من مفكرة سفير عربي في اليابان
تابعت في الأسبوع الماضي مقال للأستاذ سامي البحري، كاتب الطرفة والفكرة، والتي نشرتها صحيفة إيلاف الالكترونية وبعنوان، أعتقد أنني سبب الأزمة المالية العالمية. يقول الكاتب: quot;أتذكر عندما كان والدي رحمه الله في مصر يتعارك معنا لأننا تركنا نور الحمام أو المطبخ بدون أن نغلقه، وكان يتخانق معنا بشدة لترك صنبور المياه على الفاضي والمليان، وكان من رابع المستحيلات أن نلقي طعاما فائضا، لأنه لم يكن هناك فائضا من ناحية، ومن ناحية أخرى كنا نرسل الطعام الفائض(إن وجد) إلى فقراء الحي، والذين لم يكونوا أكثر منا فقرا بكثير... أما إذا لم يرض بفائض الطعام الفقراء، فمصير الفائض إلى عشة الفراخ في السطوح، وفي ذلك الوقت إذا أردت أن تبحث في الزبالة فلن تجد الكثير.quot; ويقارن الكاتب تلك الظروف، بظروف حياته الجديدة في الولايات المتحدة، والتي انعكست بكثرة الزبالة المليئة بالطعام.
كما ناقش الأستاذ البحيري حواره مع بائع السيارات الأمريكي، وعن نصيحة والدته رحمها الله حول القروض: quot;إللي ما عندوش ما يلزموش.quot; ووصف كيف أن شرح فلسفة هذه المقولة للبائع أدى لرفع حاجبه الأيمن وخفض الأيسر وليندهش بقوله: quot;فلسفة غريبة ومن شأنها هدم الاقتصاد الأمريكي القائم على السلف.quot; ومنها تبدأ قصة رحلة الأستاذ البحيري مع الحلم الأمريكي ذات الألف ميل، والتي تتقدمها إستصدار كارت فيزا لشراء المنتجات بالسلفه، ولتنتهي بفلسفة quot;أصرف ما في الجيب ليأتيك ما في الغيب.quot; والسؤال: هل فعلا القناعة والبساطة والادخار وتجنب البذخ هي سبب أزماتنا الاقتصادية؟
لنحاول عزيزي القارئ أن نتدراس هذا الموضع من خلال مقال يقارن بين بلدين غنيين أحدهما تصرف ما في الجيب وتستلف، والأخرى تدخر لما في الغيب وتقرض، للاقتصادي البريطاني ديفيد هوول عضو مجلس اللوردات، والوزير السابق المسئول عن الإصلاحات الاقتصادية في حكومة مارجريت تشر. فقد كتب في مقاله وبعنوان، أنقاد اقتصادنا الغارق، بصحيفة اليابان تايمز الصادرة في الخامس من مارس الحالي، يقول: quot;النظرة السريعة للوضع الاقتصادي والسياسي الذي تواجه اليابان تبدو مشابه للوضع البريطاني. فهناك انخفاض متشابه في الإنتاجية وإغلاق المصانع وارتفاع نسب البطالة، مع رؤساء حكومات فقدوا شعبيتهم. وفي الواقع أن هذا التشابه سطحي، بينما في العمق نجد إحصاءات مخيفة وأسباب معقدة وظروف مختلفة بين البلدين. ومن المهم معرفة هذه الأسباب لتساعدنا للتخلص، من فقد الثقة وانهيار السوق والخوف العام، الذي دفع الاقتصاد العالمي للتوقف.quot;
ويعتقد الكاتب بأن الاختلاف الأساسي بين اقتصاد البلدين، هو أن بريطانيا هي من أكثر الدول مديونية في العالم المتطور، وقريب مديونيتها من الولايات المتحدة، أما اليابان فتعتبر أكثر الدول الدائنة بمدخراتها الهائلة. فبريطانيا مديونة لقمة رأسها، الشعب والحكومة معا، ومع ذلك يحاولون الحصول على ديون أكثر، بينما تمتلئ كنوز اليابان بدولارات كثيرة، والتي جمعت من تصدير منتجاتها، ومن ادخار ربات بيوتها. ومع أن ديون الحكومة اليابانية كبيرة، ولكن لا توجد في اليابان ظاهرة القروض الشخصية التي تعتمد على البطاقات الإتمانية، أو رهن المنازل. وبينما تدعو ثقافة الغرب لصرف ما في الجيب، لينسى البريطانيون والأمريكيون معنى الادخار، تصر الأخلاقيات اليابانية على الادخار للأيام الصعبة. ولذلك يمكن تمويل عجز ميزانية الحكومة اليابانية بسهولة، من جبال نقود الادخار المحلي للشعب الياباني، والتي تستمر في الازدياد حتى في هذه الأيام الصعبة.
ومشكلة اليابان هو أن سوق صادراتها العالمية قد تبخرت، وخاصة السوق الأمريكية. وفي الوقت الذي انشغل أصحاب القرار في بريطانيا بفصل الديون والقروض السامة التي جمعتها بنوكهم عبر السنين، لتستطيع الإقراض من جديد، منشغل اليابانيون في دراسة كيفية زيادة التصدير لتشغيل المصانع. وتعاني الصين من نفس مشكلة اليابان وبدرجة أكبر، حيث أن بعض مدنها التي تعتمد بالكامل على التصدير، قد أغلقت مصانعها بين ليلة وضحاها لتوقف الطلب على منتجاتها في الخارج. وفي الوقت الذي على بريطانيا تنظيم بنوكها من جديد، يجب على اليابان أن تساعد الدول التي دمرتها الديون السامة، لكي تستطيع أن تستدين لتشتري منتجاتها اليابانية. وأحد الحلول المطروحة لهذه الأزمة، هي العمل على زيادة طلبات التصدير لتتحسن أوضاع الجميع، وقد يرافق ذلك توازن جديد، بعد سنوات من زيادة الديون الغربية وتجمع جبال النقود الادخارية الآسيوية.
وقد يحتاج العالم لخطة مارشال جديدة، فبعد الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة الدولة الدائنة الكبرى، فاستخدمت أموالها بحكمة لتعيد زيادة الاستثمار في أوربا المدمرة واليابان، وبشروط كريمة. وقد أدى ذلك لزيادة الإنتاجية، وتقوية الاقتصاد العالمي، ليزداد الحاجة للمنتجات الأمريكية، فتزداد إنتاجيتها وتتطور صناعتها، مما أدى لإزهار الاقتصاد الأمريكي بزيادة التصدير. وعلى اليابان الدولة الدائنة الكبرى اليوم، أن تلعب دورا بخطة جديدة تساعد الولايات المتحدة وبريطانيا والتي تعتبر في قمة الدول المديونة. وقد أكدت السيدة هيليري كلنتون في زيارتها الأخيرة لليابان على أهمية تعاون البلدين لمشاركة الازدهار والأمن. ويعقب الكاتب على تلك الزيارة بالقول: quot;وكان موضوع زيارتها الأساسي هو المعني وراء مشاركة الازدهار، والتي قصدت بها: رجاءا هل ممكن أن تسترجع أمريكا، المديونة والفاقدة الأمل، بعض دولاراتها. ورجاءا هل ممكن أن تلغي بعض الديون الأمريكية أو تخفض. فالوضع الحقيقي بين الولايات المتحدة المكسورة واليابان، يشابه وضع الزبون المترهل بالديون يطلب من مدير بنكه أن يشاركه في أمواله، بإلغاء ديونه وإقراضه مبالغ كبيرة جديدة.quot;
ويؤكد الكاتب بأن اليابانيون بدءوا فعلا شراء الاستثمارات الخارجية الرخيصة، وإذا استمروا في ذلك، قد ينتعش الاقتصاد العالمي، فيزداد الطلب على منتجاتهم وترتفع جبال دولاراتهم الادخارية من جديد. وهذا هو الحل الأمثل بدل محاولة الحكومة تشجيع اليابانيون على زيادة الاستهلاك، لتغير عادتهم في الادخار. وعلى بريطانيا أن تعلم شعبها الادخار، ليعيشوا حسب إمكانياتهم ويحافظوا على عملتهم قوية. ولن تستطيع اليابان الهروب من أزمة تجارة العولمة التي أصابت الجميع، ومع صعوباتها، فهي في وضع أفضل، وعليها أن تجد طريقا لتنقد نفسها قبل فوات الأوان، وتساعد العالم لكي يتعافى.
ومع أن من أخلاقيات الشعب الياباني المحافظة على نصائح الأستاذ البحيري في كفاءة استهلاك الطاقة والمياه، ولكن يخالفه بزيادة رمي الزبالة. فاليابان مشهورة بكفاءة صناعاتها في استهلاك الطاقة وتجنب تلويث البيئة، كما أن الشعب الياباني يحترم الطبيعة ويحافظ عليها من التلوث، والقوانين اليابانية صارمة جدا لصنع أجهزة عالية الكفاءة في استهلاك الطاقة والمحافظة على البيئة. والمشكلة في اليابان هو حب شعبه للأطعمة الطازجة وخاصة السوشي والساشامي. فمع أن الشعب الياباني يحب البساطة ويتجنب التبذير ولكنه يهتم بغذائه ويفضله طازجا، مما يؤدي لتخلص الأسواق والمدارس والمطاعم والمنازل من كميات هائلة من الأغذية يوميا. وقد علق فليب بريزر على ذلك في مقال بصحيفة اليابان تايمز في الحادي من شهر مارس الحالي يقول فيه:quot; تقدر وزارة الزراعة اليابانية بأنه في عام 2007 ألقيت ثلاثة وعشرين مليون طنا من الأغذية في الزبالة، ويقدر قيمتها بحوالي أحد عشر تريليون ين ياباني، كما احتاج التخلص منها لحوالي الاثنين تريليون ين.quot; فتصور عزيزي القارئ تكلفة عادة رمي الطعام في الزبالة تكلف اليابان حوالي مائة وثلاثين مليار دولار، وتمثل هذه النسبة 30% من مجموع الزبالة، والتي تقدر بستة الآلف طن يوميا، والتي تكفي لتغذية أربعة ونصف مليون شخص يوميا. والغرابة هو في أن الاكتفاء الذاتي للغذاء في اليابان، لا يزيد عن 40%، وهي النسبة الأدنى بين دول مجموعة السبع الغنية، فهي تستورد 60% من حاجاتها الغذائية من الخارج. ومشكلة الطعام في اليابان هو في عادة أكل السمك الني والذي يجب أن يكون طازجا لمنع تكاثر الجراثيم فيه. وتعتمد سمعة شركات الأطعمة على توفيرها الأطعمة الطازجة، ويعاقب المواطن الياباني شركات الأطعمة المشكوك فيها بالإفلاس، كما أن القوانين صارمة جدا ضد الأطعمة الفاسدة. والجدير بالذكر بأن الشركات اليابانية تنقل هذه الزبالة، بكفاءة كبيرة، إلى مصانع تحولها لمواد مفيدة كالصمغ وأغذية للطيور والحيوانات.
فتلاحظ عزيزي القارئ كيف أن العمل المتقن والإنتاجية المبدعة تزيد الصادرات، وتنعش الاقتصاد. كما أن حياة البساطة والقناعة والادخار تزيد من أموال الدولة وتحمي مواطنيها في الأيام الصعبة. والسؤال: هل ستستفيد مجتمعاتنا من هذه التجربة لإرجاع تقاليد مجتمعنا الشرقية بفلسفة quot;إللي ما عندوش ما يلزموش.quot;؟
سفير مملكة البحرين في اليابان
كما ناقش الأستاذ البحيري حواره مع بائع السيارات الأمريكي، وعن نصيحة والدته رحمها الله حول القروض: quot;إللي ما عندوش ما يلزموش.quot; ووصف كيف أن شرح فلسفة هذه المقولة للبائع أدى لرفع حاجبه الأيمن وخفض الأيسر وليندهش بقوله: quot;فلسفة غريبة ومن شأنها هدم الاقتصاد الأمريكي القائم على السلف.quot; ومنها تبدأ قصة رحلة الأستاذ البحيري مع الحلم الأمريكي ذات الألف ميل، والتي تتقدمها إستصدار كارت فيزا لشراء المنتجات بالسلفه، ولتنتهي بفلسفة quot;أصرف ما في الجيب ليأتيك ما في الغيب.quot; والسؤال: هل فعلا القناعة والبساطة والادخار وتجنب البذخ هي سبب أزماتنا الاقتصادية؟
لنحاول عزيزي القارئ أن نتدراس هذا الموضع من خلال مقال يقارن بين بلدين غنيين أحدهما تصرف ما في الجيب وتستلف، والأخرى تدخر لما في الغيب وتقرض، للاقتصادي البريطاني ديفيد هوول عضو مجلس اللوردات، والوزير السابق المسئول عن الإصلاحات الاقتصادية في حكومة مارجريت تشر. فقد كتب في مقاله وبعنوان، أنقاد اقتصادنا الغارق، بصحيفة اليابان تايمز الصادرة في الخامس من مارس الحالي، يقول: quot;النظرة السريعة للوضع الاقتصادي والسياسي الذي تواجه اليابان تبدو مشابه للوضع البريطاني. فهناك انخفاض متشابه في الإنتاجية وإغلاق المصانع وارتفاع نسب البطالة، مع رؤساء حكومات فقدوا شعبيتهم. وفي الواقع أن هذا التشابه سطحي، بينما في العمق نجد إحصاءات مخيفة وأسباب معقدة وظروف مختلفة بين البلدين. ومن المهم معرفة هذه الأسباب لتساعدنا للتخلص، من فقد الثقة وانهيار السوق والخوف العام، الذي دفع الاقتصاد العالمي للتوقف.quot;
ويعتقد الكاتب بأن الاختلاف الأساسي بين اقتصاد البلدين، هو أن بريطانيا هي من أكثر الدول مديونية في العالم المتطور، وقريب مديونيتها من الولايات المتحدة، أما اليابان فتعتبر أكثر الدول الدائنة بمدخراتها الهائلة. فبريطانيا مديونة لقمة رأسها، الشعب والحكومة معا، ومع ذلك يحاولون الحصول على ديون أكثر، بينما تمتلئ كنوز اليابان بدولارات كثيرة، والتي جمعت من تصدير منتجاتها، ومن ادخار ربات بيوتها. ومع أن ديون الحكومة اليابانية كبيرة، ولكن لا توجد في اليابان ظاهرة القروض الشخصية التي تعتمد على البطاقات الإتمانية، أو رهن المنازل. وبينما تدعو ثقافة الغرب لصرف ما في الجيب، لينسى البريطانيون والأمريكيون معنى الادخار، تصر الأخلاقيات اليابانية على الادخار للأيام الصعبة. ولذلك يمكن تمويل عجز ميزانية الحكومة اليابانية بسهولة، من جبال نقود الادخار المحلي للشعب الياباني، والتي تستمر في الازدياد حتى في هذه الأيام الصعبة.
ومشكلة اليابان هو أن سوق صادراتها العالمية قد تبخرت، وخاصة السوق الأمريكية. وفي الوقت الذي انشغل أصحاب القرار في بريطانيا بفصل الديون والقروض السامة التي جمعتها بنوكهم عبر السنين، لتستطيع الإقراض من جديد، منشغل اليابانيون في دراسة كيفية زيادة التصدير لتشغيل المصانع. وتعاني الصين من نفس مشكلة اليابان وبدرجة أكبر، حيث أن بعض مدنها التي تعتمد بالكامل على التصدير، قد أغلقت مصانعها بين ليلة وضحاها لتوقف الطلب على منتجاتها في الخارج. وفي الوقت الذي على بريطانيا تنظيم بنوكها من جديد، يجب على اليابان أن تساعد الدول التي دمرتها الديون السامة، لكي تستطيع أن تستدين لتشتري منتجاتها اليابانية. وأحد الحلول المطروحة لهذه الأزمة، هي العمل على زيادة طلبات التصدير لتتحسن أوضاع الجميع، وقد يرافق ذلك توازن جديد، بعد سنوات من زيادة الديون الغربية وتجمع جبال النقود الادخارية الآسيوية.
وقد يحتاج العالم لخطة مارشال جديدة، فبعد الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة الدولة الدائنة الكبرى، فاستخدمت أموالها بحكمة لتعيد زيادة الاستثمار في أوربا المدمرة واليابان، وبشروط كريمة. وقد أدى ذلك لزيادة الإنتاجية، وتقوية الاقتصاد العالمي، ليزداد الحاجة للمنتجات الأمريكية، فتزداد إنتاجيتها وتتطور صناعتها، مما أدى لإزهار الاقتصاد الأمريكي بزيادة التصدير. وعلى اليابان الدولة الدائنة الكبرى اليوم، أن تلعب دورا بخطة جديدة تساعد الولايات المتحدة وبريطانيا والتي تعتبر في قمة الدول المديونة. وقد أكدت السيدة هيليري كلنتون في زيارتها الأخيرة لليابان على أهمية تعاون البلدين لمشاركة الازدهار والأمن. ويعقب الكاتب على تلك الزيارة بالقول: quot;وكان موضوع زيارتها الأساسي هو المعني وراء مشاركة الازدهار، والتي قصدت بها: رجاءا هل ممكن أن تسترجع أمريكا، المديونة والفاقدة الأمل، بعض دولاراتها. ورجاءا هل ممكن أن تلغي بعض الديون الأمريكية أو تخفض. فالوضع الحقيقي بين الولايات المتحدة المكسورة واليابان، يشابه وضع الزبون المترهل بالديون يطلب من مدير بنكه أن يشاركه في أمواله، بإلغاء ديونه وإقراضه مبالغ كبيرة جديدة.quot;
ويؤكد الكاتب بأن اليابانيون بدءوا فعلا شراء الاستثمارات الخارجية الرخيصة، وإذا استمروا في ذلك، قد ينتعش الاقتصاد العالمي، فيزداد الطلب على منتجاتهم وترتفع جبال دولاراتهم الادخارية من جديد. وهذا هو الحل الأمثل بدل محاولة الحكومة تشجيع اليابانيون على زيادة الاستهلاك، لتغير عادتهم في الادخار. وعلى بريطانيا أن تعلم شعبها الادخار، ليعيشوا حسب إمكانياتهم ويحافظوا على عملتهم قوية. ولن تستطيع اليابان الهروب من أزمة تجارة العولمة التي أصابت الجميع، ومع صعوباتها، فهي في وضع أفضل، وعليها أن تجد طريقا لتنقد نفسها قبل فوات الأوان، وتساعد العالم لكي يتعافى.
ومع أن من أخلاقيات الشعب الياباني المحافظة على نصائح الأستاذ البحيري في كفاءة استهلاك الطاقة والمياه، ولكن يخالفه بزيادة رمي الزبالة. فاليابان مشهورة بكفاءة صناعاتها في استهلاك الطاقة وتجنب تلويث البيئة، كما أن الشعب الياباني يحترم الطبيعة ويحافظ عليها من التلوث، والقوانين اليابانية صارمة جدا لصنع أجهزة عالية الكفاءة في استهلاك الطاقة والمحافظة على البيئة. والمشكلة في اليابان هو حب شعبه للأطعمة الطازجة وخاصة السوشي والساشامي. فمع أن الشعب الياباني يحب البساطة ويتجنب التبذير ولكنه يهتم بغذائه ويفضله طازجا، مما يؤدي لتخلص الأسواق والمدارس والمطاعم والمنازل من كميات هائلة من الأغذية يوميا. وقد علق فليب بريزر على ذلك في مقال بصحيفة اليابان تايمز في الحادي من شهر مارس الحالي يقول فيه:quot; تقدر وزارة الزراعة اليابانية بأنه في عام 2007 ألقيت ثلاثة وعشرين مليون طنا من الأغذية في الزبالة، ويقدر قيمتها بحوالي أحد عشر تريليون ين ياباني، كما احتاج التخلص منها لحوالي الاثنين تريليون ين.quot; فتصور عزيزي القارئ تكلفة عادة رمي الطعام في الزبالة تكلف اليابان حوالي مائة وثلاثين مليار دولار، وتمثل هذه النسبة 30% من مجموع الزبالة، والتي تقدر بستة الآلف طن يوميا، والتي تكفي لتغذية أربعة ونصف مليون شخص يوميا. والغرابة هو في أن الاكتفاء الذاتي للغذاء في اليابان، لا يزيد عن 40%، وهي النسبة الأدنى بين دول مجموعة السبع الغنية، فهي تستورد 60% من حاجاتها الغذائية من الخارج. ومشكلة الطعام في اليابان هو في عادة أكل السمك الني والذي يجب أن يكون طازجا لمنع تكاثر الجراثيم فيه. وتعتمد سمعة شركات الأطعمة على توفيرها الأطعمة الطازجة، ويعاقب المواطن الياباني شركات الأطعمة المشكوك فيها بالإفلاس، كما أن القوانين صارمة جدا ضد الأطعمة الفاسدة. والجدير بالذكر بأن الشركات اليابانية تنقل هذه الزبالة، بكفاءة كبيرة، إلى مصانع تحولها لمواد مفيدة كالصمغ وأغذية للطيور والحيوانات.
فتلاحظ عزيزي القارئ كيف أن العمل المتقن والإنتاجية المبدعة تزيد الصادرات، وتنعش الاقتصاد. كما أن حياة البساطة والقناعة والادخار تزيد من أموال الدولة وتحمي مواطنيها في الأيام الصعبة. والسؤال: هل ستستفيد مجتمعاتنا من هذه التجربة لإرجاع تقاليد مجتمعنا الشرقية بفلسفة quot;إللي ما عندوش ما يلزموش.quot;؟
سفير مملكة البحرين في اليابان
التعليقات