة. وحاولت مجموعة من النخب الحداثية، سلامة موسى ورزق الله حسون وجرجي زيدان وإبراهيم اليازجي وأحمد فارس الشدياق، quot;شطب فكرة الدين المتعالي، مقابل الهيام بدور العلم وتمجيده، وخاضت في نظريات الوضعية والتطورية والفرويديةquot;. وقد أدى ذلك إلى quot;شرعنة التوسع الاستعماري لإنقاذ سكان الشرق من استبدادهم، وإلى تصنيف العالم تصنيفاً مانوياًquot;.
ويخلص الكتاب إلى أن الفصام الفكري النهضوي، بتياراته المتعددة (القومية والإسلامية والماركسية)، قد أفضى إلى حدوث laquo;متاهة الوعيraquo;، quot;نظراً لعدم بحثهم في العوامل الاجتماعية التاريخية الاقتصادية السياسية الضرورية لاستنهاض الأمةquot;، واقتصار بحثهم على مادية نجاحها وكلية حضورها وقوتها في الخارج. مستعينين في خضم ذلك بوصفات إيديولوجية وافدة من أجل إعادة تكوين هويات تتناسب مع الدول المصطنعة تحت الاحتلال.
بيد أن المؤلف يبدي استغرابه من استمرار تلك الحال مع نشوء الدولة العربية الحديثة، إذ quot;جرى القضاء على أشكال التضامن الأهلي القديم لصالح الدولة التسلطية والشمولية، وتم تدمير مفهوم الجماعة الإسلامية، وغدت الدولة منبع الوعي الوطني الوضعي والعدالةquot;، فيما حمّل الشعب مسؤولية تخلفه وجميع المصائب والهزائم والنكبات، واعتبر المعرقل الرئيسي لمسيرة الحضارة والتقدم والتوجه نحو الحداثة بمفهومها الغربي.
ويبقى الكتاب، على الرغم من قسوة الأحكام التي أطلقها على عدد من رواد النهضة ومفكريها، دراسة تتسم بقدر كبير من الأهمية والجدية في تناول قضايا النهضة ومقولاتها، وتحليل أسباب تعثر الدائم عن تحقيق شرط النهوض بواقع أمة لا تزال في سياق مناقشة مدى أهمية النهوض في عصر لم يعد ينتظر المترددين.
التعليقات