توماس هوبز- الطبيعة الانسانية وقانون الغاب
تشكل نظريات العقد الاجتماعي من الناحية التاريخية والسوسيولوجية الفكرة المحورية للفلسفة السياسية الحديثة باعتبارها ثورة فكرية ترتبط بتطور المجتمع المدني والسلطة السياسية والدولة الحديثة. وتعود هذه الافكار في جذورها الى مفهوم quot; الحق الطبيعي quot;. فقد اشار غروتس المتوفي عام 1645 الى انه quot; يجب اقامة الدولة على الميل الطبيعي نحو العيش المأمون والمأمول عن طريق البحث عن قواعد تقوم على العقل quot;. وقد شكلت هذه المقولة تحولا اساسيا في فكرة الشرعية، حيث اصبحت السلطة، في المنظور العقائدي، مؤسسة انسانية تستمد شرعيتها من التعاقد بين الناس، وهو تعاقد منظم للحريات والحقوق، وبذلك اصبحت المشروعية السياسية والاجتماعية مرتبطة بالذات الانسانية كذات مسؤولة وفاعلة من حيث انها حرة. وقد شهدت هذه النظرية تطورا وصراعا بين تأويل الحق الى الخلق وتأويل يرجع الحق الى الطبيعة البشرية القائمة على العقل والتي تستند على اساس انطولوجي قوامه مبدأ المساواة.
تفترض نظريات العقد الاجتماعي وجود حالة طبيعية من الفطرة التي مثلت حياة الانسان البدائية القديمة حيث عاش الانسان حينذاك في حالة quot;لا اجتماعيةquot; يتمتع فيها الافراد بحقوق طبيعية، حيث كان الانسان القديم يعيش معزولا عن الاخرين ومدفوعا بغرائزه، وان طرق اشباع تلك الغرائز غير المنظمة دفعته الى الصراع مع الآخرين.
ان هذه الحالة quot; اللااجتماعية quot; دفعت اعضاء المجتمع، عن طريق الاتصال والحوار والتشاور والتفاهم، الى انهاء حالة الصراع والفوضى الدائمة، عن طريق اتفاق اجتماعي يستهدف اختيار سلطة سياسية يتنازل الافراد لها عن حقوقهم، وتقوم تلك السلطة باعادة توزيع الحقوق والواجبات على الافراد وتحقيق العدالة الاجتماعية. وقد اختلف العلماء حول طبيعة العامل الذي دفع الافراد الى القيام بمثل هذا العقد الاجتماعي والتخلص من حالة الفوضى والصراع المستمرة وكان في مقدمة هؤلاء العلماء توماس هوبز.
نظرية توماس هوبز
عكست نظرية توماس هوبز (1588-1679) الصراعات السياسية والاضطرابات الدينية التي قامت في أروبا خلال القرن السابع عشر وخصوصا حركات الاصلاح الديني والحرب الاهلية في انكلترا وما خلفته من صراع.
وتعتبر نظرية هوبز أهم عمل انتجه الفكر الانكليزي في الفلسفة السياسية التي انطلقت من رؤيته للطبيعة الانسانية التي تقوم على quot;الانانية الفرديةquot;. وهي رؤية ميكانيكية للكون والحياة والطبيعة. فالعالم عند هوبز يقوم على نظام ميكانيكي وكذلك الطبيعة الانسانية التي يتحكم فيها السلوك الميكانيكي، فهو يعتقد بان الطبيعة الانسانية تحكمها الانانية، لان السلوك الانساني هو نتيجة لعواطف وانفعالات واحاسيس، وهي صور متنوعة من الحركات الميكانيكية التي تصدر عن النفس الانسانية. وان جميع حركات البدن هي حركات ميكانيكية تصدر عن الدماغ. كما ان سلوك الانسان، من عواطف وانفعالات، ما هي الا حركات ميكانيكية توجه السلوك وتكيف العلاقات الاجتماعية.
عكست نظرية توماس هوبز (1588-1679) الصراعات السياسية والاضطرابات الدينية التي قامت في أروبا خلال القرن السابع عشر وخصوصا حركات الاصلاح الديني والحرب الاهلية في انكلترا وما خلفته من صراع.
وتعتبر نظرية هوبز أهم عمل انتجه الفكر الانكليزي في الفلسفة السياسية التي انطلقت من رؤيته للطبيعة الانسانية التي تقوم على quot;الانانية الفرديةquot;. وهي رؤية ميكانيكية للكون والحياة والطبيعة. فالعالم عند هوبز يقوم على نظام ميكانيكي وكذلك الطبيعة الانسانية التي يتحكم فيها السلوك الميكانيكي، فهو يعتقد بان الطبيعة الانسانية تحكمها الانانية، لان السلوك الانساني هو نتيجة لعواطف وانفعالات واحاسيس، وهي صور متنوعة من الحركات الميكانيكية التي تصدر عن النفس الانسانية. وان جميع حركات البدن هي حركات ميكانيكية تصدر عن الدماغ. كما ان سلوك الانسان، من عواطف وانفعالات، ما هي الا حركات ميكانيكية توجه السلوك وتكيف العلاقات الاجتماعية.
لقد وضع هوبز اذا أسس نظرية اخلاقية تقوم على الانانية الفردية التي ترتبط بالفكرة التي سادت انذاك، وهي ان الطبيعة الانسانية تقوم على تقبل اللذة ورفض الالم. ولذلك سعى الانسان جاهدا وبالضرورة الى الحصول على اللذة وتجنب الالم. ومثلما تنطبق هذه الفكرة على الانسان، تنطبق ايضا على المجتمع والنظم والعلاقات الاجتماعية والتي تعود في اساسها الى عوامل ذاتية تعود على الفرد بالمنفعة والشهرة والغنى. اما اساس التعامل الاجتماعي وقيام العلاقات الاجتماعية، فهو الخوف المشترك للافراد على ذواتهم،الذي يقوم على غريزة البقاء والمحافظة على الحياة.
الأنانية و قانون الغاب
ان طبيعة الانسان عند هوبز انانية وعدوانية، وهذه الانانية والعدوانية دفعت الافراد الى الصراع والاقتتال بعضهم مع البعض الآخر والى قيام الحروب بين البشر، انطلاقا من ان quot;الكل في حرب ضد الكلquot;. الا ان هذه العدوانية الذاتية هي نفسها التي تدفع الانسان للبحث عن الامان، لذلك يجنح الانسان الى استخدام القوة. وهكذا فالحياة تمثل حالة حرب دائمة بين الافراد، وان المجتمع البشري هو اشبه quot;بغابة من الذئابquot;، لان للطبيعة البشرية طبيعة حيوانية ومتوحشة، والقانون الذي يسود الحياة هو quot;قانون الغابquot; حيث يسيطر القوي على الضعيف. كما ان هذا القانون هو الذي يتحكم في العلاقات الاجتماعية، لان الانسان مجبول بالفطرة على استخدام القوة والخداع. وبسبب قانون الغاب هذا كان الانسان قد فقد جميع حقوقه الطبيعية، لان انانيته الذاتية دفعته الى استخدامه.
ان حالة الحرب الدائمة بين الانسان quot;الذئبquot; واخيه الانسان دفعت هوبز الى القول، بان حالة الحرب الدائمة تتعارض اساسا مع مبدأ حب البقاء والمحافظة على الحياة، لذلك لا يمكن للبشرية ان تستمر على هذه الحالة الى الابد، لان العقل البشري يعمل على تهذيب هذه الطريقة الحيوانية الانانية. ولكي يتمكن الانسان من التخلص من حالة الحرب المستمرة، بدأ يفكر بوجود قوة اخرى، غير مبدأ القوة، تضمن للمجتمع قدرا معينا من النظام، الذي يستطيع وضع حدا لهذه الحرب المستمرة ونشر الاستقرار والسلام. وهذه القوة البديلة، في رأي هوبز، هي هيئة او جماعة يخضع الافراد لها خضوعا مطلقا، وقد مثلها في شكل عملاق جبار او وحش هائل او تنين عظيم سماه quot; الليفياثانquot; Leviathan الذي يستطيع ان يفرض النظام بالقوة والخوف وبذلك يستطيع ان يجمع في يده جميع السلطات وتخضع له في الاخير جميع التنظيمات. ان هذا التنظيم الجديد هوquot; السلطة quot; التي تتكون بموجبها الدولة. ومن هنا فان هوبز يقابل بين الطبيعة البشرية التي تقوم على غريزة الانانية وحب الحرب والقتال، وبين التنظيم العقلي الذي يقهر الطبيعة البشرية وانانيتها. ولكي يكسب هوبز القوة القهرية قدرا من الشرعية لجأ الى quot;العقد الاجتماعيquot; كتبرير لها.
العقد الاجتماعي
يمثل العقد الاجتماعي تعاقدا وهميا نشأ عن اتفاق بين الافراد او بين البعض منهم. و بموجب هذا الاتفاق يتنازل الافراد عن جميع حقوقهم لفرد واحد. وهذا الفرد هو حر التصرف في استخدام القوة. والافراد يفعلون ما هو مطلوب منهم ومرغمون على عمل ذلك، لان الفرد الذي تنازلوا له عن حقوقهم يملك وسائل القوة والقهر، ومن يخرج عليه يقابل بالعقاب. وبذلك يستطيع فرض سلطته وتحقيق الاستقرار في المجتمع. وبهذا يصبح الفرد، الذي يملك القوة والقهر quot;ليفياثانquot;، أي الرئيس الاعلى للجماعة الذي يجمع بيديه جميع السلطات ويدين له الكل بالطاعة المطلقة، فهو الملك المستبد الذي quot;لا يمثل طرفا في العقدquot;، له الحق في ان يفعل ما يشاء دون حساب وليس لرعاياه الحق ان يسلبوه ما قد وهبوه او نزع السلطة منه تحت أي ظرف من الظروف. يصبح هوبز هنا نصير الحكم المطلق غيرالمشروط, وان أي تقييد لهذه السلطة يتعارض وروح العقد الاجتماعي. كما ان أي تغيير بجري في هذا العقد يتعارض وقوانين الدولة ويعتبر جرما وتمردا. كما ان هذا العقد يهدف الى تشكيل اكبر آلة من الآلات وهي الدولة التي وظيفتها إلغاء اهوال الحالة اللااجتماعية والفوضى والصراع وابادة كل الوحوش التي من شأنها ان تهدد الامن والسلام الاجتماعي، وعلى رأسها quot;اليهموتquot; Behemoth، الذي يمثل التمرد. وما الدولة في الحقيقة الا أقوى الوحوش جميعا، وهي quot;الليفياثانquot;، الاله الفاني، الذي يحكم على طريقته والذي امامه تخرس ارادة أي فان آخر.
لقد ادرك هوبز جيدا سمة العصر الذي عاشه حيث كانت التجارة والصناعة فيه لا تزال قليلة التطور وينبغي تشجيعها. وهذا ما ركزت عليه النظرية التجارية الماركنتالية جوهريا، وهي ضرورة تدخل الدولة لحماية التجارة والصناعة وتنميتها. وبذلك كان هوبز كما يقول هوركهايمر المبشر الذي اعلن عن بداية النظام البرجوازي الجديد.
اشكالية النظام
يقول هوبز في مقولة مشهورة له : quot;ان العقول بدون قوة السيف ليست سوى كلمات لا قدرة لها ابدا على المحافظة على حياة الانسان، وان الكلمات اصعب من ان تستطيع ردع طموح الافراد او غضبهم او انفعالاتهمquot;. ان هذا النص يعكس لنا منطق القوة والقهر الذي يتضمنه القانون الذي يمارسه النظام الاجتماعي الجديد الذي يكتسب شرعية من العقد الاجتماعي، الذي هو بحسب هوبز، ناتج عن وجود واقع امبريقي مملوء بالفوضى والصراع، وان حل هذا الواقع سوف يحل مشكلة النظام.
ان رؤية هوبز لمفهوم النظام تكشف لنا عن معان قيمية وآيديولوجية، وان مشكلة النظام ما هي الا تجسيدا واقعيا لهذه الآيديولوجية التي تعكس في الاخير تحيزا واضحا ودفاعا لحكم الملكية المستبدة لاسرة آل ستيوارت بعد قيام اول ثورة شعبية وتأسيس اول جمهورية في بريطانيا، هي جمهورية كرومويل.
ومن جهة اخرى، فان نظرية هوبز تعكس مشكلة فلسفية تتعلق بالطبيعة البشرية الانانية حيث رفض هوبز حرية الارادة كمفهوم من شأنه ان يكون لحظة جوهرية تجمع كل الناس بلا تمييز بين صغير وكبير، وغني وفقير، وتساوى بينهم- كما في فلسفة عصر التنوير. وان حرية العقل التي سلم بها هوبز هي على العكس من ذلك، فهي تبرز قبل كل شيء، اختلافات الوضع الاجتماعي.
تقوم فلسفة هوبز على عنصرين هما اللذة والالم، المحفزان الوحيدان لافعال البشر. واذا كانت الحياة هي الخير الأعظم، فان الموت هو شر المصائب. وبهذا تكون الحياة البشرية مهددة باقصى تهديد. واذا كان كل فرد يمتلك، بموجب قانون الغاب، حقا طبيعيا في كل شيء، فان عليه ان يكون منتبها دوما لكي لا يكون ضحية فيفتك به الأقوى، والاضعف ايضا الذي يستطيع ان يسلب من الاقوى خيره الاعظم : الحياة. ان الحالة الطبيعية تتميز بشهوة الفرد المعزول واللا محدود، ولكن بخوفه ايضا من أي شيء آخر سواه. وهذا الخوف يولد بدوره الحاجة للأمن، وتولد الحاجة الى الأمن التأهب للتخلي عن الحرية الشخصية اللامحدودة من اجل التمتع بسلام وبحرية محدودة. وهكذا فان quot;العقد الاجتماعيquot; حسب هوركهايمر، quot;هو نتاج الخوف والرجاء. انه تسوية بين عدوانيتنا اللامحدودة وجزعنا اللامتناهيquot;. وقد ادرك اساتذة جامعة اكسفورد وطلابها جيدا، الذين ادانوا اراء هوبز واحرقوا كتبه، الخطر الذي تمثله نظريات العقد الاجتماعي والحق الطبيعي الذي دعا اليه.
ان فكرة كون الدولة والمجتمع مدينيين بوجودهما وشرعيتهما الى ارادة الشعب وان هدفهما هو خير الشعب، يتناقض في الحقيقة والواقع مع تصور هوبز، ذلك التصور الذي يؤكد على ان الملوك ومعهم كل النظم والمؤسسات والدولة، هم من خلق الله، وان التقاليد كانت مكرسة لتبرير المعايير والامتيازات والتسلط. ومع ذلك، فان مفهوم هوبز للحق الطبيعي يجمع بنفس الوقت العناصر المؤسسة لحقوق الانسان بمفهومها الحديث.quot; فالحق الطبيعي هو الحرية التي يملكها كل انسان في ان يستعمل كما يشاء قدراته الخاصةquot;. هذا التعريف لا يخلو، في الحقيقة من دلالة تعاقدية، وهو يشير الى فلسفة الحداثة التي تجمع فكرة الحق بالحرية والذاتية والتعاقد الاجتماعي لتشكل الاساس الفلسفي لمنظومة حقوق الانسان في مفهومها الحديث.
المصادر :
Murray Dickson,Thomas Hobbes, Leviathan,A summary with comments,London,19911 -
Heinrich Schmidt, T.Hobbes,Philosophisches Woerterbuch,Kroener,Bd,13,Stuttgart 1965 2-
3-Richard Peters,Hobbes,London, Penguin 1956
4- هوركهايمر، بدايات فلسفة التاريخ، بيروت 1981
5- احمد الخشاب، التفكير الاجتماعي، القاهرة 1981
6- محمد سبيلا، الفلسفة الحديثة ومفهوم حقوق الانسان، مجلة النور العدد 163 -164، لندن 2005
التعليقات