عنوان الكتاب: صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس. المؤلف: الدكتور علي محمد الصلابي. الناشر: دار المعرفة، بيروت، طبعة أولى، 2008م. عدد الصفحات: 704. |
تندرج كتب الباحث الأكاديمي التاريخي (الدكتور علي محمد الصلابي) ضمن سياق مشروع فكري تاريخي يتعاون في إخراجه مع دار المعرفة البيروتية، ناشرة الكتاب. فقد سبق للمؤلف أن تناول العصور الإسلامية بالتأريخ والبحث (الدولة السلجوقية، الدولة الزنكية) مع تركيزه على دراسة شخصيات شهيرة في كل منهما، بما يمكن عده تفصيلاً للبنية التأسيسية لعصر صلاح الدين والدولة الأيوبية بوجه عام.
في مفتتح كتابه، يميز الدكتور الصلابي بين مفهومين مركزيين في الدراسات التاريخية هما قراءة التاريخ والوعي بالتاريخ. فإذا كانت (قراءة التاريخ) تسمح بمعرفة الوقائع والإلمام بأعمار السابقين وتصور ما جرى كما هو تاريخياً، فإن الوعي بالتاريخ هو توظيف ثمرة هذه القراءة في تغيير الواقع واستشراف المستقبل، وهو في تمييزه هذا إذ يشرعن للقراءة الذاتية والبراغماتية للتاريخ، وما قد تخلفه من نتائج وسلبيات على النظرة الموضوعية للتاريخ، إلا أن استلهام العبر والاتعاظ من دروس التاريخ كان ولا يزال هاجس الدارسين غير المختصين بالتاريخ، وبالذات السياسيين والاستراتيجيين منهم.
ثم ينتقل الدكتور الصلابي إلى إسقاط هذين المفهومين (قراءة التاريخ) و(الوعي بالتاريخ) في تناوله لتاريخ (صلاح الدين الأيوبي)، فيسرد لقارئ كتابه جميع الوقائع والحيثيات التاريخية التي جرت في عصر صلاح الدين الأيوبي، مركزاً في الوقت ذاته على أهمية قراءة هذه الوقائع قراءة نقدية إسقاطية بما يمكن من استلهامها وتمثلها والاستفادة من آثارها ودروسها، سيما أن ما جرى تاريخياً لا يزال يلقي بظلاله على واقعنا المعاش، ويتصل به شئنا ذلك أم أبينا، بحسب المؤلف.
ترتكز فكرة الكتاب على quot;صراع المشاريعquot;، فقد عرف عصر صلاح الدين الأيوبي (المولود سنة 532هـ والمتوفى سنة589هـ) صراع ثلاثة مشاريع، هي المشروع الصليبي وتدافع عنه أوروبا تحت شعار الحروب الصليبية، والمشروع السني وتحمل لواءه الدولة الأيوبية، والمشروع الشيعي وتمثله الدولة الفاطمية في مصر وشمال إفريقيا، مفيضاً في عرض تفاصيل كل مشروع ومميزاته وظروفه التاريخية ومقوماته وأدواته الاستراتيجية، وسمات العلاقة بين هذه المشاريع.
ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى عرض المشروع الصليبي بشكل تفصيلي، وهو المشروع الذي ما فتئ يحارب الدولة الإسلامية منذ أن نجح المسلمون في تحرير البلاد التي كان يسيطر عليها البيزنطيون أيام الدولة الراشدة. وقد كانت حالة الصراع هذه بين الطرفين محدودة في العصر الأموي، غير أن هذا المشروع تبلور في العصور اللاحقة بفعل أسباب دينية وسياسية واقتصادية، من وجهة نظر المؤلف، وحصول تبدل في ميزان القوى في حوض البحر المتوسط.
وقد تتبع المؤلف المشروع الصليبي قبل قيام الدولة الأيوبية عبر الحملات العسكرية التي كانت أولاها في العهد السلجوقي بعد خطبة البابا (أوربان الثاني) في كليرمونت/ فرنسا. وكانت الحملة الثانية بعد سقوط الرها في أيدي المسلمين. فيما لم يهمل المؤلف دور المجتمع الأهلي (الفقهاء والقضاة والتجار) في تغذية جذوة quot;الجهادquot; ضد الغزاة. مركزاً على شخصيات محورية في هذه الفترة مثل الأمير السلجوقي عماد الدين زنكي الذي ينسب إليه الفضل في استرجاع مدينة الرها من أيدي المشروع الصليبي.
ثم يعرض المؤلف ملامح المشروع الشيعي من خلال بحث جذور الشيعة الإسماعيلية والدولة الفاطمية، مبيناً غلوّهم في بعض أفكارهم ومعتقداتهم، وكيف استهدفت دعوتهم بداية ظهورها بالمغرب المذهب المالكي السني وإزالة آثاره. كما تعرض المؤلف لمقاومة المغاربة للمد الشيعي الفاطمي الذي ما لبث أن أسس أصحابه مدينة القاهرة وجعلوها عاصمتهم، ومحاولات الدولة السلجوقية التصدي للمشروع الفاطمي عبر أسلوبين: أحدهما عسكري من خلال القيام بحملات عسكرية تزعمها نور الدين الزنكي بنفسه، والآخر فكري كان من أبرز روادها الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله.
فيما يرد المؤلف تبلور المشروع السني والذي يعد صلاح الدين الأيوبي أحد أبرز رموزه، إلى الفترة التي تولى فيها هو نفسه الوزارة في مصر بعد وفاة عمه أسد الدين شيركوه. وقد بدأ صلاح الدين مشروعه بالتخطيط للقضاء على الدولة الفاطمية، ومهد لذلك بالتدرج في إلغاء الخطبة للخليفة الفاطمي وعزل قضاتهم وإبطال الأذان بصيغة (حي على خير العمل)، وساعده على ذلك مرض آخر ملوك الفاطميين (العاضد لدين الله) ولزومه الطويل لفراش المرض.
في الفصل الثاني من الكتاب، والمخصص للتعريف بصلاح الدين الأيوبي، يفيض المؤلف في التعريف بمولده ونشأته ونسبه وصفاته الخلقية والخلقية، والتعريف بالدولة الأيوبية ومرجعيتها الفكرية، وإنجازاتها الحضارية، وجهادها ونظامها العسكري، ومواقفها السياسية، وإحيائها للمذهب السني، ونشاطها التجاري والاقتصادي والصحي، والشخصيات الفكرية والعلمية الفاعلة في العصر الأيوبي، كالقاضي الفاضل والحافظ السلفي وأبو طاهر بن عوف الإسكندراني وعبد الله بن أبي عصرون والفقيه عيسى الهكاري وغيرهم.
ويرى المؤلف أن أهم عمل قام به صلاح الدين الأيوبي يتمثل في توحيد الجبهة الإسلامية والدفاع عن حوزتها بعد أن فرقتها الدويلات والأسر الحاكمة. وقد تم ذلك حين ضم صلاح الدين بلاد الشام إلى مصر، وخطب للخليفة العباسي ببغداد على منابر مساجد الدولة الأيوبية، وراسل سلطان الموحدين في المغرب وتبادل معه الهدايا والسفارات، وتصدى لمن يريد الوقوف أمام هذا المشروع quot;الوحدويquot; إن جاز لنا التعبير. كما عرف عن صلاح الدين كرمه وسماحته وحرصه الدؤوب على تأدية الشعائر الدينية، ومحاولته المستمرة كسب ودً الشعوب الإسلامية التي تقع تحت إمرته.
إلا أن الذاكرة الجمعية الشعبية لا تزال تربط اسم صلاح الدين بمعركة حطين واسترجاعه بيت المقدس من أيدي الصليبيين. وهو الأمر الذي مهد له صلاح الدين بالاستيلاء على طبرية حتى يمنع الصليبيين المتجمهرين في صفورية من المياه. وقد دارت المعركة صبيحة يوم السبت 24 ربيع الآخر 583هـ، الموافق 4 يوليو/تموز 1187م، مسجلة هزيمة الصليبيين وأسر عدد من ملوكهم وأمرائهم. وممهدة لاستسلام عسقلان وغزة والهجوم على إمارة بيت المقدس الصليبية.
وعكس ما حدث في حطين من أعمال عسكرية، كان دخول صلاح الدين للقدس بأمان بعد حصار دام 12 يوماً، وبعد مفاوضات تم بموجبها تسليم القدس لصلاح الدين يوم الجمعة 27 رجب 583هـ، الموافق 2 أكتوبر/تشرين الأول 1187م. وقد عامل صلاح الدين سكان القدس من غير المسلمين معاملة فريدة من نوعها ظلت كتب التاريخ تحفظها له وبالذات الغربية منها، وما إن توفي حتى بدأت المنازعات بين أبناء البيت الأيوبي، مؤذنة بتفتت الدولة الأيوبية وسقوطها بعد ذلك.
على الرغم من الطابع التبجيلي الذي ساد في بعض الأحيان جوانب من سيرة صلاح الدين الأيوبي في الكتاب، والنزعة البراغماتية، إلى حد ما، في تناول شخص واحد من أهم الشخصيات في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، إلا أن محاولة المؤلف نزع الأحداث التاريخية من سياقاتها المكانية والزمانية وإسقاطها واستلهامها والمراهنة على راهنيتها تبقى محاولة قد تختلف وجهات النظر في الحكم على مدى كفاءتها ونجاعتها، وعلى مدى صدقيتها وموضوعيتها.
في مفتتح كتابه، يميز الدكتور الصلابي بين مفهومين مركزيين في الدراسات التاريخية هما قراءة التاريخ والوعي بالتاريخ. فإذا كانت (قراءة التاريخ) تسمح بمعرفة الوقائع والإلمام بأعمار السابقين وتصور ما جرى كما هو تاريخياً، فإن الوعي بالتاريخ هو توظيف ثمرة هذه القراءة في تغيير الواقع واستشراف المستقبل، وهو في تمييزه هذا إذ يشرعن للقراءة الذاتية والبراغماتية للتاريخ، وما قد تخلفه من نتائج وسلبيات على النظرة الموضوعية للتاريخ، إلا أن استلهام العبر والاتعاظ من دروس التاريخ كان ولا يزال هاجس الدارسين غير المختصين بالتاريخ، وبالذات السياسيين والاستراتيجيين منهم.
ثم ينتقل الدكتور الصلابي إلى إسقاط هذين المفهومين (قراءة التاريخ) و(الوعي بالتاريخ) في تناوله لتاريخ (صلاح الدين الأيوبي)، فيسرد لقارئ كتابه جميع الوقائع والحيثيات التاريخية التي جرت في عصر صلاح الدين الأيوبي، مركزاً في الوقت ذاته على أهمية قراءة هذه الوقائع قراءة نقدية إسقاطية بما يمكن من استلهامها وتمثلها والاستفادة من آثارها ودروسها، سيما أن ما جرى تاريخياً لا يزال يلقي بظلاله على واقعنا المعاش، ويتصل به شئنا ذلك أم أبينا، بحسب المؤلف.
ترتكز فكرة الكتاب على quot;صراع المشاريعquot;، فقد عرف عصر صلاح الدين الأيوبي (المولود سنة 532هـ والمتوفى سنة589هـ) صراع ثلاثة مشاريع، هي المشروع الصليبي وتدافع عنه أوروبا تحت شعار الحروب الصليبية، والمشروع السني وتحمل لواءه الدولة الأيوبية، والمشروع الشيعي وتمثله الدولة الفاطمية في مصر وشمال إفريقيا، مفيضاً في عرض تفاصيل كل مشروع ومميزاته وظروفه التاريخية ومقوماته وأدواته الاستراتيجية، وسمات العلاقة بين هذه المشاريع.
ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى عرض المشروع الصليبي بشكل تفصيلي، وهو المشروع الذي ما فتئ يحارب الدولة الإسلامية منذ أن نجح المسلمون في تحرير البلاد التي كان يسيطر عليها البيزنطيون أيام الدولة الراشدة. وقد كانت حالة الصراع هذه بين الطرفين محدودة في العصر الأموي، غير أن هذا المشروع تبلور في العصور اللاحقة بفعل أسباب دينية وسياسية واقتصادية، من وجهة نظر المؤلف، وحصول تبدل في ميزان القوى في حوض البحر المتوسط.
وقد تتبع المؤلف المشروع الصليبي قبل قيام الدولة الأيوبية عبر الحملات العسكرية التي كانت أولاها في العهد السلجوقي بعد خطبة البابا (أوربان الثاني) في كليرمونت/ فرنسا. وكانت الحملة الثانية بعد سقوط الرها في أيدي المسلمين. فيما لم يهمل المؤلف دور المجتمع الأهلي (الفقهاء والقضاة والتجار) في تغذية جذوة quot;الجهادquot; ضد الغزاة. مركزاً على شخصيات محورية في هذه الفترة مثل الأمير السلجوقي عماد الدين زنكي الذي ينسب إليه الفضل في استرجاع مدينة الرها من أيدي المشروع الصليبي.
ثم يعرض المؤلف ملامح المشروع الشيعي من خلال بحث جذور الشيعة الإسماعيلية والدولة الفاطمية، مبيناً غلوّهم في بعض أفكارهم ومعتقداتهم، وكيف استهدفت دعوتهم بداية ظهورها بالمغرب المذهب المالكي السني وإزالة آثاره. كما تعرض المؤلف لمقاومة المغاربة للمد الشيعي الفاطمي الذي ما لبث أن أسس أصحابه مدينة القاهرة وجعلوها عاصمتهم، ومحاولات الدولة السلجوقية التصدي للمشروع الفاطمي عبر أسلوبين: أحدهما عسكري من خلال القيام بحملات عسكرية تزعمها نور الدين الزنكي بنفسه، والآخر فكري كان من أبرز روادها الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله.
فيما يرد المؤلف تبلور المشروع السني والذي يعد صلاح الدين الأيوبي أحد أبرز رموزه، إلى الفترة التي تولى فيها هو نفسه الوزارة في مصر بعد وفاة عمه أسد الدين شيركوه. وقد بدأ صلاح الدين مشروعه بالتخطيط للقضاء على الدولة الفاطمية، ومهد لذلك بالتدرج في إلغاء الخطبة للخليفة الفاطمي وعزل قضاتهم وإبطال الأذان بصيغة (حي على خير العمل)، وساعده على ذلك مرض آخر ملوك الفاطميين (العاضد لدين الله) ولزومه الطويل لفراش المرض.
في الفصل الثاني من الكتاب، والمخصص للتعريف بصلاح الدين الأيوبي، يفيض المؤلف في التعريف بمولده ونشأته ونسبه وصفاته الخلقية والخلقية، والتعريف بالدولة الأيوبية ومرجعيتها الفكرية، وإنجازاتها الحضارية، وجهادها ونظامها العسكري، ومواقفها السياسية، وإحيائها للمذهب السني، ونشاطها التجاري والاقتصادي والصحي، والشخصيات الفكرية والعلمية الفاعلة في العصر الأيوبي، كالقاضي الفاضل والحافظ السلفي وأبو طاهر بن عوف الإسكندراني وعبد الله بن أبي عصرون والفقيه عيسى الهكاري وغيرهم.
ويرى المؤلف أن أهم عمل قام به صلاح الدين الأيوبي يتمثل في توحيد الجبهة الإسلامية والدفاع عن حوزتها بعد أن فرقتها الدويلات والأسر الحاكمة. وقد تم ذلك حين ضم صلاح الدين بلاد الشام إلى مصر، وخطب للخليفة العباسي ببغداد على منابر مساجد الدولة الأيوبية، وراسل سلطان الموحدين في المغرب وتبادل معه الهدايا والسفارات، وتصدى لمن يريد الوقوف أمام هذا المشروع quot;الوحدويquot; إن جاز لنا التعبير. كما عرف عن صلاح الدين كرمه وسماحته وحرصه الدؤوب على تأدية الشعائر الدينية، ومحاولته المستمرة كسب ودً الشعوب الإسلامية التي تقع تحت إمرته.
إلا أن الذاكرة الجمعية الشعبية لا تزال تربط اسم صلاح الدين بمعركة حطين واسترجاعه بيت المقدس من أيدي الصليبيين. وهو الأمر الذي مهد له صلاح الدين بالاستيلاء على طبرية حتى يمنع الصليبيين المتجمهرين في صفورية من المياه. وقد دارت المعركة صبيحة يوم السبت 24 ربيع الآخر 583هـ، الموافق 4 يوليو/تموز 1187م، مسجلة هزيمة الصليبيين وأسر عدد من ملوكهم وأمرائهم. وممهدة لاستسلام عسقلان وغزة والهجوم على إمارة بيت المقدس الصليبية.
وعكس ما حدث في حطين من أعمال عسكرية، كان دخول صلاح الدين للقدس بأمان بعد حصار دام 12 يوماً، وبعد مفاوضات تم بموجبها تسليم القدس لصلاح الدين يوم الجمعة 27 رجب 583هـ، الموافق 2 أكتوبر/تشرين الأول 1187م. وقد عامل صلاح الدين سكان القدس من غير المسلمين معاملة فريدة من نوعها ظلت كتب التاريخ تحفظها له وبالذات الغربية منها، وما إن توفي حتى بدأت المنازعات بين أبناء البيت الأيوبي، مؤذنة بتفتت الدولة الأيوبية وسقوطها بعد ذلك.
على الرغم من الطابع التبجيلي الذي ساد في بعض الأحيان جوانب من سيرة صلاح الدين الأيوبي في الكتاب، والنزعة البراغماتية، إلى حد ما، في تناول شخص واحد من أهم الشخصيات في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، إلا أن محاولة المؤلف نزع الأحداث التاريخية من سياقاتها المكانية والزمانية وإسقاطها واستلهامها والمراهنة على راهنيتها تبقى محاولة قد تختلف وجهات النظر في الحكم على مدى كفاءتها ونجاعتها، وعلى مدى صدقيتها وموضوعيتها.
التعليقات