إلى أين تمضي إشكالية ارتهان القرار السياسي الأمريكي الداخلي لجماعات الضغط المختلفة داخل الولايات المتحدة الأمريكية؟ وهل يمكن للمجتمع الرأسمالي الأمريكي أن يتخلص بسهولة ويسر من ربق العبودية لجماعات التأثير السياسي بما لها من ارث ضارب جذوره في عملية صناعة القرار الامريكي والتي يرى كثير من المفكرين أنها مرتبطة بشكل جذري براس المال ؟
المقطوع به ان ما جرى في الايام القليلة الماضية من مباركة مباشرة للعدوان الاسرائيلي على غزة يعيد التساؤل في سماوات عملية صناعة القرار الامريكي إذ أعلن الكونغرس الأمريكي بفرعيه تأييده للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وأصدر قرارا حول ما أسماه quot;حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الهجمات من غزةquot;، بأغلبية 390 صوتا مقابل خمسة، وعلى الرغم من إشارة القرار إلى أن الوضع الإنساني في غزة يزداد حدة فإنه تجنب توجيه أي انتقاد لإسرائيل..... لماذا اقدم الكونجرس على مثل هذا القرار؟
الجواب عند النائب الديمقراطي نيك رحال وهو أمريكي من أصل لبناني وفيه انه quot;حين تقع مثل هذه الأحداث يسارع الكونغرس وركبه تهتز تقريبا إلى تبني رد فعل يؤيد 1000% كل ما تفعله إسرائيلquot;.
أما هاري ريد زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي فاعتبر ان quot;قرارنا يعكس إرادة دولة إسرائيل وإرادة الشعب الأمريكي quot;.
والثابت مؤخرا هو احتفال اليهود الأمريكيون بوصول أكبر عدد لهم في تاريخ الكونغرس إلى مقاعد في هذا المجلس التشريعي الهام، فقد زاد عدد اليهود في مجلس الشيوخ بعدد عضوين بينما ازدادوا باربعة اعضاء في مجلس النواب ليكون بذلك إجمالي اليهود في الكونجرس بشقيه 43 نائبا وسيناتورا.
وتقول استطلاعات الرأي إن اليهود الامريكيين اعطوا معظم اصواتهم للديمقراطيين اذ بلغت نسبة من صوت من اليهود الامريكيين للديمقراطيين 87 في المائة.
والشاهد اننا لسنا بصدد الحديث عن الدوافع والاسباب التي تجعل من الكونجرس الامريكي مطية سهلة للرغبات الدموية الاسرائيلية فهذا موضوع رغم انه قد قتل بحثا يستحق بين الفينة والاخرى التوقف امامه وعدم التسليم بالمطلق بحقيقته ما يجعل من موقع العرب والمسلمين على الدوام داخل الكونجرس موضع المفعول به لا الفاعل، وانما نحن امام اشكالية السلطة التشريعية الامريكية المتمثلة في الكونجرس وارتهان قراره للعديد من القوى الخارجية التي تؤثر في صوغ الافكار وتاليا في اتخاذ القرار الامريكي الرسمي، فهل بات الكونجرس وعن حق مسلوب الارادة السياسية من قبل جماعات الضغط المرتبطين باصحاب المصالح العقائدية والمادية على حد سواء؟ هذا التساؤل أضحى مؤخرا يشغل بال المراقبين للشأن الأمريكي سيما في ضوء اهمية تلك المؤسسة التشريعية الكبرى ..........ماذا عن الكونجرس الامريكي بادئ بدء؟
ربما يلزمنا التذكير بما للكونجرس وخاصة مجلس الشيوخ من دور كبير في مجال السياسة الخارجية والداخلية للولايات المتحدة كما انه يشترك مع السلطة التنفيذية في بعض المسائل كالموافقة على تعيين السفراء والقناصل وإقرار المعاهدات ويلعب رؤساء اللجان المختلفة التي تتكون في الكونجرس بمجلسيه دورا هاما في تحريك وإدارة السياسة الخارجية والداخلية وفقا لاتجاهات وميول رئيس كل لجنة وعلاقته بالرئيس والإدارة وتعمل الحكومة على الحصول على تأييدهم لمشروعاتها وقوانينها كما تسعى كثير من الدول لتوطيد صلاتها بهم.
وانطلاقا من هذا الدور تنشط في الكونجرس قوى وتيارات عديدة كما تنشط جماعات الضغط وتتمثل في فئات من كبار المحامين الذين يتولون مهمة الاتصالات نيابة عن هذه الجماعات بالأعضاء للتأثير عليهم عند بحث المسائل التي تهم تلك الجماعات وهذه تضاف بالطبع للضغوط التي يتعرض لها كل عضو على حدة في دائرته الانتخابية بطريق مباشر من خلال الرسائل والاتصالات الشخصية ومن أهم تلك الجماعات:.
** جماعات تعتمد في تكوينها على العرق كالايرلنديين والإيطاليين.
**جماعات المصالح الاقتصادية كالشركات عابرة القارات.
**جماعات المجمع الصناعي العسكري الأمريكي وتكاد تكون أخطرها.
** جماعات الضغط الموالية لإسرائيل وينظمها عقد مؤسسة الايباك.
** جماعات نقابات واتحادات صناعات مثل الأدوية والنفط.
وحسب البيانات الصادرة عن مركز النزاهة العامة Center for Public Integrity وهو مركز أبحاث معروف بتركيزه على تأثير المال على العملية السياسية الأمريكية فان صناعة جماعات الضغط توظف نحو 14 ألف خبير وقد أنفقت هذه الصناعة 13 بليون دولار خلال السنوات الست التي شملتها الدراسة من بينها 2.4 بليون دولار خلال عام 2003 وحده.
وتعني هذه الحقيقة أن ما ينفق على أنشطة اللوبي يبلغ تقريبا ضعف ما ينفق على الحملات الانتخابية الفيدرالية حتى في السنوات التي تشهد انتخابات رئاسية ففي عام 2000 على سبيل المثال بلغت تكاليف أنشطة الضغط السياسي على المؤسسات الحكومية الفيدرالية 3.5 بليون دولار في العام نفسه.
ويكشف التقرير كذلك عن ضعف الرقابة الحكومية على أنشطة اللوبي فوثائق اللجنة التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي المعنية بمتابعة أنشطة اللوبي توضح أن هناك أكثر من 30 ألف خبير نشطين في مجال اللوبي ومع ذلك لم يقدم سوى 14 ألف خبير فقط تقارير عن أنشطتهم العام الماضي كما أن 1200 شركة من الشركات المسجلة كشركة ضغط سياسي والتي يبلغ عددها 6400 شركة فشلت في تقديم استمارة أو أكثر من الاستمارات الرسمية التي كان ينبغي تعبئتها.
أما الحقيقة المثيرة عن تلك الجماعات فتتخطى في واقع الأمر حدود الكونجرس وأعضائه لتنسحب على الرئيس ونائبه من خلال ما يعرف بتأثير الأموال الناعمة التي يجمعها الحزب خارج إطار القانون المنظم للأمر فمع حلول عام 1996 ألقى الرئيس بيل كلينتون ونائبه ال جور بكل المقاييس والمعايير من النافذة وبدا يستخدمان الأموال الناعمة في حملاتهما الخاصة والإعلانات السياسية بطريقة فجة وبلا آية حدود أخلاقية أو قانونية بعد أن جمعاها بطرق ومصادر مشبوهة وممارسات غير قانونية.
وقد دعا ذلك احد أعضاء مجلس الشيوخ quot; فريد طوسون quot; لفتح تحقيق حول تلك التبرعات لسببين هما إفساد الحياة السياسية الأمريكية وتعريض الأمن القومي الأمريكي للخطر.
والثابت كذلك أن بين ال 14 ألف خبير لجماعات الضغط يوجد 200 مسؤول سابق بالحكومة الفيدرالية ومن بين هولاء 175 عضوا سابقا بمجلس النواب و34 عضوا سابقا بمجلس الشيوخ و42 رئيسا سابقا لمؤسسات فيدرالية كبرى.
و الأرقام المتقدمة تؤكد حقيقة استغلال مزودج لهولاء فمن جهة هم يدركون أفضل السبل لطريقة إقرار المشروعات داخل الكونجرس بما يتفق ومصالح من يمثلونهم ومن جهة أخرى عبر تفعيل علاقاتهم مع أصدقائهم في داخل الكونجرس نفسه.
ويعد الرئيس دوايت ايزنهاور أول من أشار إلى هذا الخطر ففي خطابه الشهير بخطاب الوداع حذر من هيمنة إحدى تلك الجماعات عندما أشار إلى الإنفاق العسكري الأمريكي والذي تجاوز رقمه في ذلك الوقت صافي إنتاج الشركات الأمريكية ويومها قال ايزنهاور quot; علينا في مجالس الحكومة أن نحتاط من حصول المجمع الصناعي العسكري على نفوذ غير مشروع مذكرا بان الخطر يكمن في أن quot; الأهداف العسكرية قد تطغى على الحريات المدنية والعملية الديمقراطيةquot;.
أما ثاني اخطر تلك الجماعات فتلك الموالية لإسرائيل والتي سبق منذ أكثر من مائتي عام أن حذر منها المفكر الأمريكي الشهير بنيامين فرانكلين ناصحا الأمريكيين بالتنبه إلي خطورتها quot; قبل أن يأتي اليوم الذي يعمل فيه أولادهم كعبيد في الحقول فيما يجمع الصيارفة اليهود في نيويورك الإرباح quot; وهي ذات النتيجة التي خلص إليها الباحثان البروفيسور quot;جون ميرشايمرquot; وquot;ستيفن والتquot; عبر بحثيهما الذي أثار ضجة بالغة والمتعلق بالأضرار التي لحقت بسياسة أمريكا الخارجية من جراء الانقياد وراء تأثيرات اللوبي الإسرائيلي
. والحاصل ان ارتهان القرار السياسي الامريكي لمؤثرات خارجية دعا بوش لان يشن حربا في العراق تحت ضغوطات رجال الصناعات العسكرية الأمريكية وبتأثير اللوبي الإسرائيلي إضافة إلى أطماع لوبي النفط وهي التي جعلته يستقبل قبل بضعة سنوات احد رؤوس تلك الجماعات quot; جاك ابراموف quot; صاحب الفضيحة الشهيرة بالضغط على أعضاء الكونجرس عبر التبرعات والتي هي في الأصل رشاوى ومن خلال الهدايا و يحظى بفرصة التقاط الصور مع الرئيس مثل كبار الزوار من الملوك والرؤساء . اما رئيس الظل ديك تشيني فقد طالب امن الرئاسة بمنع نشر أسماء الزوار الرسميين حتى لا يدرى المواطن الأمريكي من زاره ولماذا؟
والشاهد أن نظام الانتخابات الأمريكي نفسه سواء ما يتعلق منه بالرئاسة أو الكونجرس ليس إلا حلبة بورصة كل شيء فيها معروض للبيع وله ثمن في إطار نظام رأسمالي مقيت إذ لا يهم المضاربين غير تحقيق أعلى الأرباح.
وفي ظل الحضور غير المسبوق لنواب يهود في الكونجرس بجانب اعضاء اخرين مسيطر عليهم بالاصوات والتبرعات اليهودية لا يبدو عجيبا او غريبا ان تسد واشنطن أنفها عن ذبح الأبرياء في غزة، كما يذهب الى ذلك النائب الديمقراطي quot; دينيس كوسينتيش quot; من اوهايو، وان تجد أموال الضرائب الأمريكية وطائرات اف 16 وطائرات الهليكوبتر الأمريكية المقدمة لإسرائيل طريقها لتغذي المذبحة الجارية في غزةquot;.
على انه وكما يؤكد الدكتور جيمس زغبي اذا كان غالبية المشرعين في الكونجرس يسترشدون في السياسة الخارجية بمواقف واتجاهات الرئيس الامريكي وهو ما جرى في عهد بوش من اتساق خطير بين شهوات قلب المولود ثانية واهداف واستراتيجيات الدولة العبرية فان الرئاسة الاوبامية القادمة تجد نفسها امام واحد من اهم الاختبارات التي من خلالها سيحكم على مصداقيتها. فهل سيقدر لمرحلة ارتهان القرار السياسي الامريكي ان تنتهي في عهد اوباما ام ان الامر يتجاوز قدرة سيناتور الينوي الشاب الذي تجرا على الامل ذات مرة؟ غدا لناظره قريب والليالى حبلى دائما بالمفاجات.
كاتب مصري
[email protected]