quot;ينبغي للمرء إذن أن يؤمن ليفهم ويفهم ليؤمنquot; بول ريكور[1]

بادئ ذو بدء ما نعني بالدين؟ ما الفرق بينه وبين الإيمان؟ وما المقصود بالهرمينوطيقا؟ وهل تقوم الهرمينوطيقا على الإيمان أم على الإلحاد؟ كيف تنجز الهرمينوطيقا الدينية فهما متعمقا للنصوص والتجارب الدينية؟
لم يعد الدين في الفلسفة وخاصة مع بول ريكور يتمثل في تحقيق الرغبة وطلب الحماية والعناية الإلهية ولا زفرة مخلوق مضطهد أو طفولة الوعي البشري بل قوة أخرى للغة أو نداء لا أطلب فيه شيئا سوى أن أجد ذاتي ولكنه صوت أصغي إليه دون أن أكتفي برجع صداه في. حول هذا الموضوع نجده يصرح:quot; ان الدين يمثل بؤرة العقوبة المطلقة إزاء مقتضيات الوعي الأخلاقي وانه ليعد تعويضا يحمل إلى قساوة الحياة. فهو يمثل الوظيفة الأكثر علوا للثقافة وان مهمة حماية الإنسان من تفوق الطبيعة وتعويضه عن التضحيات الغريزية التي يتطلبها العيش في مجتمع...quot;
أما عن دلالة الهرمينوطيقا فهي المجال المعرفي الذي يعتمد على جملة من المبادئ والقواعد في تفسير النصوص، لكنها ما لبثت أن أصبحت في القرن العشرين وخاصة مع غادامير وريكور النظرية الفلسفية التي تدرك المضامين الأسطورية المبثوثة في التراث الحي والمستعادة من طرف تأمل نظري وتتكلم الهرمينوطيقا لغة التراث من أجل إعادة إحياء المعنى المخبوء في معنى جديد أخذا بعين الاعتبار التاريخية والزمانية.
تحدد الهرمينوطيقا بكونها نظرية في تفكيك شفرة الرموز التي كتبت بها النصوص بيد أن تأويل الرموز لا يستحق اسم الهرمينوطيقا إلا إذا كان فرع من تجربة تفهم الذات لنفسها وللآخر والعلم بأسره ولذلك فان غياب هذا الشغل المنصب حول تملك المعنى يجعل من هذه النظرية تساوي الدرجة الصفر من المعرفة والوجود والقيمة. و تجيء الهرمينوطيقا الدينية مع بول ريكور في ثوب نقد ديني مستفيدا من المدرسة الوضعية الفرنسية والتقاليد التجريبية البريطانية ومدرسة الارتياب التي تقوم بالتشكيك في مفهوم الله وتعتبره خال من المعنى وتخلص الفكر من الغائية ومن الهالة
القدسية والأسطورية التي أحيطت حول براهين وجود الله.
يكشف النقد الديني على أن الوعي الديني ليس وعي حقيقي لأن quot;المعاني العامة لوعينا تقنع المعاني الحقيقيةquot; ويبين أن وظيفة الدين العامة هي الاتهام والعقاب لكونه مصدر للمنع والإدانة ولأن أعراض الرغبة والخوف تجعله منتجا للأوهام وتعطله عن وظيفته الأصلية وهي الرجاء والأمل والحب والفرح وليس الانتظار والقنوط والضغينة والنفاق.
هنا يأتي النقد الديني ليخلص الإنسان من الوهم وينتج تقنية في التأويل تبين أن للدين معاني ووظائف مخبوءة لا يعرفها المعتقد في المثال الزهدي ويقترب منها الملحد المرتاب الباحث عن الإيمان ويميز الخطأ المعرفي والكذب الأخلاقي عن الفطرة السليمة والبراءة الأصلية.ان كاشف الأقنعة يقوم بشغل الهدم والتحطيم وبعد أن يخلص الإرادة من أثقال الشعور بالندم وتوبيخ الضمير يكتفي بالإثبات المحض للحياة والإيمان الدنيوي بلزومية حضور الإنسان حرية ومعنى وفعل، ألم يقل ريكور:quot;كل شيء يظل مفتوحا بعد هذا الهدم ولكن طريق واحد سيكون مغلقا ومن يتبعه يضيع في
بيداء الوهم،انه طريق الكائن اللاهوتي البالغ الأوج في اله أخلاقي مصمم بوصفه مبدأ أخلاقيا وأساسا للمنع والإدانةquot;؟
ان الرهان هنا هو كيف يكف الدين عن أن يكون تكريسا للخضوع والشعور بالتبعية والدونية ويتحول إلى فضاء يشعر فيه الإنسان بالاستقلالية ويؤدي ولاء الاحترام لنفسه وإنسانيته في الآخر. من جهة أخرى إذا كانت الهرمينوطيقا هي مرحلة ضرورية من أجل تملك المعنى تتوسط بين التفكير المجرد والتفكير المتخفي فإنها تكون منغرسة في الدائرة الهرمينوطيقية التي تتكون من الفهم والاعتقاد وتعمل من خلال فن في الفهم على انتشال المعنى من الرمزي.
يصرح ريكور:quot; هنا إنما تصبح مسألة الإيمان مسألة علم تفسير، ذلك أن ما لا يتلاشى في بدننا إنما هو الآخر بإطلاق المعنى بوصفه لوغوس وبذلك ذاته يصبح حدث الكلام الإنساني ولا يمكننا أن نتعرفه إلا في حركة التفسير، تفسير هذا الكلام الإنساني، فدائرة علم التفسير ولدت: الاعتقاد إنما هو الإصغاء للنداء ولكن ينبغي تفسير الرسالة من أجل الإصغاء إلى النداء. فينبغي للمرء إذن أن يؤمن ليفهم ويفهم ليؤمنquot;[2]. هنا يظهر التجاور الدلالي بين الإصغاء والطاعة وبين السمع والخضوع ويكون حصول الفهم قرين الإصغاء الحاذق تصديقا لقول هيدجر:quot; ليس مصادفة أن نقول إننا
لم نفهم عندما لم نصغ جيدا. فالإصغاء لاحق للخطاب والكائن هنا يصغي لأنه يفهمquot;، ولكن هذا الإصغاء الذي يفهم يتحول إلى سمع مستهلك في الرؤية.
غير أن الإشكالي في هذا المستوى من التحليل يتمثل في اقتران الإلحاد بالاإعتقاد وتعليق الحكم واللافهم الثائر على كل فهم مسبق وسوء فهم والطامح إلى فهم حقيقي من جهة واقتران الفهم بالاعتقاد والإيمان تطبيقا لقاعدة لا نفهم إلا إذا اعتقدنا ولا نعتقد إلا إذا فهمنا من جهة مقابلة.
ان هذا يعني أن الملحد الذي لا يعتقد سوى في اللاإعتقاد لا يفهم وأن الواقع ضحية فهم مسبق وسوء فهم هو ملحد بالضرورة غير قادر على الفوز بنعمة الإيمان. لكن كيف لنا الخروج من هذا الدور الهرمينوطيقي: نؤمن لنفهم ونفهم لنؤمن؟ من يسبق الآخر الإيمان أم الفهم؟ هل الفهم هو سبب للحصول على الإيمان أم نتيجة حاصلة وصول الإنسان إليه منذ البدء؟ ما قيمة إيمان دون فهم وفهم دون إيمان؟ أليس الأول هو الإيمان الموروث والثاني هو الإلحاد الموصوف؟
من هذا المنطلق يضع ريكور مفهوم الإلحاد كنقطة تقاطع بين الإيمان والدين، إذ يمثل في نفس الوقت انقطاعا ورابطا بين الدين والإيمان،فهذا المفهوم الموجود في موضع وسط ينظر إلى الخلف نحو ما ينكره أي الدين وينظر إلى الأمام نحو ما يفتحه أي الإيمان الناتج عن إتباع المرء طريق الشك.
quot; يعني الإلحاد على الأقل هدم الإله الأخلاقي ليس بوصفه مصدرا أخيرا للاتهام ولكن بوصفه مصدرا أخيرا للحماية والعنايةquot;، ان نقد الدين كملجأ يوفر مصدر حماية للإنسان هو شرط إمكان ولادة إيمان تراجيدي في قلب الإنسان شبيه بحالة أيوب الذي جعل صبره طريقة للتمرد على الإله الأخلاقي.
ان المعنى الديني للإلحاد بعيد كل البعد عن المعنى الفلسفي الهرمينوطيقي خصوصا وأن الإلحاد لا يستنفذ معناه في السلب والنفي وإنكار المعتقدات والنبوات وعالم الآخرة ولكن في تحريره الأفق بالنسبة إلى إيمان عصر ما بعد الدين.
يستخدم ريكور هنا مفهوم الإلحاد كأداة دفاعية خفية لإنقاذ الإيمان من صنمية التدين وتحول الدين إلى سلطة تقيد حرية الإنسان وفضاء للاغتراب وسط أحضان المقدس.انه من الضروري حسب ريكور أن نوجد جدل بين الدين والإيمان عن طريق الإلحاد فيتحول الدين مطية لتحصيل الإيمان ويتحول الإيمان إلى أس لتجربة التدين في حد ذاتها ألم يقل في هذا السياق:quot; الدين بالمعنى الضيق هو العلاقة العتيقة للإنسان بالسلطة الخطرة للمقدسquot;؟
قصة الهرمينوطيقا تحكي قصة الإنسان المؤول الذي استولى على الأسماء وعمر الكون بتأويلاته بعد أن استخلف فيه واستأمن عليه والهرمينوطيقا هي مغامرة رهيبة لأن الناس ملوا من الانغماس في الشبهات والتورط في حالة سوء الفهم والخلاف ولذلك لا مخرج لهم من أجل الفهم والتفاهم سوى الهرمينوطيقا كفن تجنب سوء الفهم وتهيئة للناس من أجل التنعم برحمة الاختلاف.
ما تقوله الهرمينوطيقا أن العلاقة بين الحقيقة والمنهج لم تعد علاقة تلازمية ولم يعد المنهج هو الضامن للوصول إلى الحقيقة بل الحقيقة تبين أنها كانت ولا تزال نابعة من الذات ومرتبطة بتجربة التناهي الإنساني، بعبارة أخرى الحقيقة حدوث المعنى وانكشاف التلاقي بين التراث وأسئلة الحاضر وتتكون من خلال انصهار أفق الحاضر بأفق التاريخ وعن طريق الحوار بين الماضي والحاضر والاتجاه نحو المستقبل.
إذا ما طبقنا هذا الاستنتاج وانتقلنا من ماهو عام إلى ماهو خاص نرى أن الإسلام تحول إلى الصنم أضاع المنتسبون إليه الرموز أي الإيمان الحي وإذا ما أردنا روحه الخالصة ينبغي أن نكسر زجاجة التقليد quot;لهذا السبب ينبغي دائما أن يموت الصنم حتى يحيا الرمزquot; كما يلح على ذلك ريكور لأن في الرمز ما يدعو إلى التفكير كما يردد دائما.
انه من الضروري التفكير في القضية الهرمينوطيقية في الإسلام والنظر إلى القرآن إن كان يسمح للمرء بقراءة متأنية وصبورة وبأن يسأل بشكل أفضل وأن يفكر بطريقة ملموسة.في الواقع ان القرآن ولد من وعد وإعلان وظهر من خلال كلمة ونداء وكلام حي، ثم تجسد في رسالة ومر عبر واسطة النبوة التي ظل هو نفسه شاهدا على أحقيتها ولكنه تحول بعد هبوطه على الناس إلى وعظ أصلي ومصحف مكتوب ووصايا أخروية وأحكام مطلقة وحدود ملزمة، وانه من اللازم إذا ما أردنا إيجاد الإحاطة بالنواة الهرمينوطيقية له تتبع صيرورة تدحرجه من اللوح المحفوظ إلى الكلام ومن الكلام إلى
الكتابة ومن الكتابة إلى الحدث إذا ما رمنا تتبع معناه وتقصي مقاصده.
ان الفكر الإسلامي نفسه منذ تكونه لا يخلو من بعد هرمينوطيقي لأن تاريخه هو تاريخ صراعات بين تأويلات متباينة تعبر عن أزمات سلطوية وجوهره لا يتحدد إلا من خلال تراكم مجهودات فردية في الاستنباط والاستقراء والسبر والمعاينة والاعتبار والتعليل والتفسير والتأويل. لقد تشكلت القضية الهرمينوطيقية في الإسلام أولا من سؤال العلاقة بين القرآن والحديث ومن أرضية التحالف بين التجربة النبوية والسنة وبين المطلق والنسبي وبين الإلهي والبشري.
ان الإسلام يتكون من النداء والرسالة والكلام الذي توجه إلينا وإذا كان ثمة إشكالية حقيقية للإيمان في الإسلام فهي مرتبط بالكائن وتردده بين الجبرية والقدرية وبين الاضطرار والاختيار وبين الكسب والسعي.لذلك على الأرجح يدور نزاع داخلي في الإسلام بين الإيمان والدين وبين المسلم والمؤمن، فالإيمان هو الحب والرجاء والدين هو السلطة والنظام.
يعتقد البعض أن بناء هرمينوطيقا إسلامية يمر لا محالة عبر تحويل الوحي إلى نص وتعويض مطلب البحث عن الحقيقة بمسألة إنتاج المعنى وعبر نزع التعالي وخلع الأسطرة عن القرآن والحديث وذلك بإخضاعهما إلى آليات القراءة المتبعة في النصوص العادية، ويقترح آخرون إدخال مفهومي التاريخية والزمانية إلى الدراسات القرآنية والانتقال من الحديث عن إسلام واحد إلى الحديث عن التعدد في الإسلام وعن الاسلامات وهي جملة من زاويا النظر المختلفة عن نفس الظاهرة.
لكن كل هذا ربما لا يؤدي إلى بناء نظرية هرمينوطيقية إسلامية لأنه لا يؤدي إلى خلخلة الثنائيات التقليدية التي ظل التفسير الكلاسيكي للنصوص المقدسة حبيسا فيها مثل الحقيقة والمجاز، النقل والعقل، المحكم والمتشابه. ان المطلوب ليس إيجاد أو تغيير منهج القراءة والتمييز بين الدلالة اللغوية والدلالة الحقيقية وبين آيات الآفاق وآيات الأنفس وبين مواطن الاعتبار والتبيين ومواطن الإعجاز والإقناع بل إيجاد فن في الفهم عبر الذوق الرفيع والحس المرهف والعدل في الحكم على الأشياء والاقتصاد في التسمية والتركيز على الأشرعة التي يصنعها النص لركوب
نهر الحياة والنوافذ التي يسمح بها للناس للإطلالة على العالم.
ان الخطأ الكبير الذي وقع فيه علماء التفسير بالمعنى الكلاسيكي أنهم تصوروا معنى قديما مدفونا في النص يشير إلى سبب نزول عن حادث تاريخي أو مقصدا من مقاصد الشارع أو مصلحة مرسلة وطلبوا من العقل الاكتفاء بالاكتشاف والتدبير والاستدلال والمحاججة والبرهنة لتحقيق المطابقة والتأييد والتناغم والانسجام مع روح الإجماع.
غير أن ما لم ينتبه إليه هؤلاء هو البعد المعضلي الإشكالي لثنائية المعنى في الآية القرآنية أو الحديث المتفق على رجاحته من وجهة نظر المتن وليس من وجهة نظر السند وعلم التجريح والتعديل وعلم الرجال، أما النقيصة الثانية فهي عجزهم عن استخراج المنزلة الأنطولوجية التي تنهض بها اللغة وخاصة عدم تمييزهم بين المعنى في مستوى المفردة والمعنى في مستوى الجملة والمعنى في مستوى النص وبين عقل اللغة ولغة العقل وبين نحو اللغة ومنطق العقل،النقيصة الثالثة هي إهمالهم الوظائف الشعرية والدلالية والتداولية والسردية التي يمكن أن تؤديها اللغة واقتصارهم
على الوظائف العادية من تفكير وإعلام وتعبير وإيصال وتواصل.
لقد بين الاتجاه العقلي في التفسير الذي يمثله المعتزلة أن اللغة عقل آخر يتحالف مع العقل البشري في إنتاج المعنى وأن النص لا يفيض بالمعنى إلا عندما يعترف له العقل بدلالته ويمنحه وجوده الغائب، علاوة على أن الشخص القارئ المتكلم هو فاعل الكلام والكلام نفسه هو تعبير عن غرض المتكلم ورغبته وسلطته، ثم ان أساس اللغة هي المواضعة واللعب لأن الكلام شبكة متشعبة من الرموز والدلالات تفيد بعدة أشكال وطرق على أنماط حضور الأشياء.
ان الهرمينوطيقا الإسلامية الممكنة تتوقف على الاعتراف بالتعريفين الممكنين عن الهرمينوطيقا:
- الهرمينوطيقا كإستراتيجية للكشف عن آليات السلطة وآثار الرغبة التي تتخفى وراء الخطاب.
- الهرمينوطيقا كنظرية عامة في التأويل تنتقل من المعنى الظاهر الرمزي إلى المعنى الباطني الحقيقي.
الحركة الأولى تؤدي إلى تطهير الحقل الدلالي من أشكال التشويه والتحرييف والتخلص من كل آليات الاغتراب والتمويه قصد تحصيل وعي هرمينوطيقي حاذق.
الحركة الثانية تؤدي إلى إنتاج المعنى ضمن سياق فني قصصي يلائم السياق ويتماشى مع تكاملية المدارك الإنسانية وتساعد على بناء نظرة تأويلية وفهم متعمق للنص في إطار انصهار الآفاق.
ان الحركة الأولى هي حركة نقد وتفكيك من أجل التطهير والتهذيب وان الحركة الثانية هي حركة تنظير وبناء من أجل العمل والتطبيق. تستفيد الحركة الأولى من جهود نيتشه وماركس وفرويد ورواد مدرسة فراكفورت ومنظري فكر 68 وخاصة فوكو ودولوز ودريدا وتستفيد الحركة الثانية من شلايرماخر وديلتاي وهيدجر وغادامير وريكور.
الحل عند ريكور هي أن يسكن الإنسان العالم على نحو شعري لأن quot;الفعل الشعري لا يمثل ضياعا محضا ولكن بداية النهاية للتشرد بواسطة فعل البناءquot;، ان quot;الشاعر يرى المقدس بينما يرى المفكر الكائن ويقفان على جبال مختلفة حيث تكون أصواتهما صدى لبعضها البعضquot;.
بينما الفيلسوف المؤول ليس واعظا نبويا ولا مبشرا رسوليا ولكنه شاعرا بعد ديني مثل زرادشت يفكر في زمن العدمية ويبحث عن الإيمان الخالص الذي لا يلوثه النفاق، ومهمة هذا المؤول ليست المصالحة بين التفسير الذي يهدم الأوثان القديمة والتفسير الذي يعيد بناء الإعلان الديني بالاعتماد على معنى أصلى وقع التفطن إليه فيما بعد ومن خلال انتقائية ضعيفة بل هو الذي يتلفظ بكلمة التحرر كبدء خلاق ويملك حرية العودة الجذرية إلى أصل الإيمان، انه يخرج من الطريق المسدود ولا يتلفظ بكلمة المنع والإدانة ويجعل الرسالة حدثا ما بعد ديني وسابقا على كل قانون
ويحاول الاقتراب إلى حالة من الاستقلالية. في الأخيرquot; ليس الفيلسوف خبيرا بالعلاج فهو يشفي الرغبات بتغيير الأفكارquot;.
يولد الأمل الأعظم من أن يكون الإنسان مواسيا لنفسه ومحررا من الثأر ويفتح الطريق الجديد للفكر أفقا للتأويل يجعل من الإلحاد تأملا واقعيا ينقلنا من الدين إلى الإيمان.
هذه الحاجة إلى العود على بدء عبر عنها ريكور بقوله:quot;إني لأعتقد أن هذا هو الوضع الذي لا حياد عنه بالنسبة إلى الفيلسوف عندما يكون بوصفه هكذا مواجها للجدل بين دين والحاد وإيمان، فهو ليس مبشرا وأنه يستطيع أن يصغي إلى التبشير تماما كما أفعل ذلك. ولكن بوصفه مفكرا محترفا ومسؤولا فانه يبقى مبتدئا ويبقى خطابه خطابا إعداديا وربما يجب عدم الندم على ذلك فهذا الزمن المشوش حيث يخبئ موت الدين الرهان الحقيقي ربما هو زمن الإعدادات الطويلة والبطيئة وغير المباشرةquot;.[3]
لكن هل تقبل النصوص الإسلامية القراءة من وجهة نظر منهجية العلم والفكر ما بعد الحديثين؟ إلى أي مدى يصح قول لفرويد مثل هذا على الإسلام: quot;الدين فن لاحتمال قسوة الحياة أكثر منه رقية غير محددة للاتهام الأبويquot;؟

كاتب فلسفي
[1] بول ريكور، في التفسير، محاولة في فرويد، ترجمة وجيه سعد، الطبعة الأولى2003 أطلس للنشر والتوزيع دمشق سوريا ص436
[2] بول ريكور، في التفسير، محاولة في فرويد، القسم الرابع من الفصل الرابع من الكتاب الثالث بعنوان علم تفسير، ترجمة وجيه سعد، الطبعة الأولى2003 أطلس للنشر والتوزيع دمشق سوريا ص436
[3] بول ريكور، صراع التأويلات دراسات هرمينوطيقية، الفصل السادس- الدين والإيمان ترجمة منذر عياشي، مراجعة جورج زيناتي، دار الكتاب الجديد المتحدة2005ص503- 504