لم يكن يدور في خلدي أني سأضطر إلى كتابة شيء حول موضوع كـquot;الانتخاباتquot; التي ستُجريها quot;رابطة الكتّاب السوريينquot; التي نشأت كتعبير حرّ عن إرهاصات الثورة السورية. أقول إن أمراً كهذا لم يخطر في بالي، لأني كنتُ أتوقّع أن من يُدير العملية مشكوراً - أقصد الصديق نوري الجراح - يعرف بأن العشرة آلاف سوري الذين استشهدوا إلى اليوم إنما فعلوا ذلك لأسباب بينها مصادرة أصواتهم.
والحكاية باختصار كالآتي:
أعلن موقع الرابطة - الذي يُديره مشكوراً نوري الجراح - عن فتح باب الترشُّح لانتخابات الأمانة العامة للرابطة والتي سيكون من بين مهماتها انتخاب رئيس للرابطة (ثمة شرط يجب أن يتوافر في رئيس الرابطة وهو ألا يكون مرشحاً لانتخابات الأمانة العامة... ولذلك لم يُرشِّح نوري الجراح نفسه وهذا من حقه تماماً، ولكني أسجّل هذه المعلومة كي أُنير بها درب القارئ فيفهم أين تكمن quot;اللعبةquot;).
وبناءً على ذلك رشّح العديد من أعضاء الرابطة أنفسهم.
فإذ بنا نتفاجأ - قبل ساعات فقط من بدء الانتخابات!! - بأن الموقع نشر لائحة يتيمة بعنوان (أ) مكوّنة من 25 اسماً قائلاً إنه يجب على الجميع اختيار لائحة من بين اللوائح (أين هي اللوائح؟!!) وانتخاب جميع أعضائها ويُمنَع تشطيب أي اسم!!!
يعني بالمختصر المفيد إن على الجميع انتخاب الأسماء الـ25 الواردة في اللائحة اليتيمة!!! ويعني أنهم فازوا بالانتخابات قبل أن تبدأ الانتخابات!! وذلك كلّه باسم quot;العمل الديموقراطيquot;!!
ولأنني لم أسمع في حياتي بشيء عجائبي كهذا الشيء (حتى الأنظمة الدكتاتورية تفرض لائحة أسماء وتقول اختاروا بينها ويحق لكم تشطيب بعضها)، قمتُ - وبكل محبّة واحترام - بسحب ترشيحي مع توضيح السبب.
وقد أيّد كلامي العديد من الأصدقاء أعضاء الرابطة (وثمة من سحب ترشيحه أيضاً كالشاعر أكرم قطريب... وأُسجِّل للصديق عزت عمر محاولته الصادقة إيجاد حل لهذه المعضلة)، وقد طالب بعضهم بإعادة النظر في مسألة اللائحة المفروضة، وتساءل آخرون عن الكيفية التي جرى فيها تشكيل هذه quot;اللائحة المُحكَمةquot; بتعبير حسين الشيخ؟ ثم لماذا تمّت المسألة بهذه السرّية التامّة وأُعلنت اللائحة quot;الإلزاميةquot; بشكل مفاجئ قبل ساعات فقط من بدء الانتخابات؟!
وعوض أن يأتينا توضيح من العزيز نوري الجراح يردّ فيه على استفساراتنا المشروعة، ويُطمئن هواجسنا تجاه هذه الحالة الغرائبية غير المسبوقة من فرض الأسماء قسراً... فإذ به ينشر على موقع الرابطة (الذي بات أشبه بموقع شخصي له ولمقابلاته ونشاطاته) ما أسماها بـquot;الرسالة العاجلةquot; يقول فيها حرفياً ما يلي: quot;... ساهم النظام الدكتاتوري لمدّة نصف قرن في تشويه ومسخ الشخصية السورية بحيث امتلأت بكافة أشكال العقَد والريبة والشك بأي شخص أو مؤسسة أو تجربة جديدةquot;!!!
أي أن اعتراضنا هو نتيجة quot;العقَدquot; التي خلَّفها فينا حافظ الأسد... نحن المسوخ!!
ولم يكتفِ بذلك العزيز نوري الجرّاح، فإذ به يتهم quot;البعضquot; (الذي ليس هو سوى أنا) بـquot;التشهيرquot;!! (قام نوري بعد نصف ساعة من نشر هذه الاتهامات الغريبة بتحريف وتلطيف بعض الجمل فيها وحَرْف سياقاتها... ولكنني قمتُ بتصوير المادة الاتهامية بصيغتها الأصلية لحدْسي بأنه سيقوم بتحويرها حين ينتبه إلى كارثيتها ودكتاتوريتها وبأنها تفضح العقلية الإقصائية التي كتبتْها والتي تَعتبر حتى النقد المهذّب والخجول تشهيراً وخيانة!).
وهنا لا بد بأن أؤكد على أمرَين بخصوص اللائحة التي ndash; وأعتذر على فجاجتي ndash; شكّلها نوري الجراح بمساعدة أحد الكتّاب:
أولاً: بعض أعضاء اللائحة المفروضة أسماؤهم يُشرّفني أن أنتخبهم، ولكن ليس بهذه الصورة القسرية.
ثانياً: البعض الآخر من أعضاء هذه اللائحة الإلزامية لا أعرف الجرأة التي يتمتّعون بها كي يقوموا بفرض أنفسهم علينا فرْضاً!
يعني ماذا أقول في شخص مثل رشا عمران التي حلبتْ ضرع وزارة الثقافة وبقية المؤسسات حلْباً، وأنا أجد اسمها اليوم مفروضاً عليَّ فرضاً في اللائحة الإلزامية؟
ماذا أقول في فواز حداد الذي ما زال إلى اليوم يكتب زاوية أسبوعية في جريدة quot;الثورةquot;، وهو يُفرَض علينا فرضاً في اللائحة الإلزامية؟ (طبعاً هو حرّ في أن يكتب أين يشاء، لكننا نطالبه ببعض الانسجام مع نفسه، فإما هنا وإما هناك... وهذه العقلية في جَمْع quot;المكاسبquot; معيبة).
وليس آخراً، أعتذر على وقاحتي في ما أكتب يا عزيزي نوري، ولكني أقول علناً ما يقوله الجميع في السرّ. وكان يمكن ببعض الشفافية وبعض التواضع منك وعدم تخوين كل من انتقدك، أن تحلّ المسألة بـquot;الشكل الديموقراطيquot; الذي تريد أن تُمرِّر باسمه هذه العجائب. وعن نفسي، أنا أكثر من يتمنى أن تكون رئيساً للرابطة (تقديراً لجهودك في التأسيس)، لكن بغير هذه الأساليب.
وأسألكَ: هذه الرابطة التي لا تملك سوى رأسمالها الرمزي، ما ستكون عليه حين تفقد هذا الرأسمال؟ كيف سنردّ على رئيس اتحاد الكتّاب حسين جمعة غداً وهو يقول بأنه أكثر ديموقراطية منا، فهو يكتفي بتزوير النتائج بعد quot;الانتخاباتquot;... بينما نحن نفرض النتائج قبل quot;الانتخاباتquot;؟

***
حين أُعلن فتح باب الترشيح، قلتُ للصديق أكرم قطريب مازحاً بأنني سأترشح في أول انتخابات ديموقراطية سورية ولو كانت من أجل الفوز بالركوب على حمار جدّي في قرية كفر اللحف... فأنا منذ العام 2003 مجرّد من حقوقي المدنية كسوري، ولم يسبق لي أن ترشّحت لأي شيء. وعشتُ منذ ذلك الوقت في لبنان هارباً بلا أوراق أو جواز سفر حتى العام 2008 وقد أُوقفتُ وسُجنت مرّتين في سجون الأمن العام اللبناني وكنتُ على وشك التسليم إلى السلطات السورية لولا تدخّل بعض الأصدقاء. واليوم أعيش لاجئاً في أميركا لا يحق لي أن أنتخب شيئاً أو أن أترشّح لشيء.
قلتُ لأكرم: سأترشح لمرّة واحدة كي أفقأ هذه الدمّلة... كي أحسَّ بسوريتّي التي لا أملك دليلاً ثبوتياً عليها سوى دفتر عسكريتي.
اليوم يا صديقي أكرم، بعد هذه المهزلة، لم يعد لي رغبة في الترشُّح لأي شيء أو انتخاب أي شيء... كما أن حمار جدّي قد مات... وجدي قد مات أيضاً.