لعلى أستعير عنوان كتاب المستشرق الأمريكى الكبير برنارد لويس quot;أين الخطأ؟quot;what went wrong فيما يتعلق بأوضاع الأقباط فى مصر، ما هو التفسير العلمى والسياسى لتدهور أوضاعهم الفعلية رغم كل هذا الضجيج المتزايد عنهم فى السنوات الأخيرة؟.هل هناك قصور فى تشخيص المشكلة القبطية؟، هل هناك قصور فى طرح حلول عملية وواقعية للحل؟. فى تصورى الأجابة بالنفى، فالقضية القبطية قتلت بحثا ونشر عنها مئات المقالات والأبحاث والدراسات والكتب بل وعشرات الدراسات الجامعية الرصينة وكلها شخصت ووضعت مقترحات للحل، وفى سنة 2008 فقط زارت مكتبى بالقاهرة باحثة يابانية تعد رسالة دكتوراة عن أوضاع الأقباط وباحث إيطالى يعد رسالة ماجستير فى نفس الموضوع وباحثة أمريكية جاءت خصيصا من مدينة سياتل فى أقصى الغرب الأمريكى لتعد دراسة موسعة عن أوضاعهم، وقد ناقشونى وناقشوا غيرى فى أدق التفاصيل عن أوضاع ومستقبل الأقباط ومقترحات الحل،كما أن مشكلة الأقباط تتشابه فى أعراضها مع الكثير من مشاكل الأقليات فى العالم وخبرات هذه الأقليات فى التحرر والإنعتاق من براثن التمييز والإضطهاد معروفة وأصبحت الآن تدرس فى المعاهد العلمية ودخلت صفحات التاريخ الحديث والمعاصر، كما أن المواثيق الدولية جاءت وافاضت فى تعريف مشاكل الأقليات ومقترحات حلها.
نعود للسؤال أين الخطأ إذن؟
فى تصورى وبصراحة أن الخطأ الرئيسى يكمن فى الأقباط أنفسهم، فالنضال القبطى،سواء فى الداخل أو الخارج،لم يصل إلى المستوى الذى يؤثر فى تغيير أوضاعهم الداخلية ويجبر ظالميهم على إنصافهم أو يغير موقف المجتمع الدولى تجاههم من التعاطف المحدود إلى المساندة الفعالة.
لقد وضعت خبرات الأقليات التى تحررت من الإضطهاد والعنصرية المبادئ العامة لنضال الأقليات، طريق اللاعنف،طريق التعاون مع القواسم المشتركة فى الأغلبية ومناشدة ضميرها الوطنى والإنسانى، طريق تفعيل نضال الأقلية وتقويته ليتحدى الظلم ويعمل بكل السبل لإنهاءه،طريق النضال من آجل الديموقراطية والحرية للجميع على أسس دستورية وقانونية وحقوقية،طريق القانون الدولى والعدالة الدولية ومناشدة الضمير العالمى. ولكن أهم رسالة للأقلية فى هذا النضال هو التحذير من اليأس كما يقول مارتن لوثر كنج quot; دعنا لا نسكن فى وادى اليأسquot;، وبالنسبة للوطن ككل الحرية والعدالة والديموقراطية هى الطريق الوحيد لتحرر الإنسان ولصناعة أمة محترمة. ولكن علينا إدراك أن مناشدة ضمير الأغلبية فقط بدون نضال الأقلية هو نوع من التسول لن يؤدى إلى نتيجة تذكر، كما أن المجتمع الدولى لن يتدخل إلا إذا ترجمت الأقلية إرادتها إلى نضال واسع وكبير يجعل تدخل المجتمع الدولى يستند على مشروعية شعبية. الحلقة المفقودة فى كل ذلك هى نضال الأقباط،بعيدا عن هذا الضجيج الذى بلا طحن، لا أبالغ إذا قلت فى الوقت الذى تتزايد فيه معأناة الأقباط فى مصر يتراجع نضالهم فى نفس الوقت.
الأمانة تقتضى القول أن نشاط المنظمات القبطية فى الخارج تراجع فى السنوات الأخيرة ليصل إلى ما يقترب من الحالة الصفرية،وأن أغلب المنظمات التى تأسست فى السنوات الأخيرة ليس لها نشاط ذو قيمة وأكثر انجازتها ينحصر فى صدور خبر عنها بصحيفة عربية،ويتوجه نشاطها إلى قارئ العربية عبر دردشات انترنتية ومواقع الكترونية تبتعد كثيرا عن المهنية الصحفية والحقوقية، أما نشاطها الموجه للدول التى تأسست بها فى الغرب فهو غير موجود تقريبا.
فى مصر الوضع ليس أفضل،فقد تصدر المشهد القبطى العديد من الشخصيات الإنتهازية التى تتاجر بهموم البسطاء وتسعى للمال والشهرة على حساب القضية وتعلى مصالحها على مصالح شعبها،فى ظل تيه التيار الرئيسى من الشعب القبطى.
المشكلة أن هذا التراجع فى نشاط الأقباط يحدث فى وقت تدخل فيه مصر فى منحنى خطير حيث تتجه بخطوات متسارعة نحو الدولة الدينية وربما حالة الفوضى.
فى هذه الدولة الدينية الإسلامية الدين هو مصدر الحقوق والواجبات، والحاكمية لله، والقوانيين تستمد من الشريعة، والنظام العام يحكمه إطاعة اوامر الله والبعد عن نواهييه.. والأحكام إسلامية وتتماشى مع شرع الله، والدين يمثل مصدرا لسلوك المسلم فى كل صغيرة وكبيرة كما يقول نصر حامد ابو زيد quot; بدءا من النظام السياسى ونزولا إلى كيفية ممارسة الفرد لنظافته الذاتية فى الحمامquot;، وهذا يعنى حسب تحليل نصر ابو زيد quot;تخلى المسلم طواعية وقسرا عن طبيعته الإنسانية الفردية التى تسمح له بإتخاذ القرار بشأن كثير من التفاصيل الحياتية التى من شأنها أن تتضمن إختيارات عديدةquot;. فهو ترس فى آلة جماعية تعمل من آجل مصالح الأمة وثوابت الأمة وإعلاء شأن الأمة إلى غير ذلك من المصطلحات الشمولية التى تسحق الفرد وتضطهد المخالفين فى الدين، ومن ثم فإن كلام الإسلاميين عن المواطنة هو فى مجمله طنطنة فارغة، فما يؤمنون به حقيقة هو نوع من quot; الذمية المعدلةquot;....وما يتحدثون عنه ليس له علاقة مطلقا بمفهوم المواطنة وهذا ما يقوله فهمى هويدى بوضوح فى مقالة له بالاهرام بتاريخ 11 ديسمبر 1998 quot; إن الأغلبية لن تتنازل عن الشريعة من آجل المواطنة ولا بد أن ترضخ الأقلية لمشروع الأغلبيةquot;. ويرى راشد الغنوشى quot;أن المواطنة فى الدولة الإسلامية تكتسب بتوفر شرطين هما الإنتماء للإسلام والسكن فى قطر الدولة الإسلاميةquot;، وهو بهذا يسقط المواطنة فعليا عن غير المسلمين حتى ولو كانوا مواطنيين أصلاء.
من الخلافة الإسلامية إلى مفهوم حسن البنا عن الحكم لله إلى مفهوم سيد قطب عن الحاكمية الالهية والمجتمعات الكافرة إلى كلام محمد سليم العوا وطارق البشرى وفهمى هويدى عن المواطنة... كل هذا يسير فى سياق واحد،وإن اختلفت الدرجة، أن الحقوق والواجبات الأساسية للفرد فى علاقته بالدولة وفى علاقة الافراد ببعضهم يستمد من الدين، وإجتهاداتهم الحديثة تحاول الإيحاء بأنه لا يوجد تناقض بين المفهومين، مفهوم المواطنة الحديثة ومفهوم المواطنة الإسلامية، رغم أن كليهما نقيض للآخر.
الدولة الحديثة قائمة على قاعدة المواطنة والتى هى مناط الحقوق والواجبات، ولكن المواطنة فى الدولة الحديثة علاقتها بالارض وليس بالدين وهى محايدة تجاه الاديان والاجناس والوان البشر واعراقهم. والنظام السياسى القائم على هذه المواطنة هو نظام عقدى بين الحاكم والمحكومين كما يقرر ذلك روسو ولوك وفولتير وغيرهم، فهنا نحن إزاء علاقة سياسية يقوم خلالها الفرد بتبديل حكامه إذا اخلو بشروط العقد عن طريق ما يسمى بالنظام الديموقراطى، فالفرد هنا هو سيد قراره، وهو الوحدة الاسأسية التى تقوم عليها مصالح المجتمع، وهو طرف العقد الأساسى مع الدولة.
سمات الدولة الدينية فى مصر بدأت تنعكس على وضع الأقباط الذى إنحدر من التمييز إلى الإضطهاد ويتجه نحو ملامح دولة عنصرية، ومن يتابع الأحكام القضائية التى صدرت ضد الأقباط فى السنوات الأخيرة يدرك إنها تجاوزت التمييز إلى الإتجاه لتأسيس دولة عنصرية، فعندما يقرر حكم قضائىquot; أن المسلم هو الشخص الشريف، وأن من ليس مسلما فهو يفتقر إلى الشرفquot;، وفى حكم قضائى آخر يقرر القاضى بإنهاء حضانة أم قبطية لابنها بعد أن أسلم زوجها لأنه quot; يخشى أن يتأثر الطفل بعادات الكفر إن بقى مع الأمquot;،وفى حكم ثالث بالغاء وصاية أب قبطى عندما أسلمت الأم لأنه حسب قول المحكمةquot; يتعين أن يتبع الأولاد الدين الأصلح والإسلام هو أصلح الأديانquot;.وفى قضية محمد حجازى، وهى أول قضية لمسلم يعلن خروجه من الإسلام للمسيحية، يقول القاضى quot; من يعتقد باليهودية مدعو إلى اعتناق المسيحية، ومن يعتقد بالمسيحية مدعو لاعتناق الإسلام والعكس فى جميع الحالات غير صحيحquot;، وفى قضية السيدة زينب عبد العزيز ابو اللبن التى تحولت للمسيحية بأسم مرثا صموئيل ميخائيل هددها القاضى عبد الله هاشم اثناء جلسة محاكمتها بتهمة الردة قائلا quot; لو معى سكين لقتلتك به الآنquot; وذلك بعد أن رفضت القول انها لا تزال مسلمة،وعندما يرفض القاضى شهادة المسيحى الذى استعان به جاره المسلم، وعندما يحكم القاضى على سيدتين مسيحيتين هما بهية وشادية السيسى بالسجن لتمسكهما بمسيحيتهما بزعم ان والدهما دخل الإسلام لمدة قصيرة منذ ثلاثين عاما ورجع بعد ذلك لمسيحيته،وإنهم بذلك مرتدين لأنهما كانا يجبا ان يدخلا الإسلام منذ ثلاثين عاما مع والدهما!!!...بل وصل الامر بمحكمة الأسرة بالاسكندرية بالحكم بطلاق المغنية اللبنانية دوللى شاهين من زوجها اللبنانى سامى سليم بحجة انها اعتنقت الإسلام بينما لا يزال زوجها مسيحيا كاثوليكيا، وذلك رغم أن السيدة دوللى شاهين ليست مصرية، ورغم أن الزواج تم فى لبنان والزوج مقيم فى لبنان وفسخه فقط من اختصاص القضاء اللبنانى..فهل التحول للإسلام يجيز كسر كافة القوانيين والمعاهدات الدولية والعرف الدولى والتعدى على صميم سيادة الدول؟!!.
وعندما تغير نقابة الأطباء قسم ابقراط الشهيرإلى قسم إسلامى وتصدر قرار بمنع نقل الأعضاء بين المسلم والمسيحى لأن الاصوليين المسيطرين على النقابة يرون أن جسد المسيحى نجس ولا يصح شرعا نقل عضو مسلم طاهر اليه، كل هذه الاحكام والقرارات ومثلها العشرات تؤسس لدولة عنصرية بغيضة. والسيناريو الأخطر من حالة الدولة الدينية هو سيناريو الفوضى، فالأقباط سيكونون الطرف الأكثر تضررا من حالة الفوضى.. وسيناريو التطهير الدينى الذى يحدث فى العراق هو الشكل المتوقع لما سوف يعانيه الأقباط تحت وضع الفوضى أو حكم الفاشية الدينية.
والسؤال هل أستعد الأقباط فى مصر أو الخارج لسيناريو الفوضى أو سيناريو الدولة الدينية الإسلامية الفاشية.
الأجابة للاسف لا. السؤال الآخر ما العمل؟. الموضوع كبير ويحتاج إلى عمل حقيقى وجاد من الشخصيات القبطية الكبيرة الجادة والمؤهلة. مطلوب خريطة طريق للنضال القبطى تترجم مبادئ نضال الأقليات التى ذكرتها إلى خطة عمل استراتيجية لمواجهة هذه المخاطر المحتملة، وتعمل على بدء كفاح قبطى حقيقى،وإلا فالبديل هو أن يتحولوا إلى وقود لهذه الفوضى كما هو حادث فى العراق الآن بدون أن يتحرك أحد لإنقاذهم.
الكرة فى ملعب الأقباط أنفسهم، والشكوى والبكاء ليسا نضالا،وعليهم أن يقتفوا أثر الأقليات المناضلة، فالمواطنة ليست منحة من أحد ولكنها حق أصيل لهم تحتاج إلى كفاح طويل من آجل إقرارها.
ولهذا يسعدنى تقديم كتاب الصديق الاستاذ منير بشاى فهو من الشخصيات القبطية المحترمة فى الخارج التى تناضل فى هدوء منذ ما يقرب من ثلاثة عقود من آجل حقوق شعبها فى مصر.
والاستاذ منير بشاى،الذى هاجر من مصر عام 1969،هو مؤسس ورئيس هيئة أقباط كاليفورنيا ومن رواد العمل القبطى فى أمريكا حيث رافق المرحوم الدكتور شوقى كراس فى نضاله الحقوقى منذ عام 1981 وحتى رحيله. وفى عام 1992 أسس هيئة أقباط كاليفورنيا لتفعيل النشاط القبطى الحقوقى فى الساحل الغربى الأمريكى، ولقد عمل الكثير من آجل شعبه فى ظل الإمكانيات المالية المحدودة المتاحة للهيئات القبطية.
ويضم الكتاب العديد من المقالات التى نشرت فى عدد من الصحف الورقية والالكترونية، ونأمل من صدور هذا الكتاب أن يكون عاملا مؤثرا فى إيقاظ الوعى بالمشكلة عند كل من يقرأه سواء من الأقباط أو المسلمين، ويحفز المتكاسلين من الأقباط على النضال من آجل شعبهم المتألم فى مصر... فله منا جميعا واجب الشكر والأمتنان وتمنياتنا له بمزيد من التوفيق والعطاء والصحة.
نعود للسؤال أين الخطأ إذن؟
فى تصورى وبصراحة أن الخطأ الرئيسى يكمن فى الأقباط أنفسهم، فالنضال القبطى،سواء فى الداخل أو الخارج،لم يصل إلى المستوى الذى يؤثر فى تغيير أوضاعهم الداخلية ويجبر ظالميهم على إنصافهم أو يغير موقف المجتمع الدولى تجاههم من التعاطف المحدود إلى المساندة الفعالة.
لقد وضعت خبرات الأقليات التى تحررت من الإضطهاد والعنصرية المبادئ العامة لنضال الأقليات، طريق اللاعنف،طريق التعاون مع القواسم المشتركة فى الأغلبية ومناشدة ضميرها الوطنى والإنسانى، طريق تفعيل نضال الأقلية وتقويته ليتحدى الظلم ويعمل بكل السبل لإنهاءه،طريق النضال من آجل الديموقراطية والحرية للجميع على أسس دستورية وقانونية وحقوقية،طريق القانون الدولى والعدالة الدولية ومناشدة الضمير العالمى. ولكن أهم رسالة للأقلية فى هذا النضال هو التحذير من اليأس كما يقول مارتن لوثر كنج quot; دعنا لا نسكن فى وادى اليأسquot;، وبالنسبة للوطن ككل الحرية والعدالة والديموقراطية هى الطريق الوحيد لتحرر الإنسان ولصناعة أمة محترمة. ولكن علينا إدراك أن مناشدة ضمير الأغلبية فقط بدون نضال الأقلية هو نوع من التسول لن يؤدى إلى نتيجة تذكر، كما أن المجتمع الدولى لن يتدخل إلا إذا ترجمت الأقلية إرادتها إلى نضال واسع وكبير يجعل تدخل المجتمع الدولى يستند على مشروعية شعبية. الحلقة المفقودة فى كل ذلك هى نضال الأقباط،بعيدا عن هذا الضجيج الذى بلا طحن، لا أبالغ إذا قلت فى الوقت الذى تتزايد فيه معأناة الأقباط فى مصر يتراجع نضالهم فى نفس الوقت.
الأمانة تقتضى القول أن نشاط المنظمات القبطية فى الخارج تراجع فى السنوات الأخيرة ليصل إلى ما يقترب من الحالة الصفرية،وأن أغلب المنظمات التى تأسست فى السنوات الأخيرة ليس لها نشاط ذو قيمة وأكثر انجازتها ينحصر فى صدور خبر عنها بصحيفة عربية،ويتوجه نشاطها إلى قارئ العربية عبر دردشات انترنتية ومواقع الكترونية تبتعد كثيرا عن المهنية الصحفية والحقوقية، أما نشاطها الموجه للدول التى تأسست بها فى الغرب فهو غير موجود تقريبا.
فى مصر الوضع ليس أفضل،فقد تصدر المشهد القبطى العديد من الشخصيات الإنتهازية التى تتاجر بهموم البسطاء وتسعى للمال والشهرة على حساب القضية وتعلى مصالحها على مصالح شعبها،فى ظل تيه التيار الرئيسى من الشعب القبطى.
المشكلة أن هذا التراجع فى نشاط الأقباط يحدث فى وقت تدخل فيه مصر فى منحنى خطير حيث تتجه بخطوات متسارعة نحو الدولة الدينية وربما حالة الفوضى.
فى هذه الدولة الدينية الإسلامية الدين هو مصدر الحقوق والواجبات، والحاكمية لله، والقوانيين تستمد من الشريعة، والنظام العام يحكمه إطاعة اوامر الله والبعد عن نواهييه.. والأحكام إسلامية وتتماشى مع شرع الله، والدين يمثل مصدرا لسلوك المسلم فى كل صغيرة وكبيرة كما يقول نصر حامد ابو زيد quot; بدءا من النظام السياسى ونزولا إلى كيفية ممارسة الفرد لنظافته الذاتية فى الحمامquot;، وهذا يعنى حسب تحليل نصر ابو زيد quot;تخلى المسلم طواعية وقسرا عن طبيعته الإنسانية الفردية التى تسمح له بإتخاذ القرار بشأن كثير من التفاصيل الحياتية التى من شأنها أن تتضمن إختيارات عديدةquot;. فهو ترس فى آلة جماعية تعمل من آجل مصالح الأمة وثوابت الأمة وإعلاء شأن الأمة إلى غير ذلك من المصطلحات الشمولية التى تسحق الفرد وتضطهد المخالفين فى الدين، ومن ثم فإن كلام الإسلاميين عن المواطنة هو فى مجمله طنطنة فارغة، فما يؤمنون به حقيقة هو نوع من quot; الذمية المعدلةquot;....وما يتحدثون عنه ليس له علاقة مطلقا بمفهوم المواطنة وهذا ما يقوله فهمى هويدى بوضوح فى مقالة له بالاهرام بتاريخ 11 ديسمبر 1998 quot; إن الأغلبية لن تتنازل عن الشريعة من آجل المواطنة ولا بد أن ترضخ الأقلية لمشروع الأغلبيةquot;. ويرى راشد الغنوشى quot;أن المواطنة فى الدولة الإسلامية تكتسب بتوفر شرطين هما الإنتماء للإسلام والسكن فى قطر الدولة الإسلاميةquot;، وهو بهذا يسقط المواطنة فعليا عن غير المسلمين حتى ولو كانوا مواطنيين أصلاء.
من الخلافة الإسلامية إلى مفهوم حسن البنا عن الحكم لله إلى مفهوم سيد قطب عن الحاكمية الالهية والمجتمعات الكافرة إلى كلام محمد سليم العوا وطارق البشرى وفهمى هويدى عن المواطنة... كل هذا يسير فى سياق واحد،وإن اختلفت الدرجة، أن الحقوق والواجبات الأساسية للفرد فى علاقته بالدولة وفى علاقة الافراد ببعضهم يستمد من الدين، وإجتهاداتهم الحديثة تحاول الإيحاء بأنه لا يوجد تناقض بين المفهومين، مفهوم المواطنة الحديثة ومفهوم المواطنة الإسلامية، رغم أن كليهما نقيض للآخر.
الدولة الحديثة قائمة على قاعدة المواطنة والتى هى مناط الحقوق والواجبات، ولكن المواطنة فى الدولة الحديثة علاقتها بالارض وليس بالدين وهى محايدة تجاه الاديان والاجناس والوان البشر واعراقهم. والنظام السياسى القائم على هذه المواطنة هو نظام عقدى بين الحاكم والمحكومين كما يقرر ذلك روسو ولوك وفولتير وغيرهم، فهنا نحن إزاء علاقة سياسية يقوم خلالها الفرد بتبديل حكامه إذا اخلو بشروط العقد عن طريق ما يسمى بالنظام الديموقراطى، فالفرد هنا هو سيد قراره، وهو الوحدة الاسأسية التى تقوم عليها مصالح المجتمع، وهو طرف العقد الأساسى مع الدولة.
سمات الدولة الدينية فى مصر بدأت تنعكس على وضع الأقباط الذى إنحدر من التمييز إلى الإضطهاد ويتجه نحو ملامح دولة عنصرية، ومن يتابع الأحكام القضائية التى صدرت ضد الأقباط فى السنوات الأخيرة يدرك إنها تجاوزت التمييز إلى الإتجاه لتأسيس دولة عنصرية، فعندما يقرر حكم قضائىquot; أن المسلم هو الشخص الشريف، وأن من ليس مسلما فهو يفتقر إلى الشرفquot;، وفى حكم قضائى آخر يقرر القاضى بإنهاء حضانة أم قبطية لابنها بعد أن أسلم زوجها لأنه quot; يخشى أن يتأثر الطفل بعادات الكفر إن بقى مع الأمquot;،وفى حكم ثالث بالغاء وصاية أب قبطى عندما أسلمت الأم لأنه حسب قول المحكمةquot; يتعين أن يتبع الأولاد الدين الأصلح والإسلام هو أصلح الأديانquot;.وفى قضية محمد حجازى، وهى أول قضية لمسلم يعلن خروجه من الإسلام للمسيحية، يقول القاضى quot; من يعتقد باليهودية مدعو إلى اعتناق المسيحية، ومن يعتقد بالمسيحية مدعو لاعتناق الإسلام والعكس فى جميع الحالات غير صحيحquot;، وفى قضية السيدة زينب عبد العزيز ابو اللبن التى تحولت للمسيحية بأسم مرثا صموئيل ميخائيل هددها القاضى عبد الله هاشم اثناء جلسة محاكمتها بتهمة الردة قائلا quot; لو معى سكين لقتلتك به الآنquot; وذلك بعد أن رفضت القول انها لا تزال مسلمة،وعندما يرفض القاضى شهادة المسيحى الذى استعان به جاره المسلم، وعندما يحكم القاضى على سيدتين مسيحيتين هما بهية وشادية السيسى بالسجن لتمسكهما بمسيحيتهما بزعم ان والدهما دخل الإسلام لمدة قصيرة منذ ثلاثين عاما ورجع بعد ذلك لمسيحيته،وإنهم بذلك مرتدين لأنهما كانا يجبا ان يدخلا الإسلام منذ ثلاثين عاما مع والدهما!!!...بل وصل الامر بمحكمة الأسرة بالاسكندرية بالحكم بطلاق المغنية اللبنانية دوللى شاهين من زوجها اللبنانى سامى سليم بحجة انها اعتنقت الإسلام بينما لا يزال زوجها مسيحيا كاثوليكيا، وذلك رغم أن السيدة دوللى شاهين ليست مصرية، ورغم أن الزواج تم فى لبنان والزوج مقيم فى لبنان وفسخه فقط من اختصاص القضاء اللبنانى..فهل التحول للإسلام يجيز كسر كافة القوانيين والمعاهدات الدولية والعرف الدولى والتعدى على صميم سيادة الدول؟!!.
وعندما تغير نقابة الأطباء قسم ابقراط الشهيرإلى قسم إسلامى وتصدر قرار بمنع نقل الأعضاء بين المسلم والمسيحى لأن الاصوليين المسيطرين على النقابة يرون أن جسد المسيحى نجس ولا يصح شرعا نقل عضو مسلم طاهر اليه، كل هذه الاحكام والقرارات ومثلها العشرات تؤسس لدولة عنصرية بغيضة. والسيناريو الأخطر من حالة الدولة الدينية هو سيناريو الفوضى، فالأقباط سيكونون الطرف الأكثر تضررا من حالة الفوضى.. وسيناريو التطهير الدينى الذى يحدث فى العراق هو الشكل المتوقع لما سوف يعانيه الأقباط تحت وضع الفوضى أو حكم الفاشية الدينية.
والسؤال هل أستعد الأقباط فى مصر أو الخارج لسيناريو الفوضى أو سيناريو الدولة الدينية الإسلامية الفاشية.
الأجابة للاسف لا. السؤال الآخر ما العمل؟. الموضوع كبير ويحتاج إلى عمل حقيقى وجاد من الشخصيات القبطية الكبيرة الجادة والمؤهلة. مطلوب خريطة طريق للنضال القبطى تترجم مبادئ نضال الأقليات التى ذكرتها إلى خطة عمل استراتيجية لمواجهة هذه المخاطر المحتملة، وتعمل على بدء كفاح قبطى حقيقى،وإلا فالبديل هو أن يتحولوا إلى وقود لهذه الفوضى كما هو حادث فى العراق الآن بدون أن يتحرك أحد لإنقاذهم.
الكرة فى ملعب الأقباط أنفسهم، والشكوى والبكاء ليسا نضالا،وعليهم أن يقتفوا أثر الأقليات المناضلة، فالمواطنة ليست منحة من أحد ولكنها حق أصيل لهم تحتاج إلى كفاح طويل من آجل إقرارها.
ولهذا يسعدنى تقديم كتاب الصديق الاستاذ منير بشاى فهو من الشخصيات القبطية المحترمة فى الخارج التى تناضل فى هدوء منذ ما يقرب من ثلاثة عقود من آجل حقوق شعبها فى مصر.
والاستاذ منير بشاى،الذى هاجر من مصر عام 1969،هو مؤسس ورئيس هيئة أقباط كاليفورنيا ومن رواد العمل القبطى فى أمريكا حيث رافق المرحوم الدكتور شوقى كراس فى نضاله الحقوقى منذ عام 1981 وحتى رحيله. وفى عام 1992 أسس هيئة أقباط كاليفورنيا لتفعيل النشاط القبطى الحقوقى فى الساحل الغربى الأمريكى، ولقد عمل الكثير من آجل شعبه فى ظل الإمكانيات المالية المحدودة المتاحة للهيئات القبطية.
ويضم الكتاب العديد من المقالات التى نشرت فى عدد من الصحف الورقية والالكترونية، ونأمل من صدور هذا الكتاب أن يكون عاملا مؤثرا فى إيقاظ الوعى بالمشكلة عند كل من يقرأه سواء من الأقباط أو المسلمين، ويحفز المتكاسلين من الأقباط على النضال من آجل شعبهم المتألم فى مصر... فله منا جميعا واجب الشكر والأمتنان وتمنياتنا له بمزيد من التوفيق والعطاء والصحة.
مقدمة كتاب: هموم قبطية
تأليف: منير بشاى. تقديم:مجدى خليل
والصادر بامريكا فى يناير 2009
[email protected]
تأليف: منير بشاى. تقديم:مجدى خليل
والصادر بامريكا فى يناير 2009
[email protected]
التعليقات