من المفارقات او لنقل من مأسي الواقع في منطقة الشرق الاوسط، ان لا احد يمكن ان يشعر بمخاوف والام الاخر المختلف، بل يحاول كل طرف التبرير والتخفيف الى حد نسف والتهكم على هذه المخاوف. ولكن حينما تصل النار الى جدران بيته، يبدي يصرخ ويستغيث، وهذه حال السيد اسامة النجيفي نائب رئيس الجمهورية العراق، بعد ان تمت اعادته بقرار المحكمة الى منصبه هذا.
اليوم يطالب السيد النجيفي ببقاء القوات الدولية، لكي لا تحدث افعال انتقام، بحق الناس، كما طالب مرار السيد صدام حسين عدم تسليمه للقوات العراقية، وفضل البقاء تحت حماية القوات الامريكية. وانا موقن، انه لو تم تخيير الكثير من زعماء المنطقة او سياسيها، بين خيارين ان يسلموا الى قضاة بلدهم ليحاكموا او للقضاء الدولي في حالة تم ازاحتهم من السلطة او تم احالتهم على القضاء/ لاختاروا القضاء الدولي، لانهم يدركون ان قضاء بلدهم ليس عادلا بل منحازا للسلطة وللقوة، وفي كثير من الاحيان للطائفة وللدين ايضا.
في محنة المسيحيين والازيدية في الموصل ومحافظة نينوى، كان السيدان النجيفي (اسامة واثيل) يحاولان وبكل الطرق اما نفي تعرضهم لاي اضطهاد او التقليل منه او رمي التهمة على البشمركة. ولكنهم في كل ذلك لم يبدوا اي تعاطف مع معاناتهم، وحينما كانوا يطالبون باي حق، مثل اقامة محافظة او ادارة ذاتية او حكم ذاتي، كانت تهمة اسرائيل حاضرة، انهم يريدون اسرائيل ثانية. وكأن اسرائيل جريمة وليست حقا، لا بل مجرد طرح مسألة اسرائيل على انها جريمة، يبين كم ان هؤلاء وكل من يطرحها بعيد عن الاقرار بحقوق الناس وعدالة ان يضمنوا العيش بسلام وعلى ارضهم وفي بلدهم، ويبين كم ان هؤلاء بعيدين عن مفهوم المجتمع الدولي وقوانينه.
ليس ببعيد عنا ما قاله السيد اسامة النجيفي في كندا، حينما خاطب المسيحيين، بالاحرى ردا على سؤال طرحه ممثل المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري في كندا حول رايه في مطالب الاشوريين بالحكم الذاتي في سهل نينوى، فقال ((لا تروحوا زائد)) وهي جملة تهديدية باللهجة العراقية، بما معناه انكم تطالبون بما لا يحق لكم ولذا فانكم ان استمريتم بهذا فالويل لكم.
لا اعتقد اننا او الاخوة الازيدية من انصار الانتقام، وخصوصا من البريء، بل نحن كلنا من انصار تفعيل القانون ومعاقبة المجرمين ممن تلوثت اياديهم بدماء الأبرياء، او قاموا باغتصاب او سلب او سبي او اي من الافعال الجرمية، التي يعاقب عليها القانون. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، مرارا وتكرارا، ماذا عن تكرار العمليات، وفي كل مرة يتم المطالبة بمعاقبة الجاني، الذي سيخرج بعد حين بقانون العفو. ماذا عن الذي لا يزال يقدم التضحيات والضحايا، لانه مسيحي او ازيدي او شيعي في منطقة اكثرها سنية او سني في منطقة اكثرها شيعية او كاكائي؟ هل عليهم ان يرتضوا بمصيرهم، اي ان تهب بين حين واخر موجة من موجات الاضطهاد والقتل والسبي ومن ثم الدوران في نفس اللعبة السقيمة، معاقبة الجناة، ومن ثم العفو عنهم بقوانين مصالحة، ونسيان من قتل غيلة وغدرا.
اليوم وقع الفأس على الرأس، والسيد النجيفي الظاهر ادرك، ان اردوغان وتهديداته لن تفيده، فمقابل تهديدات اردوغان المهزوم خارجيا والمنتصر على شعبه، هناك تهديدات مبطنة ايرانية المنتصرة على الاقل على المدى المنظور خارجيا وداخليا. وها هو الحشد الشعبي، يدق على ابواب الموصل، اي ان الشيعة وصلوا، فلم يجد السيد النجيفي بد من اللجوء الى القوات الدولية ومحاولة انشاء اقليم نينوى ولكن لم يقل اننا سنكون اسرائيل الثانية، لان لهم كل شئ مشروع وللاخرين حرام!
من كل هذه الطروحات والألاعيب السياسية الخبيثة، لا نجد اي تبرير، الا انه ليس هناك شعور وطني، ليست هناك مفاهيم وطنية، ليس هناك معنى لديهم لمفهوم المواطن، المجرد من دينه وطائفته، بل المواطن المتلحف بجنسيته فقط. ان همهم الاول والاخير انفسهم، وما يطرحوه من ما يستشف منه الخوف على طائفتهم ما هو الا غطاء لاستمرارهم وبقاءهم، وليذهب الوطن والمواطن وبالتالي حتى الطائفة الى الجحيم.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات