يبدو أن التخبط سيكون عنوان المرحلة القادمة في هذا العالم. التخبط الغربي بدا واضحا في خيار الشعب البريطاني الخروج من الإتحاد الأوروبي. والذي أتوقع أن يتبعه خروج أهم دولتين أخريين وهما ألمانيا وفرنسا. وربما يليه إنهيار هذا الإتحاد لأن ثلاثتهم عصب التمويل المالي لبقية أعضاء هذا الإتحاد؟؟ تبعه نتائج الإنتخابات الأميركية التي بدت وكأن الدولة العظمى راعية الديمقراطية في العالم تتخلى عن قيمها الأساسية في التعايش وإحترام الآخر حتى الأميركي من لون أو عرق يختلف عن الأبيض.. والتي يعمل الرئيس المنتخب حاليا على ترميم ما عمل على تصديعة خلال معركته للفوز. كلاهما ( أميركا والإتحاد الأوروبي ) سيصلح من أمره ولن يتخلى عن قيمه الديمقراطية على المدى البعيد حتى مع قلق دول الإتحاد من تخلي أميركا عن حماية الديمقراطية في اوروبا.. ولكن الجميع سيعمل على الإصلاح الداخلي وحماية قيمة التعايش من خلال سيادة القانون , والتعاون الإقتصادي ولكن وبالتأكيد سيعملوا جميعا ومن خلال نقد انظمتهم وتحليل مواضع الخطأ وإعادة تقييم لكل ما من شأنه حماية المواطن حتى من الأصول المختلفة ما دام يحمل قيم التعايش أما الروابط الإنسانية التي ترعرعت خلال الترويج للقرية الكونية فستكون ولفترة ما أول الضحايا.
أما في الشرق الأوسط فالتخبط وفقدان بوصلة الحكمة والتعقل تبدو واضحة ليس فقط من خلال الحروب والصراعات التي نعيش وقعها وصداها يوميا.. ولكن أيضا من خلال الخطابات النارية والأحكام والغير متعقله التي نقرؤها ونسمع بها من الدول القوية وذات النفوذ في المنطقة. والتي ’فتّنا بها سابقا. كما في الديمقراطية التركية التي إعتقدت شعوب المنطقة بأنها حبل النجاة للخروج من مقولة عدم توافق أي دين مع الديمقراطية. حين ثبّت أردوغان نفسه من خلال البناء الإقتصادي المتين للدولة, وتعايش ديمقراطيتها مع إعتدال في الدين والتديّن.. ولكنه يبدو الآن كمن يطيح بكل هذا في السنوات الأخيره من خلال سياسته لأسلمة الدولة و أحلام وأوهام العودة إلى السلطنة العثمانية؟
في يوم الجمعة 25 من الشهر الحالي صب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جام غضبه على قرار الإتحاد الأوروبي تجميد مفاوضات إنضمام تركيا له.. وهو القرار الذي جاء نتيجة الإجراءات القمعية والتعسفية التي إنتهجها أردوغان بعد عملية الإنقلاب الفاشلة التي أرادت الإطاحة به وبحكمه.. والتي كان من نتيجتها عملية قمعية لا تتوافق مع معايير الإتحاد الأوروربي في الحريات وحقوق الإنسان وبالذات حق التعبير. التي إنتهكتها حكومته حين قامت بإغلاق صحف ومجلات وجوامع ومدارس وجامعات.. إضافة إلى إعتقال ما يزيدعلى 100 ألف مواطن تركي على رأسهم السيدة سبنام فنجاني، أشهر طبيبة عدلية في تركيا، ورئيسة مؤسسة حقوق الانسان فيها. بعدما ادلت بشهادتها امام البرلمان السويدي عن الإنتهاك الممنهج لحكومة اردوغان للمناطق الكردية. مؤدية وظيفتها وما يمليه ضميرها.. والصحافيان الآخران السيد أحمد نسين والسيد اوندر أوغلو.
تهمتهم التي وجهها لهم النظام بعد سيطرته التامة على القضاء التركي هي تضامنهم مع صحيفة " اوزغور كورندم " الموالية لحقوق الشعب الكردي وهذا التضامن ’يعتبر من وجهة نظر الحكومة التركية تضامنا مع الإرهاب بمعنى ان كل من يساعد الإرهاب هو إرهابيا؟
’ترى ما الذي يريده أردوغان بعد أن بدا وكأنه ليس فقط يود الإطاحة بإرث أتاتورك في الحريات والديمقراطيه والعمل على خلق علاقة يستفيد بها الطرفان التركي والأوروبي. وإنما أيضا وعلى الصعيد الداخلي هدم كل ما بناه في السابق إقتصاديا وسياسيا. وإنتهج خلال الفترة السابقة سياسة القمع وهو ما يؤدي إلى بث الخوف في المواطنين و’يسهّل الإستبداد ولكن لفترة قد تطول وقد تقصر تبعا للإرادة الشعبية وقدرتها على الإطاحة به؟
هل فقد بوصلة العقل حين هدد الإتحاد الأوروبي الذي طالب فقط بتجميد الإتفاقات وليس الرفض.. بينما يعلم تماما بأن قبول عضوية تركيا محل جدل وتضارب فكري كبير بين دول الإتحاد والأسباب متعدده ومنها خوفا من ماضي تركيا و ما يضمره الإسلاميون للعالم إضافة إلى الإختلاف العميق بين الثقافتين!
تهديده بفتح حدوده كاملة والسماح لكل من يريد الهجرة إلى أوروبا بالعبور إليها.قوبل من أكبر دولتين في الإتحاد ( فرنسا وألمانيا) باللا مبالاة.. خاصة مع ما يلوح في الأفق من العودة بالدولتين إلى فكرة الحدود حماية لنفسها وحماية لمواطنها.. وإن كان تهديده أيضا قد ’يعتبر شكلا من اشكال التهديد بحرب وإن كانت غير عسكرية.
تهديده بإجراء إستفتاء شعبي للمواطنين الأتراك في كيفية التعامل مع الإتحاد مالم ’يسجّل أي تقدم في موضوع العضوية بالتأكيد مؤشرا على التحريض. ولكن هل ’يعتبر مؤشرا للتحريض على حرب مع أوروبا وهل يريد المواطن التركي الدخول في أية حرب؟؟ أم ما هو المقصود منه؟
آخر إستفتاء قام به رئيس الوزراء البريطاني حول عضوية بريطانيا في الإتحاد ’معتقدا بل وواثقا بأن المواطن البريطاني لن يتنازل عن هذه العضوية.. أصيب بخيبة امل حين صوّت البريطانيون بأغلبية على الخروج. وعلية خرج هو نفسه من السلطة!
تهديده بإعادة العمل بعقوبة الإعدام وإن كان ’مخالفا لمعايير القيم المعمول بها في الإتحاد إلا أنه لن يضير أي من دول الإتحاد. وإنما وبالتاكيد س’تعجّل في الإطاحة به داخليا لأنها ستكون القشة التي قضمت ظهر البعير. لأنها ست’عتبر تأكيدا للشعب التركي بالعودة إلى أساليب السلاطين العثمانيين في الإستبداد والبطش؟
التخبط وعدم البصيرة بدا جليا قبل أيام قليلة, حين سحبت الحكومة التركية مشروع قانون يسمح بالعفو عن مرتكت جريمة الإغتصاب فيما إذا قرر الزواج بالمغتصبه. والذي أدين دوليا ورفضا محليا لأنه قد ’يشجع على زواج القاصرات.
التخبط السياسي الحاصل في اوروبا.. والذي زاده حدة شجاعة أنجيلا ميركل وإحتضانها لمليون لاجىء بدون أي تحضيرات لمشكلة الإختلاف الحاد في الحضارتين أوقعتها في أزمة ثقة كبيرة مع الشعب الألماني.. يقابله تخبط أردوغان وتهديده بإغراق اوروبا بالمهاجرين ’ينذر بأننا نقف على فوهة بركان لا نعرف متى سينفجر!
من كل ما سبق, يبدو جليا بأن التخبط السياسي لأردوغان سيكون السبب الأول في الإطاحة به ونسيان كل إنجازاته الإقتصادية. حفظا وحفاظا على إرث أتاتورك في الديمقراطية والحقوق والذي هو أمل كل شعوب المنطقة عاجلآ أم آجلآ!
- آخر تحديث :
التعليقات