لئن شكل انهيار منظومة الخلافة السياسية عام 1924م على يد رجالات العلمانية التركية laquo;صدمةraquo; قاسية لفكر الأمة ووجدانها، فإنها سرعان ما تعاملت مع الحدث بوصفه quot;تحدياًquot; حقيقياً مفروضاً على نخبها، فشرعت في اجتراح الحلول والاستجابات المتناسبة مع هول الحدث ومفصليته على المستوى التاريخي والسياسي والاجتماعي.
لقد اضطرت الأمة، لأول مرة في تاريخها، لمواجهة حقيقة تحول laquo;الإسلامraquo; بوصفه عقيدة هذه الأمة ونسغها الحضاري، من مستوى القطعيات واللا مفكر فيه على صعيد الاعتراف بسيادته حاكميته لمختلف جوانب النشاط البشري إلى الزج به في قفص الاتهام، وتحميله مسؤولية ما آلت إليه الأمة من تقهقر وتراجع حضاري، وعده في أحسن الأحوال، مجرد quot;مكونquot; من مكونات الهوية الحضارية للأمة، أو quot;عاملquot; من جملة العوامل التي laquo;قدraquo; يتبناها رواد النهضة في تحضير مجتمعاتهم.
فالسعي إلى إيجاد نظام سياسي بديل يحقق الحد الأدنى من طموحات الأمة في التوحد والحفاظ على السيادة والحاكمية لشريعة الإسلام إثر انهيار الخلافة، يعدّ السبب المباشر والأساسي لنشأة التيارات والحركات الإسلامية السياسية، أو ما أصبح يعرف بـ laquo;تيارات الإسلام السياسيraquo;. وفي الوقت الذي كانت فيه ممارسة السياسة وشؤونها وتدابيرها أمراً دينياً ودنيوياً في الوقت نفسه، لا يشعر حياله المباشر لتلك الفعاليات بغربة الافتراق في المجال أو اغترابه، أصبحت الممارسة السياسية والأسبقيات الفكرية المشكلة لها شأناً منفصلاً عن (الدين) وشؤونه، وتم تدشين مرحلة جديدة تفارق فيها نخب الأمة الفكرية والثقافية، في معظمها، جمهور أبناء الأمة على صعيد الاتفاق على المرجعية العليا للأمة ومستقبلها، مما شكل المسوغ الموضوعي لسعي حركات الإسلام السياسي إلى استعادة الدور السيادي والمرجعي للإسلام في الحياة السياسية.
ليس المقصود هنا بيان الأهداف والمنطلقات السياسية لتلك الجماعات والتيارات والحركات السياسية الإسلامية، ولا الدفاع عنها، ولا حتى ممارسة النقد لمدى اقترابها أو ابتعادها في ممارستها السياسية من الالتزام بالغايات الأساسية لإنشائها، ولكن المراد هو مقاربة الإجابة على سؤال إشكالي يسبر تاريخ تلك التيارات والحركات وممارساتها، ويتساءل عن الأسباب الكامنة وراء laquo;فشلهاraquo; في إنجاز ما نهضت لتحقيقه وحاولت تقديم الإجابة عنه، وهو استعادة وحدة الأمة في صورة أي شكل من أشكال الوحدة أو التضامن السياسي.
ربما يعتذر لتلك الحركات والأحزاب السياسية ذات التوجه الإسلامي بسطوة العامل الخارجي وضغوطاته المتمثلة ابتداء بالاستعمار الحديث، واستنزاف طاقات الأمة، وتالياً بوقوع معظم تلك البلدان بعد استقلالها تحت هيمنة أنظمة علمانية لم تقل ضراوة عن صانعها الغربي في محاربة طموحاتها من أجل استعادة الوحدة السياسية للأمة. بيد أن الخلل الذي شاب ممارسات الحركة الإسلامية على المستوى السياسي يتجسد في انسياقها حتى النهاية في اللعبة السياسية وفق ما يقرره laquo;الآخرraquo; من شروط وقوانين، والتزامها لموقف رد الفعل في معظم سلوكاتها وممارساتها، مما أفضى إلى ارتباك أدائها السياسي وفشلها عملياً في تحقيق غاياتها ومآربها.
وتراوح رد فعل الحركة الإسلامية بشكل عام بين الانقياد لشروط الفخ القطري وإملاءاته الضيقة، في ظل رؤية مصلحية وآنية ضيقة ومحدودة، وبين التضحية بمفاهيم الواقعية والممارسة العملية للسياسة لصالح المناداة بأممية سياسية تتجاوز قطرية الحدود واصطناعها لجهة استفزاز جميع قوى الأمة واستثمارها من أجل تحقيق عالمية الدعوة وشموليتها، مع التخلي عن واقعية إنجاز وحدة سياسية واضحة المعالم تدريجياً وبشكل جزئي متتابع، بحيث يشكل دعماً عملياً للمشروع النهضوي والسياسي للأمة.
فالحركات الإسلامية، وبالذات في الأقطار العربية، لم تلبث أن تشكلت حتى تناسلت في جميع البلدان العربية والإسلامية، ثم تطبعت بالظروف القطرية لكل بلد، وجعلت laquo;تحورraquo; من أهدافها ومبادئها حتى تتلاءم مع المناخ السياسي العام لكل قطر، إلى أن وصل بها الحد إلى أن تنسى الغاية الأساسية من وجودها ونشوئها، وتتكيف مع المزاج السياسي العام، مطالبة بمغانم وأهداف سياسية جزئية، شأنها في ذلك شأن بقية التيارات والحركات السياسية الأخرى، دون أن تغفل عن استثمار رصيدها لدى الشارع عندما يقتضي الأمر بطرح شعارات التأسيس والرؤية السياسية والتي يتم، في الغالب، تغييبها لصالح الأهداف السياسية المرحلية والجزئية ضمن كل قطر.
وبالمقابل، ومع توالي الإخفاق السياسي وتراكم العجز عن إنجاز المنطلقات والغايات السياسية المطروحة من قبل كل من الحركة الإسلامية، والنظام الرسمي العربي، وبقية التيارات السياسية، دفعت تلك الحال جزءاً صغيراً نسبياً من جسم الحركة الإسلامية إلى تبني خيار laquo;الأمميةraquo; في نزعة متعالية على شروط الواقع الموضوعية، وأضحى همّ تلك الحركات والتيارات laquo;المتشددةraquo; في معظمها، والمتبنية لخيار العنف أو المكرهة على اختياره، تحقيق laquo;عالمية الإسلامraquo; وإنجاز laquo;توحيد العالمraquo;، فيما ينهش الاقتسام والتجزئة والاقتتال جسد الأمة، ويفتّ من عضدها توالي الشروخ والتحزبات السياسية بين أبنائها. وكأن محاولة هذه الفئة بمثابة هروب من الواقع باتجاه المستقبل، وحل لمشاكله بالتغاضي عنها.
وفي ظني، أن حالة الاستقطاب التي تنازعت الحركة الإسلامية على الصعيد السياسي بين laquo;نزعة قطريةraquo; تنحصر مآربها في مقعد في برلمان، أو حق في الترشيح أو التصويت، أو اعتراف بحقها في التمثيل والممارسة السياسية، وبين laquo;نزعة أمميةraquo; تروم نشر دعوة الإسلام وتوحيده تحت رايته ولو بالإكراه وممارسة العنف الفكري والسياسي والعسكري، إن حالة الاستقطاب هذه تحتاج إلى تحقيق مراجعة نقدية للتصور السياسي ومفردات الممارسة السياسية.
وهو ما يتطلب، بالإضافة إلى ما تقدم، مراجعات سياسية نظرية، تفعّل عملياً من خلال laquo;التواطؤraquo; على قدر مشترك من الأهداف الكلية بين تيارات الإسلام السياسي، والتي تأتي في مقدمتها التوافق على إستراتيجية نصرة القضية الفلسطينية ودعمها، بما تمثله من تحد عملي آني يفضي إلى تصحيح مسار الحركة الإسلامية وتعديله، ويعيد الأمور إلى نصابها، ففلسطين لا تزال تشكل بالنسبة للجميع الجرح النازف. وبالقدر الذي تقترب فيه رؤى الحركات الإسلامية ومشروعها من (فلسطين)، وتتفاعل مع متطلبات تحريرها ومواجهة الاحتلال، بقدر ما تكتسب شرعية في نظر الجماهير، وتحقق ما عجزت عنه حتى الآن من الموازنة بين متطلبات الحيز المكاني القطرية وضغوطاتها، وبين أهدافها ومشروعها الكلي في النهوض بالأمة واستعادة سيادتها ووحدتها السياسية.
لقد اضطرت الأمة، لأول مرة في تاريخها، لمواجهة حقيقة تحول laquo;الإسلامraquo; بوصفه عقيدة هذه الأمة ونسغها الحضاري، من مستوى القطعيات واللا مفكر فيه على صعيد الاعتراف بسيادته حاكميته لمختلف جوانب النشاط البشري إلى الزج به في قفص الاتهام، وتحميله مسؤولية ما آلت إليه الأمة من تقهقر وتراجع حضاري، وعده في أحسن الأحوال، مجرد quot;مكونquot; من مكونات الهوية الحضارية للأمة، أو quot;عاملquot; من جملة العوامل التي laquo;قدraquo; يتبناها رواد النهضة في تحضير مجتمعاتهم.
فالسعي إلى إيجاد نظام سياسي بديل يحقق الحد الأدنى من طموحات الأمة في التوحد والحفاظ على السيادة والحاكمية لشريعة الإسلام إثر انهيار الخلافة، يعدّ السبب المباشر والأساسي لنشأة التيارات والحركات الإسلامية السياسية، أو ما أصبح يعرف بـ laquo;تيارات الإسلام السياسيraquo;. وفي الوقت الذي كانت فيه ممارسة السياسة وشؤونها وتدابيرها أمراً دينياً ودنيوياً في الوقت نفسه، لا يشعر حياله المباشر لتلك الفعاليات بغربة الافتراق في المجال أو اغترابه، أصبحت الممارسة السياسية والأسبقيات الفكرية المشكلة لها شأناً منفصلاً عن (الدين) وشؤونه، وتم تدشين مرحلة جديدة تفارق فيها نخب الأمة الفكرية والثقافية، في معظمها، جمهور أبناء الأمة على صعيد الاتفاق على المرجعية العليا للأمة ومستقبلها، مما شكل المسوغ الموضوعي لسعي حركات الإسلام السياسي إلى استعادة الدور السيادي والمرجعي للإسلام في الحياة السياسية.
ليس المقصود هنا بيان الأهداف والمنطلقات السياسية لتلك الجماعات والتيارات والحركات السياسية الإسلامية، ولا الدفاع عنها، ولا حتى ممارسة النقد لمدى اقترابها أو ابتعادها في ممارستها السياسية من الالتزام بالغايات الأساسية لإنشائها، ولكن المراد هو مقاربة الإجابة على سؤال إشكالي يسبر تاريخ تلك التيارات والحركات وممارساتها، ويتساءل عن الأسباب الكامنة وراء laquo;فشلهاraquo; في إنجاز ما نهضت لتحقيقه وحاولت تقديم الإجابة عنه، وهو استعادة وحدة الأمة في صورة أي شكل من أشكال الوحدة أو التضامن السياسي.
ربما يعتذر لتلك الحركات والأحزاب السياسية ذات التوجه الإسلامي بسطوة العامل الخارجي وضغوطاته المتمثلة ابتداء بالاستعمار الحديث، واستنزاف طاقات الأمة، وتالياً بوقوع معظم تلك البلدان بعد استقلالها تحت هيمنة أنظمة علمانية لم تقل ضراوة عن صانعها الغربي في محاربة طموحاتها من أجل استعادة الوحدة السياسية للأمة. بيد أن الخلل الذي شاب ممارسات الحركة الإسلامية على المستوى السياسي يتجسد في انسياقها حتى النهاية في اللعبة السياسية وفق ما يقرره laquo;الآخرraquo; من شروط وقوانين، والتزامها لموقف رد الفعل في معظم سلوكاتها وممارساتها، مما أفضى إلى ارتباك أدائها السياسي وفشلها عملياً في تحقيق غاياتها ومآربها.
وتراوح رد فعل الحركة الإسلامية بشكل عام بين الانقياد لشروط الفخ القطري وإملاءاته الضيقة، في ظل رؤية مصلحية وآنية ضيقة ومحدودة، وبين التضحية بمفاهيم الواقعية والممارسة العملية للسياسة لصالح المناداة بأممية سياسية تتجاوز قطرية الحدود واصطناعها لجهة استفزاز جميع قوى الأمة واستثمارها من أجل تحقيق عالمية الدعوة وشموليتها، مع التخلي عن واقعية إنجاز وحدة سياسية واضحة المعالم تدريجياً وبشكل جزئي متتابع، بحيث يشكل دعماً عملياً للمشروع النهضوي والسياسي للأمة.
فالحركات الإسلامية، وبالذات في الأقطار العربية، لم تلبث أن تشكلت حتى تناسلت في جميع البلدان العربية والإسلامية، ثم تطبعت بالظروف القطرية لكل بلد، وجعلت laquo;تحورraquo; من أهدافها ومبادئها حتى تتلاءم مع المناخ السياسي العام لكل قطر، إلى أن وصل بها الحد إلى أن تنسى الغاية الأساسية من وجودها ونشوئها، وتتكيف مع المزاج السياسي العام، مطالبة بمغانم وأهداف سياسية جزئية، شأنها في ذلك شأن بقية التيارات والحركات السياسية الأخرى، دون أن تغفل عن استثمار رصيدها لدى الشارع عندما يقتضي الأمر بطرح شعارات التأسيس والرؤية السياسية والتي يتم، في الغالب، تغييبها لصالح الأهداف السياسية المرحلية والجزئية ضمن كل قطر.
وبالمقابل، ومع توالي الإخفاق السياسي وتراكم العجز عن إنجاز المنطلقات والغايات السياسية المطروحة من قبل كل من الحركة الإسلامية، والنظام الرسمي العربي، وبقية التيارات السياسية، دفعت تلك الحال جزءاً صغيراً نسبياً من جسم الحركة الإسلامية إلى تبني خيار laquo;الأمميةraquo; في نزعة متعالية على شروط الواقع الموضوعية، وأضحى همّ تلك الحركات والتيارات laquo;المتشددةraquo; في معظمها، والمتبنية لخيار العنف أو المكرهة على اختياره، تحقيق laquo;عالمية الإسلامraquo; وإنجاز laquo;توحيد العالمraquo;، فيما ينهش الاقتسام والتجزئة والاقتتال جسد الأمة، ويفتّ من عضدها توالي الشروخ والتحزبات السياسية بين أبنائها. وكأن محاولة هذه الفئة بمثابة هروب من الواقع باتجاه المستقبل، وحل لمشاكله بالتغاضي عنها.
وفي ظني، أن حالة الاستقطاب التي تنازعت الحركة الإسلامية على الصعيد السياسي بين laquo;نزعة قطريةraquo; تنحصر مآربها في مقعد في برلمان، أو حق في الترشيح أو التصويت، أو اعتراف بحقها في التمثيل والممارسة السياسية، وبين laquo;نزعة أمميةraquo; تروم نشر دعوة الإسلام وتوحيده تحت رايته ولو بالإكراه وممارسة العنف الفكري والسياسي والعسكري، إن حالة الاستقطاب هذه تحتاج إلى تحقيق مراجعة نقدية للتصور السياسي ومفردات الممارسة السياسية.
وهو ما يتطلب، بالإضافة إلى ما تقدم، مراجعات سياسية نظرية، تفعّل عملياً من خلال laquo;التواطؤraquo; على قدر مشترك من الأهداف الكلية بين تيارات الإسلام السياسي، والتي تأتي في مقدمتها التوافق على إستراتيجية نصرة القضية الفلسطينية ودعمها، بما تمثله من تحد عملي آني يفضي إلى تصحيح مسار الحركة الإسلامية وتعديله، ويعيد الأمور إلى نصابها، ففلسطين لا تزال تشكل بالنسبة للجميع الجرح النازف. وبالقدر الذي تقترب فيه رؤى الحركات الإسلامية ومشروعها من (فلسطين)، وتتفاعل مع متطلبات تحريرها ومواجهة الاحتلال، بقدر ما تكتسب شرعية في نظر الجماهير، وتحقق ما عجزت عنه حتى الآن من الموازنة بين متطلبات الحيز المكاني القطرية وضغوطاتها، وبين أهدافها ومشروعها الكلي في النهوض بالأمة واستعادة سيادتها ووحدتها السياسية.
كاتب وباحث فلسطيني
[email protected]
[email protected]
التعليقات