بعد ثلاثين عاما يجئ عام 2009 كنقطة تحول أخرى فى تاريخ الإسلام السياسى والجهادى، ولكنها نقطة انكسار كبيرة.
سبق عام 1979 عدة عقود من التنظير للعنف والجهاد وتكفير الحكام والدول وتقسيم العالم إلى فسطاطين... وجاءت الحرب الافغانية والثورية الإيرانية كنموذج عملى لتطبيق كل هذه الأفكار التنظيرية الجهادية... من المنظرين الكبار الذين مهدوا للعنف الجهادى على المستوى السنى يأتى فى المقدمة حسن البنا وسيد قطب من مصر وابو الاعلى المودودى من باكستان، وعلى المستوى الشيعى يتقدمهم الخومينى وعلى شريعتى، ويندر أن يوجد شخص انخرط فى العنف الجهادى ولم يتأثر بواحد أو أكثر من هؤلاء المنظرين الجهاديين.
فى عام 2009 اكتشف الإيرانيون بأن ما كانوا يؤمنون به من أفكار عن الفقيه العادل مجرد أوهام، واكتشفوا إنهم تعرضوا لخدعة كبيرة.... فخرجوا للشوارع منددين بولاية الفقيه وبآيات الله، واسقطوا الهيبة عن هؤلاء الذين يدعون العصمة. كل المحللين الثقأة اتفقوا على أن الغليان فى الشارع الإيرانى تجاوز بكثير الاحتجاج على تزوير الإنتخابات، وأن الرغبة الحقيقية فى الشارع الإيرانى هى الخروج من نفق الدولة الدينية المظلم.بعد ثلاثين سنة أكتشفوا أن الذين يدعون العصمة يزورون الإنتخابات وينهبون ثروات الناس مثل غيرهم من الفاشيين.
المشكلة أن إيران يتصارع عليها ثلاثة تيارات حاليا،تيار يحاول ترميم الدولة الدينية وإعادتها إلى وهجها، وتيار ثان يمثل الرغبة فى تحويل إيران من الدكتاتورية الدينية إلى الدكتاتورية العسكرية، وتيار ثالث يمثل الشارع الراغب فى الخلاص من كل أشكال الديكتاتورية،ويتعرض للضغوط والقمع من التيارين السابقين. على العموم لن يعود وهج الدولة الدينية فى إيران كما سبق بعد أن فقدت فى الازمة الأخيرة المبرر الاخلاقى لوجودها من الذين كانوا مخدوعين فيها أو الخائفين من التجرأ عليها.
على مستوى طريقة الوصول للحكم لم يصل الإسلاميون للحكم عن طريق أنتخابات نزيهة سوى فى تركيا وكذلك حماس فى غزة.. والتجربتان عليهما الكثير من المأخذ.
كما نعلم سلكت حماس الطريق التقليدى للإسلاميين وهو الأنقضاض على الديموقراطية بعد استخدامها كأداة فقط.. ومن ثم وضعت شعب غزة كله كرهينة لطموحات السلطة ومغامرات ومصالح القادة وتوظيف القضية اقليميا.
فى تركيا تنكشف الصورة أكثر فأكثر، فحزب العدالة يهتم بأسلمة تركيا تدريجيا والرغبة فى لعب دور فى محيطه الإسلامى أكثر من اهتمامه بالانضمام إلى الاتحاد الاوروبى الذى يتطلع اليه الشعب التركى. وقد ادرك الكثير من قادة الاتحاد الاوروبى هذا الاتجاه لاردوغان نحو وضع الاولوية لأسلمة بلاده... وبالطبع أدى ذلك إلى تراجع فرص تركيا فى الالتحاق بالقطار الاوروبى.
باقى الانظمة الإسلامية سواء فى افغانستان أو الصومال أو السودان أو إيران لم تأت للحكم بطريق ديموقراطى، وكان العنف هو سبيل الدخول وطريقة الخروج.
الكثير مما ذكرته معروف للمتابعين للنشاط السياسى والجهادى للحركات الإسلامية، الجديد هو الفتور الغربى تجاه هذه الحركات بعد الحماس المبالغ فيه من جهات أكاديمية وبحثية غربية فى الفترة الثانية من رئاسة بوش. وكمتابع لهذه الحركات جاء وقت على إدارة بوش وتصورت فيه أن الحركات الإسلامية التى تصبغ نفسها بالاعتدال يمكن أن تشكل بديلا للانظمة المستبدة فى منطقة الشرق الأوسط، وتحمست الكثير من الجامعات ومراكز الأبحاث الغربية فى استضافة مؤتمرات تروج لوصول هذه التيارات للحكم فى بلادها، وقد تابعت أكثر من عشر مؤتمرات فى امريكا واوروبا تروج وتتبنى دعم وصول التيارات الإسلامية للحكم فى بلادها، واعتقد أن معظم هذه المؤتمرات قد تم تمويلها بواسطة هذه الحركات الإسلامية ذاتها ومن بعض الدول المتعاطفة معهم فى الشرق الأوسط.
ولكن لاحظت وجود فتور كبير فى الغرب تجاه هذه الظاهرة بدأ بعد أن خذلت حماس المتحمسين للتجربة،وأزداد مع انفجار الازمة الاقتصادية العالمية عام 2008. وفى تصورى أن هناك العديد من الأسباب وراء هذه الفتور الغربى تجاه التيارات الإسلامية فى الشرق الأوسط:
ربما يكون السبب هو تراجع شعبية هذه التيارات فى بلدانها كما هو حادث فى غزة ولبنان والمغرب والكويت والسودان وعدد من البلدان الأخرى، بعض هذا التراجع جاء من خلال صناديق الانتخابات والبعض الآخر عبر قياس رضى الشعوب عن هذه التيارات.
وقد يعود سبب الفتور لأن هذه التيارات لم تحقق شيئا يذكر على مستوى بلدانها ولم تقدم أجندة حقيقية تعتنى بتقدم مجتمعاتها وإخراجها من ما هى فيه من ازمات ومشاكل،بل على العكس كانت سببا فى زيادة هذه المشاكل وشغلت مجتمعاتها بتوافه الأمور.
وقد يعود سبب الفتور إلى أن هذه التيارات لم تنجح فى ازالة المخاوف المثارة حولها فى الغرب فيما يتعلق بايمانها الحقيقى بالديموقراطية والحريات وحقوق المرأة والأقليات والحريات الدينية، فكل ما قدمته هذه التيارات من أفكار ومشاريع فيما يتعلق بهذه المخاوف لا يعدو سوى نوع من المراوغة حتى تستطيع أن تستأثر بالسلطة، فبعض هذه التيارات يتحايل لفظيا بأنه حزب مدنى بمرجعية دينية، ولكن مفهوم المرجعية الدينية لديهم، كما فى حالة الاخوان المسلمين فى مصر، يعنى أن مرجعيتهم فقط هى المادة الثانية من الدستور دون باقى مواد الدستور، كما أن مضمون السلوك الحقيقى لما يسمى بفصيل الإسلاميين المعتدلين لا يعطى الثقة لهذه التيارات بأنها مؤهلة للحكم الديموقراطى.
وربما يعود سبب الفتور الغربى إلى بروز دور اوروبا مؤخرا مع تنامى القلق داخل القارة الأوروبية من الظاهرة الإسلامية، وتأثير اوروبا المتزايد فى فرملة الولايات المتحدة من ناحية الحماس لهذه التيارات.
وربما يعود السبب أن الغرب منشغل بشكل كبير بمشاكله الاقتصادية الداخلية، ويعود تراجع اهتمامه بالإسلاميين فى سياق تراجع ملف الشرق الأوسط كله وسط هذه الأزمة العالمية الطاحنة.
ربما يعود السبب فى تراجع الإسلامين أيضا إلى حرب حزب الله عام 2006 وحرب غزة عام 2008 وإدعاءات النصر الالهى فى كل من الحربين قد فتح عيون المواطن العادى إلى أن هذه القوى وصل تضليلها إلى اعتبار كل هذا الخراب والدمار نصر الهيا!!.
فى تقديرى أن عام 2009 يشكل نقطة انكسار مهمة فى مسيرة الإسلاميين ولكنه ليس النهاية.. واعتقد أن مستقبل النظام السياسى فى مصر يمثل منعطفا مهما فى مسيرة الحركات الإسلامية، فكما كانت مصر هى محطة رئيسية فى التنظير والتفريخ، فشكل النظام القادم سيكون منعطفا مهما فى مسيرتهم،فإذا حدث أنتقال سلمى للسلطة فى مصر وبطريقة تهمش طموحات التيار الدينى فإن ذلك سيمثل نقطة مهمة فى مسيرة تراجع الإسلاميين ونهاية حقبة عسيرة من سيطرتهم على الشارع وعلى بعض أنظمة الحكم، أما إذا نجح الاسلاميون فى السيطرة على مصر بأى طريقة فسنكون إزاء كارثة حقيقة على المنطقة باكملها. وعلى المصريين أن لا يسمحوا لهذه التيارات بأن تستغل الديموقراطية للقضاء على الديموقراطية والحريات وعلى الدولة المدنية ذاتها..
الأخوان المسلمون اخذوا فرصتهم فى الحكم والسلطة، عبر القطب الاخوانى البارز قلب الدين حكمتيار وأيضا برهان الدين ربانى وصيغة الله مجددى فى افغانستان وكلاهما ينتمون لفكر الاخوان، وعبر حسن الترابى فى السودان العضو البارز فى الاخوان، وعبر حماس فى غزة وفى المرات الثلاثة اثبتوا بأنهم غير جديرين بالحكم.
حذارا من أن يكون صندوق الإنتخابات طريقا لتدمير الحريات والقضاء على بقايا الدولة المدنية فى مصر.
ليس معنى هذا تأييدنا للإستبداد والفساد الحالى فى مصر بل على العكس، كل ما قصدته أن منع الإسلاميين من الوصول للحكم فى مصر هو إجراء ديموقراطى لأنهم اعداء للديموقراطية مثلهم مثل النازيين والفاشيين فى اوروبا.
لفد قرأت رسالة لقارئ تعليقا عن مستوى الفساد الحالى فى مصر جاء فيه: عندما يكون صاحب شركة تجاريه وزيرا للتجارة وصاحب مستشفى خاص وزيرا للصحة وصاحب شركة اقطان وزير للزراعة وصاحب شركة سيارات واوتوبيسات وزيرا للنقل وصاحب مشروعات سياحية وزيرا للسياحة وتاجر اراضى وزيرا للاسكان ومسئول عن توزيع الاراضى وعندما يكون ثلاثة من الوزراء المذكورين ابناء خالة... نقول حسبنا الله ونعم الوكيل.
مصر تستحق نظاما افضل من هذا.. وأيضا يجب حرمان الإسلاميين بصفتهم الإسلامية من الوصول للحكم أو تمثيل المعارضة الرئيسية والفزاعة التى يبرر بها النظام بقاءه واستمراره.
الحل يكمن فى اعطاء فرصة حقيقية للقوى الحية فى المجتمع المصرى من الإصلاحيين والليبراليين واليسار ونشطاء المجتمع المدنى لكى يعيدوا للدولة المدنية وهجها الحقيقى.
لا لمشاركة الإسلاميين فى الحكم فى مصر....لا لسقوط مصر فى أيدى الفاشية الدينية.... ونعم لمشاركة كل المصريين على أرضية وطنية وليست دينية.
[email protected]
التعليقات