منذ تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945 والخلافات والتناحر بل والحروب هى العنوان الرئيسى للعلاقات العربية العربية، وتأخذ هذه الحروب فى بعض الاحيان طابعا ثنائيا ولكن الكثير منها تندرج تحت المحاور المتصارعة. خلال الاربعة عقود الماضية احتلت العراق جارتها الكويت، وسوريا جارتها لبنان، وحارب الجيش المصرى السعودية بشكل غير مباشر فى اليمن، وحماس المدعومة من إيران والتنظيم العالمى للاخوان المسلمين استولت على غزة بقوة السلاح، واندلعت حربا طاحنة بين الاردن ومنظمة التحرير، وبين سوريا ومنظمة التحرير، وبين منظمة التحرير ومعظم الفصائل اللبنانية، وتوجد حرب مستمرة بين المغرب وجبهة البوليساريو تساندها الجزائر بما يعنى حربا غير مباشرة بين الجزائر والمغرب، وحارب الجيش المصرى والسورى والسعودى ضد صدام عام 1990، وحدثت تحرشات عسكرية بين مصر وليبيا، وبين مصر والسودان، وبين السعودية واليمن، والسعودية وقطر، والسودان وليبيا، والبحرين وقطر، والجزائر والمغرب، وسوريا والعراق. وانطلقت محاولة إغتيال الرئيس مبارك فى اديس ابابا من السودان، والملك عبدالله ملك السعودية من ليبيا، والرئيس ابو مازن من حماس فى غزة، وأمير الكويت الراحل الشيخ جابر الصباح من العراق، ومحاولات عدة لإغتيال الملك حسين وياسر عرفات لم تنطلق من إسرائيل بل من دول عربية مجاور. والرئيسان بشير الجميل ورينيه معوض ورئيس الوزراء رفيق الحريرى ومعظم الإغتيالات فى لبنان جاءت من سوريا، وما لم يعلن عنه أكثر من هذا بكثير. أما الخلاقات الحدودية تكاد تكون قاسما مشتركا بين معظم الدول العربية. وقد ساندت كل من السودان واليمن والاردن ومنظمة التحرير وليبيا عراق صدام فى احتلاله للكويت، وساندت معظم الدول العربية سوريا فى احتلالها للبنان، وتساند سوريا وقطر والسودان ودول عربية أخرى حماس فى احتلالها لغزة.
أما تصدير المؤامرات والإرهابيين والمخربين بين الدول العربية فحدث ولا حرج، واقرب الأمثلة هذا التخريب الذى يحدث فى العراق منذ 2003 قد جاء معظمه عابرا للحدود.
على مستوى الشأن القطرى الداخلى يشكل الإستبداد والقمع والفساد وإضطهاد الأقليات والحروب الأهلية والإنقلابات العسكرية والصراع العنيف على السلطة العناويين الرئيسية للحالة العربية. وأكثر من نصف الدول العربية أما دول فاشلة أو فى طريقها للفشل، انظر إلى حالة الصومال والسودان ولبنان واليمن والعراق وموريتانيا والحالة الفلسطينية فهذه كلها دول فاشلة بامتياز وأكثر من عدد هؤلاء دول فى طريقها للفشل.
أما ضحايا الحروب الأهلية داخل الاقطار العربية فهى أكثر من عشرين ضعف ضحايا الحروب العربية الإسرائيلية مجتمعة.
وتشكل المحاور المتصارعة عنوان الحالة العربية الجماعية طوال نصف قرن. فى الخمسينات والستينات كانت مصر تتزعم الراديكالية العربية، وتم تقسيم العرب إلى أنظمة ثورية تقدمية وأنظمة محافظة رجعية، وانطلقت ابواق الثوريين تصف المحور الآخر بالعمالة والخيانة والتحالف مع الإمبريالية فى مواجهة التقدميين العرب، وكانت وصلات الردح والشتائم تنطلق بلا ضابط فى مواجهة الخصوم، وشكل صوت العرب عنوان الحروب الإعلامية والمذيع احمد سعيد رمزا لهذا القبح الإعلامى، ووصل الأمر للتطاول على رؤساء وملوك فى خطابات عامة للرئيس عبد الناصر حيث وصف رئيس الوزراء البريطانى المخضرم انتونى ايدن بالخرع، وكانوا يلقبون الملك حسين بابن زينة نسبة إلى امه، واكتظت الساحة بالردح والشتائم والبذاءات وإرهاب الطرف الآخر وإبتزازه.. واسفرت هذه الحروب عن تصدير العسكرة المصرية للعراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان والجزائر ومنظمة التحرير الفلسطينية. وجاء إنكسار هذا المحور فى عام 1967، وذهب عبد الناصر منكس الرأس ومنزوع الأسنان إلى قمة الخرطوم.... وأنتصرت الأنظمة الملكية والعائلات الحاكمة فى الخليج والاردن والمغرب فى الحفاظ على إستقرار وتنمية بلدانها بشكل افضل بكثير من عنتريات الثوريين العرب، وللأمانة التاريخية فان دولا عربية ممن كانت توصف بالرجعية تعاونت بشكل مباشر وغير مباشر مع امريكا والغرب وحتى إسرائيل من آجل الحفاظ على عروشها ولكسر محور الثوريين العرب،ووصل الأمر لتلقى ملوك عرب مرتبات سنوية من أجهزة استخبارات غربية.
وجاءت حرب 1973 لتعيد اللحمة العربية بشكل مؤقت، لتعود المحاور المتصارعة مرة أخرى بعد محادثات السلام المصرية الإسرائيلية التى توجت بمعاهدة كامب ديفيد عام 1978 وبمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979. وانقسم العرب مرة اخرى إلى دول الصمود والتصدى بقيادة العراق فى مواجهة الإنهزاميين والمطبعين وخونة الأمة الذين باعوا القضية حسب ادبيات دول الصمود، وانطلقت حملات الردح الإعلامى ضد القاهرة من بغداد ودمشق وطرابلس، وقاطعت كل الدول العربية مصر تحت الضغط والإبتزاز العراقى فيما عدا سلطنة عمان، وتم نقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس وطردت مصر منها.
ماذا فعل العرب بدون مصر؟ كلام وشعارات فارغة انتهت عام 1990 باحتلال صدام للكويت، ولم يقترب أحد من إسرائيل بل وجه صدام عدوانه إلى الكويت المجاور، وقبل ذلك وبتحريض من دول الخليج وبتشجيع من الغرب زج صدام بالعراق فى حرب طويلة مع إيران، ولولا الأموال الطائلة من دول الخليج والدعم الغربى والمساندة العسكرية المصرية وخاصة لتحرير الفاو لمنى العراق بهزيمة كبيرة امام إيران، وقد رد صدام الجميل لمن ساندوه بإجتياحه للكويت عام 1990، وكان هذا نهاية لهذا المحور الثورجى الشعاراتى والذى صار مسخرة للعالم بتخريفات وزير الإعلام العراقى الصحاف أمام عداسات المئات من وسائل الإعلام الدولية... وكان الصحاف رمزا للمرحلة.
ولم نكد نستريح قليلا من مغامرات محور الصمود والتصدى وسلوكه المخرب، حتى جاء الوضع اللبنانى عقب إغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريرى ثم حرب إسرائيل وحزب الله ليبرز محور جديد هو ما اطلق عليه محور المقاومة والممانعة فى مواجهة محور الإعتدال والذى وصفوه بالمحور الامريكوصهيونى، وتحول الأمر إلى الصراع السافر خلال حرب إسرائيل وحماس الأخيرة، ولكن هذه المرة بقيادة دولة غير عربية وهى إيران وتتبعها سوريا وقطر وحزب الله فى لبنان وحماس فى غزة وجيش المهدى فى العراق والتنظيم العالمى للأخوان المسلمين والحركات الإسلامية المتشددة المنتشرة فى كل الدول العربية وعشرات الملايين من العرب المتطرفين والمحبطين والفاشلين.
كل هذه المحاور الراديكالية المخربة لها هدف معلن وثابت وهو مقاومة إسرائيل وامريكا والامبريالية العالمية، ولكن الأهداف الحقيقية غير ذلك، فالثوار العرب بقيادة عبد الناصر رغم شعارهم رمى إسرائيل فى البحر كان هدفهم الحقيقى تصدير العسكرة المصرية وممارسة الهيمنة والزعامة وفقا لتطلعات زعيم شاب اهوج وطموح هو جمال عبد الناصر، ومحور الصمود والتصدى رغم شعار رفض السلام والإستسلام وتحرير فلسطين من البحر إلى النهر كان هدفه الحقيقى تحقيق الزعامة تحت قيادة سفاح دموى هو صدام حسين الذى ارهب الجميع بدمويته وعدوانيته، ومحو الممانعة رغم شعارات نجاد الكاذبة عن محو وإزالة إسرائيل هدفه الحقيقى هو ممارسة الهيمنة الإيرانية على المنطقة عبر تفكيك الدول العربية ونشر الفوضى فيها، ولهذا كان من الطبيعى أن تهزم إسرائيل كل هذه المحاور التى تتخذ من الصراع مع إسرائيل عنوانا وتكئة لها عكس اهدافها الحقيقية.
نجح المحور الراديكالى الجديد فى تفكيك لبنان وسيطرة حزب الله فعليا عليه، وجاء مؤتمر قطر ليخضع الجميع لطلبات حزب الله فى مقابل حالة إستقرار هش يحدده حزب الله وينقضه حزب الله وفقا لمتطلبات الأجندة الإيرانية، وفى غزة قضت حماس على حلم الدولة الفلسطينية ووضعت هذه القضية المركزية عند العرب فى جيب عدوتهم إيران.
ورغم أن العداوة السعودية الإيرانية هى الأشد، إلا أن إيران تدرك أن هزيمة محور الإعتدال لن يتحقق إلا عبركسر مصر باعتبارها الطرف الاقوى الذى يستطيع التصدى وعرقلة الهيمنة الإيرانية، ولهذا صوبت المدافع الإعلامية الثقيلة تجاه مصر، فخرج حسن نصر الله ليحرض المصريين وجيشهم على زعزعة أركان الدولة، وانطلقت ابواق حماس لتتهم مصر بكل التهم القبيحة، وحاولت حماس تصدير مشاكلها أكثر من مرة عبر الحدود المصرية، ووصل الأمر لنشر وكالة أنباء إيرانية لخبر مكافأة مالية قدرها مليون دولار رصدها مواطنون إيرانيون بالتنسيق مع الجهات الأمنية هناك لمن يغتال الرئيس مبارك فى أى مكان فى العالم، وشارك احمدى نجاد فى مظاهرة حاشدة مساندة لغزة فى طهران وكانت احدى اللافتات الكبيرة فى المظاهرة مرسوم عليها صورة مبارك وتحته بالفارسية والانجليزية عبارة اشنقوا هذا الرجل. وفى الوقت الذى كان احمدى نجاد يرفع يديه فى الدوحة بعلامة النصر كان المرشد الاعلى خامنئى يقول فى طهران quot; على الخونة العرب أن يعرفوا أن مصيرهم لن يكون أفضل من مصير اليهود الذين قاتلهم النبى محمدquot;.
أما أغرب ما فى هذه الحرب فهو الدور القطرى، الذى حار الكثيرون فى تفسيره لدرجة ان بعض الأقلام تتهم قطر بأنها جزء من مؤامرة دولية واسعة لتخريب المنطقة ونشر الفوضى فيها، وبعيدا عن نظرية المؤامرة لم يستطع أحد تفسير الدور القطرى بشكل علمى ومنطقى حتى الآن، أو يفسر لنا هذه الالغاز فى السياسة القطرية، ولماذا تورط دولة صغيرة وشديدة الثراء نفسها فى هذا الوحل؟!!
وتلعب قناة الجزيرة دور المدفعية الإعلامية الثقيلة ضد مصر ولصالح محور الممانعة لدرجة إنها لم تترك متطرفا أوشتاما أو رداحا إلا وإستضافته فى هذه الحرب، ولا تستغربوا أن أكثر هؤلاء من مصر، فالذى صنعه نظام عبد الناصر من تربية لهؤلاء الراديكاليين الغوغاء، وما صنعه السادات من تربية للمتطرفين الإسلاميين، وما صنعه مبارك من جعل الصحافة أداة للتنفيس ونشر الكراهية والبذاءات، كل هذا تحصده مصر حاليا.
وبات مهدى عاكف وحسن نصر الله وخالد مشعل ومحمد نزال رموز المرحلة... وفى النهاية دفعت الشعوب ثمن مغامرات هؤلاء الحمقى... وأصعب الأيام لم يعشها الشرق الأوسط بعد.
[email protected]