فى كل مرة يتحدث الرئيس مبارك عن مستقبل الحكم فى مصر يزيد الأمور تعقيدا،لأنه ينفى تماما أن فكرة ترشيح جمال مبارك قد تم مناقشتها بشكل جدى ولو حتى فى اطار أسرة الرئيس. فى لقاءه مع شارل روز، المذيع الشهيرفى محطة PBS العامة بامريكا، نفى الرئيس حتى مجرد كلام جمال معه فى هذا الموضوع!!!. وقال الرئيس مبارك أن quot; جمال لم يتكلم معه بشأن ترشيحه لرئاسة الجمهوريةquot;.. والسؤال لمن صيغت هذه المادة العجيبة76 إذن فى الدستور والتى لا يوجد مثيل لها فى أى دستور فى العالم؟ ولا اطول منها كذلك.
رحلة أمريكا ولقاءات واشنطن لن تشفى غليل المواطن المصرى فى معرفة مستقبل نظام الحكم فى بلده، وحتى لو تم مناقشة مثل هذه الامور على هامش اللقاء فلن يتم الإفصاح عن أى تفاصيل فى العلن بل سيكون النفى هو سيد الموقف.
سألت مدير مركز أبحاث أمريكى ومن المقربين لكافة الإدارات الأمريكية على مدى سنوات طويلة، وهو ينتمى إلى اليهود الليبراليين، هل تعتقد أن اوباما سيعترض على طرح أسم جمال مبارك كرئيس لمصر بعد والده؟،فأجاب بالتأكيد لا.سألته لماذا هو متأكد من الرد الإيجابى من أوباما؟ فرد قائلا لأن أوباما لا يعرف أن يفرض شيئا على أحد ولا يملك هذه الشخصية القوية الضاغطة، هو ملأ البيت الأبيض كلام على مدى ستة أشهر بدون فعل واضح يترجم جزء من هذا الكلام إلى عمل.
قلت له معنى هذا إنه لن يستطيع الضغط على أوباما لوقف الاستيطان؟ فقال بالتأكيد نعم، ولهذا فهو طرح على 7 دول عربية اتخاذ خطوات تطبيعية تجاه إسرائيل تجعل طلبه مقبولا ولو حتى لوقفها أثناء فترة المفاوضات... ولأن العرب لن يقبلوا هذا بسهولة، ولأن نيتنياهو أيضا لن يوقف المد الإستيطانى فأن الرئيس مبارك طالب الإدارة الأمريكية بسرعة طرح خطتها حتى بدون وقف الاستيطان وبدون هذه الإجراءات التطبيعية.
والسؤال هل ستبادر الإدارة الأمريكية إلى طرح خطتها فى سبتمبر القادم بدون وعود بوقف الإستيطان من جانب إسرائيل والتطبيع من جانب العرب؟
فى تقديرى هذا يتوقف أيضا على رؤية إسرائيل لهذه الخطة والتى سوف يتم مناقشتها مع الجانب الإسرائيلى بالتفصيل.
فى تصورى أن جولات ميتشل المتعددة فى منطقة الشرق الأوسط وخبراته التفاوضية المميزة جعلته يصل إلى الحقيقة التى يعرفها الجميع وهى أن قضايا الحل النهائى سوف تفجر الموقف برمته، ولهذا يستحسن العودة لطريقة تهدئة الصراع أولا ثم طرح قضايا الحل قطعة قطعة حتى لا يصطدم بالقضايا المعقدة، وسوف تستغرق هذه المسائل السنوات الثلاثة القادمة فى فترة اوباما بحيث لا تجعل هذا الملف يعوق فوزه مرة أخرى بالرئاسة لفترة ثانية.
من ناحية أخرى يشكك العديد من خبراء الشرق الاوسط فى مدى فاعلية التفاوض قطعة قطعة للوصول للحل النهائى،ويفضل بعضهم طرح قضايا الصراع كله مرة وأحدة وبشكل أمريكى ودولى ضاغط وصادم للمترددين والمتاجرين بالقضية والذين تمنعهم الحسابات السياسية الكثيرة عن الخوض بجرأة فى تفاصيل الصراع.
ومن هؤلاء خطة تقدم بها أربعة من المسئولين السابقين والذين لديهم دراية واسعة بالشرق الاوسط وهم: الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر، ووزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر،وبرينت سكوكروفت، مستشار الأمن القومى فى إدارتى جيرالد فورد وجورج بوش الأب، وزبينيو بريجينسكى مستشار الأمن القومى السابق فى إدارة كارتر.وقد طرحوا خطة متكاملة من خلال ورقة معدة فى مؤسسة سلام الشرق الاوسط بواشنطن وتتضمن الخطة تعديلات صغيرة على التفاوض على حدود 67، وتعويض اللاجئين بديلا عن حق العودة، وإنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح ومراقبة دوليا،وبأن تكون القدس عاصمة للدولتين.. وهذه الخطة كما نعلم مقبولة من القطاع الاكبر من اليهود الليبرايين وكذا من قطاع كبير من العرب المعتدلين، ولكنها مرفوضة من اليمين اليهودى ومن التيارات الإسلامية والقومية فى المنطقة الذين ينادون بالعودة لحدود 1967 كاملة وبدولة فلسطينية مكتملة السيادة.
هذا الجانب المتعلق بقضية فلسطين لن يكون فيه خلاف مع إدارة اوباما، لأن الإدارة فى حالة استماع وتشاور مع حلفائها فى الشرق الأوسط وفى مقدمتهم مصر بالطبع.
حسنا.. وبالطبع ملف الديموقراطية لن يكون فيه خلاف كثير لأنه غير مطروح على أجندة اولويات هذه الإدارة.
الأكثر سخونة، وليس أهمية، هو ملف الأقباط، لأن ملف الديموقراطية يتعلق بتحسين التنافسية السياسية والمناخ العام السياسى أما ملف الأقباط فيتعلق بوقف العنف وإتاحة الحرية الدينية للأقلية المسيحية فى مصر، وخاصة أن عدد من المنظمات الحقوقية الكبرى فى العالم بدأت فى أعداد ملفات عن الحريات الدينية والعامة فى مصر تماشيا مع خضوع مصر عام 2010 للمراجعة والتفتيش من قبل مجلس حقوق الإسان التابع للأمم المتحدة.
نشاط فيما يتعلق بالملف القبطى
ولهذا السبب حظى الملف القبطى بأكثر من تغطية وخطابات عاجلة للرئيس أوباما،فقد ارسلت لجنة الحريات الدينية رسالة عاجلة للرئيس اوباما قبل لقاءه بالرئيس المصرى حظى الموضوع القبطى بجانب كبير منها، وهى لجنة مستقلة وهامة تم إنشاءها بمقتضى قانون الحريات الدينية لعام 1998.
وفى نفس الوقت ارسلت منظمة هيومن رايتس فيرست، وهى منظمة حقوقية معروفة يتزايد نفوذها باطراد فى واشنطن، خطابا للرئيس اوباما تطالبه فيه بالتحدث إلى ضيفه المصرى بوقف اضطهاد الأقباط وتسهيل مهمة بناء الكنائس وتطبيق آلية التمييز الإيجابى عليهم كما حدث مع الاقلية السوداء فى امريكا من قبل.
أما الأقباط فقد نشروا ثلاثة صفحات إعلانية فى صحيفة الواشنطن تايمز، صفحتين يوم الاثنين 17 اغسطس وصفحة أخرى يوم الثلاثاء 18 أغسطس.
والصفحات الثلاثة كل منها تناولت موضوع محدد بذاته، صفحة عبارة عن رسالة عاجلة للرئيس اوباما تقول له ذكر ضيفك بأن السلام يبدأ داخل وطنه اولا، وذكرت لاوباما الكثير عن أوضاع الأقباط من وجهة نظر قبطية وهى مسائل باتت معروفة مثل القيود على الحريات الدينية، والتمثيل الضئيل فى المجالس النيابية المنتخبة، والعنف ضد الأقباط والذى تجاوز المائتى حادثة كبيرة فى عهد مبارك كما جاء فى الاعلان.
أما الصفحة الاعلانية الأخرى فهى رسالة إلى الرئيس مبارك تقول له فيها أن التمييز ضد الاقباط هو نتيجة لسياسات حكومتك... وعنوان الرسالة بالخط الكبير quot; السيد مبارك أنت المسئولquot;، وجوهر الاعلان أن الرئيس مبارك هو المسئول بصفته عن كل ما يقع على الأقباط من تمييز واضطهاد.
اما الصفحة الإعلانية الثالثة فهى رسالة ثانية للرئيس مبارك تناشده الافراج عن القس المحبوس ظلما متاؤس وهبة، والذى تم سجنه لمدة خمس سنوات لدوره فى زواج فتاة متنصرة.
هذا وقد علمت من مسئول بوزارة الخارجية الأمريكية أن موضوع الأقباط قد تم مناقشته على أعلى المستويات فى زيارة مبارك الأخيرة لواشنطن، فقد تطرق الرئيس أوباما مع الرئيس مبارك إلى أوضاع الأقباط فى لقاء القمة الذى جمعهم فى البيت الأبيض يوم 18 أغسطس، كما تطرقت وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون لنفس الموضوع فى لقاءها مع مبارك فى مقره يوم 17 أغسطس.
وقد علمت أن موضوع الحريات الدينية فى مصر تم إدراجه ليكون على جدول أعمال أى لقاء مصرى أمريكى قادم، هذا وقد تم ابلاغنا بأن وزارة الخارجية الأمريكية لديها انطباعات إيجابية عن الطريقة التى أدار بها الأقباط الزيارة... وقد وصفها مسئول الخارجية الامريكية لى بأنها كانت متحضرة جدا وموضوعية جدا ولهذا لاقت ارتياحا عند المسئولين فى الوزارة.، وقد قال لى أن الخطاب المرسل من طرفكم للرئيس الأمريكى والإعلانات التى نشرت فى صحيفة الواشنطن تايمز مكتوبة بطريقة مهنية وبأسلوب حقوقى جيد.
خلاصة القول ليس هناك مفأجات فى زيارة مبارك لواشنطن طالما أن إدارة اوباما خلقت اجواء جديدة جعلت الاستماع ممكنا لقادة الشرق الاوسط ومنهم مبارك، وهذا غاية ما كانت تطمح اليه مصر بعد 8 سنوات من حكم رئيس أمريكى آخر دمر الحوار مع شركائه لصالح رؤية ايدولوجية دفعته اليها احداث 11 سبتمبر المأسوية.
ويبقى السؤال الصعب، الذى لا يعرف أحد الإجابة عليه فى الخارج أو الداخل عن مستقبل النظام السياسى فى مصر، بلا إجابة وليعود مرة أخرى إلى حكايات القهاوى المصرية مع الشيشة الملتهبة ونميمة الصحفيين الذين لا يملكون أية معلومات حقيقية بشان هذا الموضوع فى ظل ندرة المعلومات الصحيحة التى تصلهم.
والسؤال الأكثر أثارة هل يملك الرئيس مبارك نفسه إجابة عن هذا السؤال الذى يقلق المصريين؟.
اكاد أشك بأنه نفسه يعرف الإجابة،وربما يترك الامور تسير بالقصور الذاتى لتعكس فى النهاية نتائج صراعات القوى المختلفة المتحلقة حول القصر الرئاسى.
[email protected]
التعليقات