quot; تكشف رسالة يسوع عندما لا يضفي عليها بولس الطابع اليهودي وقسطنطين الطابع الروماني عن كونيتها الحقيقية.. فالملكوت ثمرة تحررنا الداخلي من قيود الممتلكات والسلطة عندما يزول الأنا ويحل محله الكل أو الذاتquot;.
روجي غارودي نداء جديد الى الأحياء
بعد 29 سنة يزور شخصية دينية هامة أخرى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إضفاء المشروعية لدولة فقدت صدقيتها في النادي الدولي بفضل عدائيتها وإتباعها سياسة توسعية وتدخلها في شؤون الآخرين وتأثرا بالعولمة الاختراقية ذات النمط الإمبراطوري التي تطبقها على الكوكب ولم يسلم منها حتى الفضاء الخارجي بعد إطلاق النازا برنامج حرب النجوم وبدأت الرحلات السياحية الى القمر والمريخ والكواكب المجاورة للأرض الأخرى.
بوش استقبل البابا في حديقة تشبه الى حد ما كنيسة أثرية وتحدث عن الحرية والديمقراطية والتسامح والحب والسلم وعن ضرورة تقيد الساسة بالقيم الدينية وإباحة استشارة المرجعية الدينية في القضايا السياسية وأكد على ضرورة وضع قيودا أمام الإجهاض والزواج المثلي والاستنساخ لاعتدائها على التعاليم الدينية المحافظة ولتناقضها مع قوانين الطبيعة الأصلية.
رد البابا على هذه الكلمات المطمئنة على وفاء الإدارة الأمريكية المطلق للتعاليم المسيحية الكاثوليكية ونيتها الشروع الفوري في طقوس تطهيرية واعترافات قصد الخلاص من كل الذنوب والخطايا ولذلك فانه لم يتردد في الدعوة بالتبريكات على هذا النظام والتضرع لله بحمايته ومساندته من أجل قيادة الانسانية نحو المزيد من التقدم والرقي في كنف العيش المشترك والتحالف بين الشعوب والحوار.
مغزى الزيارة البابوية الى أمريكا هو حاجة الولايات المتحدة لبعض الاشراقات القدسية من أجل إنقاذ الورطات السياسية التي وقعت فيها وتعويلها على رأس مال رمزي يحتوي على فائض في القيمة من أجل إنقاذ رأس مال مادي هو بصدد الانحدار والتقهقر ويعاني من أزمات تتراوح بين التضخم والانكماش.
نفهم من هذه الزيارة المفاجئة ومن حفاوة الاستقبال والترحيب الكبير أن إدارة بوش تريد أن تلمع صورتها المشوهة أمام الرأي العام بعد تكاثر الأخطاء والمساوئ من خلال الالتزام أمام البابا بالتعهد برعاية السلام في العالم والكف من التسلح ومنع اندلاع الحروب ومواجهة نزعات التطرف والإرهاب.
لكن ينبغي أن ننتبه الى أن الولايات المتحدة تشهد حضور عدد غير محدود من الأديان والمذاهب والطوائف وأن الدولة تحاول أن تكون فوق قيم هذه الأديان كلها وأنها تدعو دائما الى قيام حوار وتسامح بين منتسبي هذه الأديان وأن المذهب البروتستانتي هو المذهب المسيحي الأكثر انتشارا في العالم الأنجلوساكسوني عكس انتشار المذهب الكاثوليكي في أمريكا اللاتينية وانتشار المذهب الأرثوذوكسي في البلدان الشرقية ومن المعلوم كذلك أن البابا بنديكت هو على رأس الكنيسة الكاثوليكية ولكن ربما يوجد تناغم بين قناعات بوش الدينية التي لها منحى إنجيلي يميني محافظ وقناعات البابا المؤيدة للانتشار الاقتصاد الحر في العالم ومكافحة بقايا الشيوعية وكل النزعات الإيديولوجية المخالفة.
المفارقة أن دعم البابا اللامشروط لواشنطن جاء في نفس المدة التي عاد فيها برلسكوني زعيم التيار اليميني في ايطاليا الى سدة الحكم وقبل ذلك بقليل كانت ستيفي ليفني وزيرة الخارجية الاسرائلية قد حلت فيها ببعض الدول المعتدلة مثل قطر وتصريحاتها بأن الصراع الحقيقي ليس ذلك الدائر بين العرب وإسرائيل بل هو الصراع الدائر مع التيار المتطرف في المنطقة والتي تقوده كل من ايران وسوريا والتنظيمات اللبنانية والفلسطينية والعراقية المقاومة وأتى أيضا في نفس الأيام التي يزور فيها جيمي كارتر بعض الدول العربية المحسوبة على الممانعة ومقابلته بعض الشخصيات الفلسطينية التي تنتمي الى حماس ودعوته الصريحة الى رفع الحصار عن الفلسطينيين وإعطائهم حقوقهم الشرعية معبرا عن براءة الشعب الأمريكي من جرائم الإدارة السياسية والفضائح التي اقترفها الجيش الأمريكي وشركات البلاك ووتر في أبو غريب والفلوجة وبغداد.
بعض الملاحظات التي يمكن أن نبديها بخصوص دعم بابا فاتيكان لنظام إمبراطوري توسعي يحمل إيديولوجيا معلومة للكون تحقق له مصلحته الخاصة ولو بالتضحية وبإضرار مصالح الآخرين هي أن المسيحية الأولى تحمل دعوة الى المحبة والصداقة بين الشعوب وتفرض منظومة قيمية تنص على العدالة والمساواة والحرية وتشرع للمظلوم حق استعمال جميع الوسائل للدفاع عن نفسه، زد على ذلك أن بعض التجارب في أمريكا اللاتينية بينت أنه مثلما يوجد يمين ديني يخدم مصالح رأسمال يوجد يسار ديني يخدم حقوق الشعوب ويناضل من أجل أممية عادلة وحقوق مادية للإنسان ولنا في تجارب الكنائس الشعبية والآباء الحمر مثل الأب كاميليو توريز أهم منظري لاهوت التحرير خير مثال.
أما بخصوص جيمي كارتر من أجل تحقيق السلام بين العرب واسرئيل فهي جهود ذات نية حسنة وتعبر عن صحوة ضمير وجاءت لتنصف القوى الفاعلة في المنطقة والتي تعاني من عدم الاعتراف والإقصاء وهي خطوة في الاتجاه الصحيح تتبع أسلوب الحوار غير المشروط مع جميع الأطراف والإشراك والإدماج بدل التمييز والتهميش والإبعاد بسبب الانتماء الإيديولوجي، لكن كيف صمت العرب عن الزيارة المغامرة لليفني؟ ولماذا اقتصرت ردود الأفعال على بعض المقالات الصحفية المحتشمة؟ أليس التحاق برلسكوني بالحلف المسيحي اليهودي الذي يضم كل من بوش وساركوزي ميركيل وأولمرت يمثل تدعيما هاما لمحور أوروبي أمريكي ضد حقوق الشعوب الشرقية والعربية المستضعفة؟ هل تكفي النوايا الحسنة لبعض الشخصيات الاعتبارية غير المؤثرة على القرار السياسي لأوطانهم من أجل إنقاذ الموقف وإعادة التوازن لمنطقة تقف على حافة الحرب الكارثية؟
* كاتب فلسفي