من مفكرة سفير عربي في اليابان
في صيف عام 2007 كتب غيث عبد الأحد، مراسل الحرب العراقية لصحيفة الغاردين البريطانية، وأحد المعارضين للنظام العراقي السابق يقول: quot; قبل الحرب، لم يهتم أحد من العراقيين لمعرفة جاره إن كان سنيا أم شيعا، بل سجلت العراق في حقبة صدام حسين أعلى نسبة زواج بين الشيعة والسنة في الدول العربية. واليوم، وبعد حرب العراق، نستطيع رسم خارطة طائفية لأصغر منطقة وشارع وبيت. فقد تغير كل شيء، وأنا كعراقي حينما أذهب إلى أي مكان في العراق أو الشرق الأوسط، فأول شيء أسأل عنه: هل أنا سني أم شيعي؟ فالمشكلة اليوم هي الحرب الأهلية الطائفية.quot; كما علق زميله ريجيف شاندرا سيكيران مراسل لصحيفة الواشنطون بوست الأمريكية بالقول: quot;لقد هرب أربعة مليون عراقي من بيوتهم، وقسمت العراق لمناطق السنة والشيعة والأكراد، فقد صوت المواطنون بأرجلهم لتقسيم أنفسهم، فهم ينتقلون كلاجئين من منطقة لأخرى، أو يهربون من البلاد. وهذه حتمية المستقبلquot; والسؤال: ما سبب هذا العنف الطائفي؟ وهل سيقتصر هذا العنف على العراق؟
يناقش الصحفي البريطاني جوناثون كوك هذه الأسئلة في كتابه الجديد، إسرائيل وصراع الحضارات العراق وإيران والخطة لتغير الشرق الأوسط، فيقول: quot;في كتابي هذا أدحض وجهة النظر التي تدعي بأن الحرب الأهلية الطائفية في العراق هي نتيجة قرارات خاطئة غير مقصودة، بل هو تقسيم مقصود ومخطط له قبل الغزو من فئة تريد تحقيق أهدافها الخفية.quot; ويعتقد كوك بأن هذه الإستراتيجية الجديدة ليست خطة أمريكية، بل تم التخطيط لها خارج البيت الأبيض، بل وعارضتها إدارة الجيش الأمريكي وكولن باول. فلنحاول عزيزي القارئ أن نتصفح معا كتاب جونثان كوك، لنتعرف على من هم وراء الصراع الطائفي ومحاولة التقسيم في العراق، وما هي أهدافهم الخفية؟
يوضح جنوثان كوك طموحات إسرائيل في المنطقة بعرض ما كتبه أريل شارون في خطابه قبل غزوه لجنوب لبنان: quot;يجب أن تمتد إسرائيل خارج حدود الدول العربية والشرق الأوسط ونحو شواطئ البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، بل عليها بسبب القلق الأمني والإستراتيجي في الثمانيات، أن تمتد سلطتها على دول كتركيا وإيران وباكستان ودول الخليج وأفريقيا، وبالأخص دول الشمال والوسط الأفريقي. ويعتمد نجاح إسرائيل على تفوقها التكنولوجي بأسلحتها العسكرية، وبالأخص على قرارها بمنع حصول دول المنطقة على السلاح النووي.quot; كما ناقش الكاتب سبب تجنب إسرائيل الاتفاق على حدود واضحة مع العرب، فعرض تصريح لشلمو غازيت، الرئيس السابق في المخابرات الإسرائيلية، بصحيفة يدوت اهرونوت في عام 1992 يقول فيه: quot;يحتم القدر على إسرائيل بموقعها الجغرافي في وسط الشرق الأوسط الإسلامي والعربي، أن تكون حامية للاستقرار للدول التي حولها... فمن واجبها أن تحمي المنطقة من التطرف، وبأن تمنع انتشار الإرهاب الديني، ولديها خط حدودها الأحمر الذي لم يحدد، وهو آلية قوية للتعامل مع التحديات التي تواجهها خارج حدودها. كما يعطيها هذا الخط الأحمر الحق بأن تقرر أي من التطورات التي تتم خارج حدودها خطر يهددها، لتستخدم قوتها العسكرية لمنعه أو القضاء عليه. فمن واجب إسرائيل أن ترهب دول المنطقة بعقاب يمنع تجاسرهم لتجاوز هذه الحدود الحمراء.quot;
وبين الكاتب كيف استفادت إسرائيل من أحداث سبتمبر لتحقيق أهدافها الخفية، فعرض تصريح لأفرايم ألفي، رئيس المخابرات الإسرائيلية، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 يقول فيه: quot;هجمة الحادي عشر من سبتمبر معجزة هانوكا اليهودية التي ستعطي الفرصة لإسرائيل لكي تعاقب أعدائها. لقد خلق هذا الهجوم حتمية الحرب العالمية الثالثة، بتجمع عوامل الإرهاب الإسلامي في شكل واضح ومتميز، وأدى لحيرة كل حاكم، وكل دولة في منطقتنا. فيجب على كل واحد منهم أن يكون صادقا مع نفسه لكي يقرر كيف يحدد وضعه في الحملة الجديدة على الإرهاب. وبعد غزو أفغانستان هناك مثلث إيران والعراق وسوريا، فكلهم داعمين للإرهاب، ويطورون أسلحة الدمار الشامل.quot; والسؤال المحير: كيف يمكن أن تتصور دولة صغيرة لا يزيد سكانها اليهود عن الأربعة مليون بأنها تستطيع السيطرة على منطقة يقارب عدد سكانها النصف مليار؟
يعتقد الكاتب بأن إسرائيل حاولت أن تعتمد على سياسة فرق تسد، وقد أكد ذلك بعرض ما كتبه الصحفي الإسرائيلي أوديد ينون لمؤتمر المنظمة الصهيونية العالمية لعام 1982 يقول: quot;علينا تحويل العالم العربي لموزيك مفكك من مجموعات عرقية وطائفية ضعيفة، يمكن أن تستغلها إسرائيل كما تشاء. كما أن خطة رجوع سينا لمصر خطة غبية، فكان يجب المحافظة عليها. وعلينا تحويل مصر لنمر من ورق، والعمل على تحطيمها اقتصاديا، وتفكيكها بصراع بين الأقباط والمسلمين. وبإضعاف مصر الموحدة للعرب، ستستطيع إسرائيل تفكيك باقي دول المنطقة والسيطرة عليها، لتحقيق حلم الإمبراطورية الإسرائيلية.quot; وفعلا بعد شهر من هذا المؤتمر، قام شارون بغزو لبنان وشرح أهداف الغزو بقوله: quot;التفكك الكلي للبنان لخمسة حكومات محلية هي سابقة يمكن تطبيقها على العالم العربي بأجمعه، ليشمل مصر وسوريا والعراق والخليج وبنفس الطريقة. فتتفكك مصر وبعدها العراق، إلى مناطق صغيرة من الأقليات العرقية والطائفية المتحاربة، تبعا للمثل اللبناني، وهو الهدف البعيد المدى لإسرائيل في الجبهة الشرقية. كما ستتفكك سوريا لدويلات صغيرة بتقسيمات عرقية كما في لبنان، ليكون هناك دويلة الشيعة العلويين، ومحافظة حلب كدويلة سنية، ومحافظة دمشق دويلة أخرى، إضافة للدويلات الشمالية. بل وتقسيم العراق أهم من تقسيم سوريا، فقوتها أكثر خطرا على إسرائيل. ويمكن تقسيم العراق إلى أقاليم ضمن التوزيع الطائفي كما في سوريا في عصر العثمانيين. فسيكون هناك ثلاث دويلات حول المدن الكبيرة، البصرة وبغداد وموصل، وستفصل بينها المناطق الشيعية في الجنوب، عن الشمال الذي يسكنه السنة.quot;
كما انتقد شارون مفهوم بعض السياسيين الأمريكيين لنظرية الاستقرار في الشرق الأوسط فعلق يقول: quot;فيجب أولا أن ندمر الأنظمة الإرهابية الثلاث الكبيرة: ايران والعراق وسوريا، وبعدها نستلم المملكة العربية السعودية... فالاستقرار مهمة أمريكية غير منتجة، ومفهوم خاطئ لا يستحق تأيده، فنحن لا نرغب في استقرار في ايران والعراق وسوريا ولبنان وحتى في العربية السعودية، نريد ان تتغير الأشياء، وحقيقة الموضوع ليس هل نخلق عدم استقرار في المنطقة، بل كيف سنقوم بذلك.quot;
وأكد الكاتب بأن هذه الرؤية لتقسيم المنطقة بدأت منذ بدأ الحركة الصهيونية، فقد كتب ميكل بار زوهار تعليق في مذكراته لبن جوريون عام 1956 يقول: quot;أبان التحضير لغزو قناة السويس، طرح بن جوريون خطة على الفرنسيين، مفادها بأنه بعد التخلص من عبد الناصر، يجب تقسيم الأردن، لتكون الضفة الغربية لإسرائيل، والضفة الشرقية للعراق، وتغير حدود لبنان لكي يكون جزءا منه لسوريا، ويكون الجزء الآخر حتى نهر الليطاني لإسرائيل، ويتحويل الباقي لدويلة مسيحية. وتوقع بأن توافق لبنان المسيحية على خطة سلام معها، كما سمح للعراق بأن تأخذ الضفة الشرقية بشرط أن توقع خطة سلام أخرى. أما مصر ستضطر الموافقة على اتفاقية سلام حسب الشروط الإسرائيلية.quot; ويعتقد البروفيسور صالح عبد الجواد بأن بن جوريون طور نظريتين لمحاربة العرب: النظرية الأولى مرتبطة بالتحالف مع الأطراف، ويعني بأن إسرائيل تحتاج للتحالف مع دول معارضة للقومية العربية، لخلق صراع بمفهوم بيننا وبينهم، والذي أشتهر بعدها بصراع الحضارات. بينما سمى النظرية الثانية بنظرية التطويق، وذلك بخلق إسرائيل طوق من الأعداء حول العرب، بتطوير علاقات إستراتيجية مع تركيا وإيران والهند وأفريقيا وخاصة أثيوبيا.quot;
فنلاحظ كيف طبقت إسرائيل نظرية فرق تسد في العراق وفلسطين، وقد علق الأكاديمي الفلسطيني كرما نابلسي على ما حققته إسرائيل من خلال أبحاثها النفسية لمجتمع المفكك بالفوضى المصطنعة بالقول: quot;أن الشعبين الفلسطيني والعراقي يعيشون بالمنظور الإسرائيلي لما يسمى بمجتمع الفوضى المتعمدة، وهو المجتمع المتقطع والعنيف والمحطم، والذي لا حول له ولا قوة، ويحكم من قبل ميليشيات متحاربة وعصابات ومتزمتين دينيين، والمتطرفين والمنشقين في قبائل مذهبية، وبعض العصابات المتعاونة مع العدو.quot; ويؤكد كوك بأن كل هذه التغيرات الفوضوية مخالفة للإستراتيجية الأمريكية للمنطقة، والتي عبر عنها كنيث بولوك، أحد مخططي السياسة الأمريكية بالقول: quot;الإستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط منذ عام 1978 تعتمد على ضمان استمرار تدفق النفط، ومنع هيمنة القوى الأخرى على المنطقة، وضمان بقاء إسرائيل كدولة مستقلة، مع المحافظة على علاقات مستقرة مع الدول العربية المجاورة.quot; فتلاحظ عزيزي القارئ كيف يعمل جناح المتطرفين في إسرائيل لفرض هيمنته على المنطقة بتفكيكها بصراعات طائفية قبلية، وبتحديه لمصالح الولايات المتحدة، من خلال لوي ذراع الكونجرس الأمريكي والحكومة الأمريكية بقوة لوبياته المتطرفة في الولايات المتحدة. والسؤال: هل ستعي شعوب منطقة الشرق الأوسط لهذه الخطط المدمرة؟ وهل ستشرع برلماناتها قوانين تحمي مجتمعاتها من أخطار الطائفية؟ وهل ستتعاون دولها لتحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة؟
سفير مملكة البحرين في اليابان