سيد القمنى يكتب ليضع نفسه فى دائرة الخطر الدائم، ببساطة لأنه يسير عكس التيار العريض فى مصر والمنطقة فى العقود الثلاثة الأخيرة.. هو صوت صارخ فى البرية المصرية ضد الدولة الدينية وضد استغلال الدين فى السياسة والمصالح والفساد والنهب والسلب، ولهذا كانت مفأجاة من العيار الثقيل أن يحصل سيد القمنى على جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الإجتماعية لعام 2009.
لقد نزل الخبر كالصاعقة على الإرهابيين والمتطرفين ودعاة الدولة الدينية ودراويش الوهابية والخومينية وعملاءها فى مصر. ما يدهشك أن هؤلاء الذين يتحدثون عن الحرام والحلال والشرف، وعن اموال الدولة التى اهدرت على جائزة منحت لمفكر افنى عمره فى البحث العلمى الجاد، هم أنفسهم مرتزقة وارهابيون يتلقون الأموال من الوهابيين المتطرفين ومن مراكز الإسلامية الدولية التى تمول الإرهاب عبر العالم، بل وصل الأمرببعضهم بتروييج مبدأ الإستحلال والقتل والسرقة لتمويل أنشطتهم الإجرامية فى مصر والعالم..

شجاعة سيد القمنى وخليل عبد الكريم وفرج فودة وسعيد العشماوى وسناء المصرى أنهم كتبوا ما كتبوه فى ظل حالة الهياج المتأسلم الذى سيطر على المنطقة فى العقود الثلاثة الأخيرة، وأنهم كشفوا هؤلاء المرتزقة المتاجرين بالدين الذين يعملون على نشر الفاشية الدينية والخراب والدمار ليس فى مصر وحسب بل فى العالم كله. لقد دفع فرج فودة حياته ثمنا لجرأته هذه، ولا ابالغ القول بأن ما يتعرض له سيد القمنى من تحريض على القتل منذ فوزه بالجائزة أكثر بكثير مما تعرض له فرج فودة وأدى إلى إغتياله.
لقد تم تكفير سيد القمنى من أكثر من جهة تمهيدا لقتله، ففى بيان تحريضى سافر لجبهة علماء الأزهر جاء به quot; ما نشره سيد القمنى كفر بواح لا يحتمل تأويلا... لقد خرج سيد القمنى عن كل معالم الشرف والدين، ولقد تأكدت ردتهquot;. ولم تكتف هذه الجبهة بتكفير سيد القمنى بل تعدت ذلك بتكفير وزير الثقافة المصرى فاروق حسنى حيث جاء فى بيانها quot; أيها الوزير المغرور، إن المعين على الغدر شريك الغادر، وإن المعين على الكفر شريك الكافرquot; أما الشيخ محمد عبد المنعم البرى، رئيس الجبهة، ففى برنامج على قناة المحور المصرية، لم يكتف بتكفير سيد القمنى ووزير الثقافة فحسب بل كفر كل أعضاء لجنة التحكيم والتى تربو على 60 مثقفا من أبرز المثقفين فى مصر والمنطقة العربية بقوله quot; سيد القمنى كافر ومن يعين الكافر فهو كافرquot;، بل ووصل فى تبجحه بأنه هو الناطق بأسم الله حين قال quot; مش انا اللى كفرته.. الله كفرهquot;!!!. وعندما سألته المذيعة: هل قرأت كتب القمنى؟ قال: اقرأ أنا الزبالة دى!!!... وفى نفس المقابلة كفر حسن حنفى بقوله quot; حسن حنفى من أعلام الردةquot;.
وجب التنويه بأن هذه الجبهة كانت قد أصدرت بيانا تكفيرا ضد فرج فودة قبل إغتياله مباشرة... وما زال هؤلاء المحرضون يمرحون ويتبجحون، فى حين دفع فرج فودة حياته ثمنا لأفكاره تاركا اطفاله الصغار وأسرته يعانون الحزن والآلم.

أما مفتى مصر الأسبق نصر فريد واصل فقد وصف كتابات سيد القمنى بقوله quot; فكر منحرف وضالquot;. فى نفس الوقت خرج الأصولى المصرى الهارب فى لندن هانى السباعى عن كل أخلاقيات الحوار على قناة ال بى بى سى بوصفه لسيد القمنى بالحشرة والجرثومة والقملة، وقال quot; هذا الرجل زنديق مرتد خارج عن الإسلامquot;.. وتخطى السباعى كل الحدود عندما كفر كل من يدافع عن سيد القمنى.. ولا اعرف كيف يرتكب هذا الأحمق جرائم التحريض على القتل من قلعة من قلاع الحرية والقانون فى العالم، ورغم مخالفة ذلك التحريض الصريحة للقانون البريطانى... أنا ادعو المدافعين عن الحريات فى بريطانيا التقدم بطلب للسلطات البريطانية ضد هذا المتطرف الهارب من بلده، والذى أرتكب جريمة التحريض على القتل أمام الملايين على الهواء مباشرة.

جماعة الاخوان المسلمين لم تتأخر هى الأخرى عن المشاركة فى زفة التكفير والتهديد، وحيث أن البرلمان المصرى فى عطلة برلمانية حاليا، ولهذا قام المتحدث بأسم الأخوان فى مجلس الشعب حمدى حسن بتوجيه سؤالا برلمانيا لرئيس الوزراء المصرى حول لماذا تعطى الدولة جائزتها لمن يسب الإسلام ويسب الدين الإسلامى على حد قوله، وجاء فى بيانه quot; ان الشعب المصرى قد يقبل أن يأكل لحوم الحمير والقطط أو يأكل قمحا مسرطنا ولا يصلح للاستخدام الآدمى، وقد يقبل أن يحرق فى قطار او يغرق بعبارة ولكنه بالتأكيد لا يقبل إهانة دينه وربه ورسولهquot;... هذا يوضح بجلاء أن هذه الجماعة لا يهمها الشعب المصرى ولا رفاهيته ولا صحته ولا تقدمه وإنما يهمها فقط تحويل مصر إلى دولة دينية ظلامية.

يوسف البدرى، المعروف بشيخ الحسبة الدينية والمتخصص فى مطاردة المفكرين المصريين، هدد القمنى بعد أن كفره علنا ووصفه بأنه علمانى جدلى هيجلى ماركسى خارج عن الملة، وأعلن بأنه سوف يرفع قضية بسحب الجائزة منه.
الجماعة الإسلامية هى الأخرى خرجت ببيان شديد اللهجة يدين منح الجائزة للقمنى، وقالت فى بيانها أن quot; منح الجائزة للقمنى منتهى الإهانة والإساءة للدولة المصرية التى لم تراع وزارة الثقافة فى عهد وزيرها الحالى، لها حرمة ولم يحترم لها ديناquot;.

الكاتب الاصولى جمال سلطان وصف سيد القمنى بالتافه و بأن ما يكتبه مجرد وساخات، وشن هو وشقيقه محمود سلطان فى موقعهم الالكترونى quot; المصريونquot; حملة شرسة يومية أستدعت كل أدوات التكفير والتحريض والتهديد على سيد القمنى منذ الإعلان عن منحه الجائزة. ولم يتأخر المحامى نبيه الوحش كعادته عن رفع قضية لسحب الجائزة من القمنى... هذا علاوة على نشاط كل الاقلام الاصولية تقريبا من ممدوح اسماعيل وايمن الجندى ورفعت سيد احمد إلى الشيخ فرحات المنجى والشيخ عبدالله مجاور... والقائمة تطول.

ما يحدث ضد سيد القمنى تعدى مسألة الاختلاف الفكرى والاحتجاج على منحه الجائزة إلى حملة تحريضية واسعة لإنهاء حياة مثقف أعزل لا يملك إلا قلمه فى مواجهة هؤلاء المكفراتية الملوثة أياديهم بدماء الابرياء. وما يحدث يعنى محاولة لقتل معنى الجائزة وقيمتها، فالجائزة فى الأساس تمنح على المجهود الفكرى والعلمى والبحثى وليس على الإيمان والكفر... ولكن هؤلاء لا يعنيهم العلم ولا البحث ولا الفكر ولا التقدم وأنما هم تجار دين وسافكى دماء، ولهذا فقد حرضوا على أديب مصر العظيم نجيب محفوظ من قبل رغم حصوله على أرفع الجوائز العالمية وهى جائزة نوبل.
ما يحدث لسيد القمنى يضع الليبراليين ودعاة المجتمع المدنى والدولة المدنية أمام مسئولية حقيقية هذه المرة، ولا يجب ان يمر ما يحدث مرور الكرام، فهذا التحريض على القتل هو جريمة وفقا للقانون المصرى والدولى.
علينا أن نتحرك بشكل مختلف، فإدانة المثقفين لمثل هذا السلوك الإجرامى عبر البيانات والمقالات ليست كافية.. علينا أن نتحرك بشكل عملى لمواجهة جحافل الظلام وخفافيشه.
ولهذا اتقدم باقتراح واضح بتكوين جبهة من المفكرين والمثقفين لمقاضاة هؤلاء الظلاميين التكفريين، ويشرفنى باعتبارى مسئولا فى منتدى الشرق الأوسط للحريات أن أعلن على أن المركز يرحب بأستضافة ورعاية هذه الجبهة.
ايها السادة لقد قصرنا جميعا فى حق فرج فودة وفى حق أسرته من بعد استشهاده.. وعلينا ان نكفر عن أخطائنا ولا نسمح بتكرر ما حدث مع مفكر آخر بحجم سيد القمنى.
ايها السادة هذه دعوة لمفكرى مصر ومثقفيها بالتضامن العملى مع سيد القمنى، الذى تعيش أسرته فى حالة هلع وخوف من جراء هذه التهديدات الإجرامية.
نعم على الحكومة مسئولية حماية سيد القمنى من هؤلاء القتلة واتباعهم... ولكن علينا نحن مسئولية أخرى، وهى وضع حد لهذا الإرهاب الفكرى والجسدى بالعمل على تقديم مرتكبيه للعدالة.
كلنا سيد القمنى.... كلنا مستهدفون
فإذا كانت هذه العصابات لم تتورع عن استهداف شيخ ثمانينى مسالم وعلم من أعلام مصر الحديثة كنجيب محفوظ... فلا شئ سوف يردعهم سوى سلطة القانون الأمر بعقاب هؤلاء القتلة على جرائمهم الكثيرة فى حق الوطن وحق الإنسانية.
[email protected]