&
لم تكن السنة 2015 للعراقيين أفضل من سواها. ولم تكن عقود الديكتاتورية وسنوات "التحرير" منها، سوى نيران مستعرة وقودها الآمال في التحرّر الحقيقي. لماذا يتحوّل حلم الحرية الى كابوس؟.
لا أحد يمكن له أن يتدخّل في الأحلام. فهي الملكية الخاصّة الوحيدة للمحرومين. المستبدون يطلبون قطع الرؤوس التي تحلم. الرأس مستهدف دوما. غير أنّ الحلم معدي وسرمدي ولولاه ربّما كانت سنواتنا أسوأ. تأميم الأحلام صفة شمولية. بل هي جريمة مزدوجة تشترك في ارتكابها أكاذيب السياسة وأكاذيب الأديان المزيفة. أيادي السياسة والدين ملطّخة بدماء الأبرياء والمؤمنين. أيادي ملوّثة بالخطايا الكبرى. الحدود الفاصلة بينهما هي شفافة ومتحرّكة. تحرّكها المصالح الضيّقة للأفندية والعمائم معا. حلم العلمانية سيفصل بين مَن ومَن؟.
الخطأ الشائع هو في إعتقادنا أنّنا متخلفون وعاجزون. إستبطان الخطأ يؤثر في الأحلام ويشوّهها. سوف لا نتذكرها جيّدا في الصباح التالي. كلّ شعوب الأرض وكلّ أممّ المعمورة كانت متخلفة والذين تقدّموا هم الذين أمضوا في حلمهم قُدما حتى تحقّق في الواقع. كانت لهم أعوام بل وكانت لهم قرون حزينة أكثر ممّا نتصور. تكفي بعض المراجعات البسيطة للتاريخ لكي تؤكد لنا ذلك. الإصرار على الحلم هو سرّ الأسرار. هم إستغنوا عن الأوهام والخرافات التي هي كانت مجرّد طفيليات تعتاش على الأحلام الحقيقية والمشروعة. تدمّرها من الداخل وتحوّلها الى كابوس.
الوهم عدوّ الحلم. الإختلاف شديد بينهما في اللون والطعم والرائحة. الصراع الأساسي هو على الواقع المعاش. للوهم جماليات مشابهة لهلوسة المدمنين على المخدّرات. التكيّف مع الواقع الظالم وقبول تأجيل الحلول حتى يوم القيامة حيث العدالة الوحيدة التي تسكن في السماء.&
المثير للإنتباه، أنّ العراقيين بمختلف مكوّناتهم يسمّون بداية العام الجديد: رأس السنة. لا من مرادفات قريبة لها في اللغات الأجنبية. فالبداية عندهم هي في الرأس أولا. في أوهامه وفي أحلامه. فالسنوات لها رؤوس تتجدّد وتمضغ الأحلام والأوهام كلّ عام منذ بداية الخليقة. منذ سومر وأبناء بلاد الرافدين من العبيد والفقراء ومن ضحايا المعابد المقدّسة الذين بنوا مهد الحضارات الأولى في التاريخ حجرا فوق حجر بدمائهم ودموعهم وبصبرهم وصلواتهم وإنتظاراتهم الإسطورية الطويلة على ضفاف دجلة والفرات. كانوا طوال تاريخهم الغابر يحلمون ولا يتوّهمون.
حلم الحرّية والإنعتاق ونهاية الظلم والإستبداد كان يراودهم على مدى العصور. الخيبة المستمرّة لا تعني نهاية التاريخ ولا تعني إجهاض الحلم طالما أن الرؤوس التي أينعت وقطفت قادرة على توليد رؤوس جديدة في كلّ رأس عام. الخيبات تسبّب الأحزان حتما. ولكنّ شعب الرافدين الذي نجح دوما في تحويل أحزانه الى أغان والى الحان وترانيم ومقامات تختزنها الذاكرة الجمعية سوف لا يُهزم أبدا.&
الرؤوس ستعلو مع كلّ رأس عام والمعركة لم تنته بعد. معركة الأحزان النبيلة ضدّ الأفراح البليدة.
باريس
التعليقات