منذ عام 2002 لما وصلت اردوغان و حزبه حزب العدالة و التنمية الى سدة الحكم فى تركيا نتيجة انتخابات عامة و الحصول على نسبة اكثر من 28ر34% من اصوات الشعب التركى، ولحد الان وحدهم مستمرين فى السلطة و الحكم بدون حكومات ائتلافية اكثر من 14 عاما،وهذا نصر لا مثيل له فى تاريخ حزبى سياسى فى تركيا وخاصة الاسلاميين، وبالحق نقول ان الحصة الكبيرة فى هذا النصر و الانجازات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية بدرجة اساسية تعود لدور و كاريزما لاردوغان نفسه كمؤسس و رئيس الحزب و بدرجة الثانية الى سياسات الحزب فى كافة المجالات الحياة.

من المعلوم ان شعب التركى و المجتمع التركى مجتمعا دينيا اسلاميا منذ خلافة العثمانيين قبل اكثر من 600 عاما و قبل ذالك، ولهذا الدين الاسلامى له تاثيره الكبير على خلفية الافكار و التوجهات السياسية للفرد و المجتمع معا، مع العلم ان اتاتورك و حزبه حزب الشعب الجمهورى منذ عام 1923 وحتى2002 حاولوا بكل الوسائل ان يغيروا طبيعة المجتمع التركى من مجتمع دينى و اسلامى الى مجتمع مدنى و علمانى و الطورانى، ولكن بعد فوز حزب العدالة و التنمية فى الانتخابات رجعت المياه الى مجاريها و من خلال 4 انتخابات عامة استطاع اردوغان و حزبه تسجيل انتصارات كبيرة و النتائج المرضية لهم.

ولكن و بعد 14 عاما و قبل ذالك اردوغان حاول بكل الوسائل ان تمحوا كل سياسات العلمانية و تقليل من السلطات العسكرية الحاكمة و المتسلطة بالحديد و النار عللى كافة مجالات الحكم و لحد كبير استطاع ان ينتصر فى كل المجالات، و بعد ذالك حاول ان يتفرد بالسلطة لنفسه عن طريق انتخابه لاول مرة كنائب للبرمان و بعد ذالك رئيسا للحكومة و الان رئيسا للجمهورية و منذ عام 2015 حاول بكل جهده ان يفوز حزبه باغلبية ساحقة فى البرلمان التركى لكى يتغير نظام الحكم من البرلمانى الى الرئاسى لكى هو وحده يصبحوا امرا وناهيا فى كل صغيرة و كبيرة و لا يحسب حسابا للحكومة و الوزراء و غيرهم، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ((تجري الرياح بما لا تشتهي السفن)) ففى انتخابات عامة فى 7 حزيران 2015 اصيب حزب العدالة و التنمية و اردوغان نفسه بنكسة كبيرة و لم يحصلوا الى على 258 مقعدا برلمانيا وهذا الرقم اقل من نصف المقاعد للبرلمان و لهذا اضطرت اردوغان و حزبه لتكوين الحكومة الجديدة بمشاركة احزاب المعارضة ولكن الاحزاب المعرضة رفضوا طلب العدالة و التنمية ولم يشاركوا فى الحكومة. ومن ضمنهم حزب الشعب الديمقراطى الكردى الذى حصل على 80 مقعدا و تجاوزت النسبة 10% لاول مرة فى تاريخ الدولة التركية الجديدة و هذا بحد ذاته انتصارا كبيرا و تاريخيا للكرد فى تركيا و قبل عام شارك لاول مرة فى تاريخ الانتخابات الرئاسية التركية السيد صلاح الدين ديمرتاش و حصل على نسبة 9% من اصوات الناخبين على مستوى الجمهورية التركية و هذا دليل واضح و قوى على وجود الكرد فى تركيا كقومية ثانية و كبيرة و مواثرة وصاحب حق مشروع فى مشاركة الحكم و السلطة فى تركيا رغم العنف و التهديد و القتل و التشريد لاكثر من 93 عاما منذ تاسيس الدولة التركية الجديدة على يد اتاتورك الفاشية و الشوفينية منذ عام 1923. ولهذا قرر اردوغان اجراء الانتخابات المبكرة فى 1 تشرين الثانى من نفس العام و قد حصل على 317 مقعدا برلمانيا من مجموع 550 مقعدا و فازت باغلبية ساحقة مرة اخرى. 

الكرد قاوموا و ببسالة و ادوا التضحيات الكبيرة من اجل الاستقلال و الحرية للشعب الكردى و باقى الاقليات الاخرى الموجودة فى تركيا و حزب العمال الكردستانى وقائده الخالد الاسير عبدالله اوجلان رمزا للمقاومة و الثورة الكردية فى كردستان الشمالية منذ عام 1978 و الثورة المسلحة منذ عام 1984، والحزب الشعب الديمقراطى بقيادة السيد صلاح الدين ديميرتاش حزب سياسى و جماهيرى كردى و الشعوب الاخرى يقاومون بكل الوسائل المتاحة ديمقراطيا و برلمنيا و جماهيريا من اجل الحصول على كافة الحقوق المشروعة للكرد و الاقليات الاخرى فى تركيا بطرق و الوسائال السلمية بعيدا عن الحروب و القتال. ولكن الغرور و الكبرياء للاردوغان و حزبه و قادته العسكرية عرقلوا مسيرة السلام فى تركيا و اختاروا الطريق الحرب و الويلات و الكوارث و القتل و التشريد و الهدم المساكن للشعوب التركية و خاصة الشعب الكردى فى كردستان الشمالية، اردوغان اليوم اصبح هتلر القرن الواحد و العشرون و يريد ان يقوم بادوار اكبر من حجمه الحقيقى فى المنطقة و العالم كله، ولكن هو ناسيا انه اقل من جندى الشطرج و هو بيدقا لا اكثر فى لعبة الكبار فى المنطقة.

من المعلوم ان اردوغان و حزبه منذ عام 2014 يتعاونون و يساندون الارهاب الداعشى فى سوريا و العراق من اجل الحصول على النفط و الغاز الطبيعى المحتاجة اليهما بسعر باهت و رخيص على حساب الشعوب المنطقة فى سوريا و العراق، و شاركت بجدية و بشكل العسكرى و السياسى فى مشاكل و حروب الارهابية علنا و سرا مع الداعشيين و بمساندة المالية القوية من السعودية و القطر كجبهة سنية اسلامية ضد الجبهة الشيعية بقيادة الايران و الحكومات العراقية و السورية و حزب الله اللبنانى الموالين لايران، ومن اجل ابتعاد الحروب الارهابية من داخل التركيا و المجتمع التركى و بقائه فى الحكم و السلطة لمدة زمنية اطول جاهد اردوغان و حزبه بكل الوسائل و الطرق ان يسقطوا النظام السورى، ناسين الدور الروسى الكبير و المساند للنظام السورى منذ ستينات القرن الماضى لحافظ الاسد و نظامه و التدخل الاتحاد السوفيتى السابق و الروسى اليوم لصالح بقاء النظام البعث السورى و اتيان القوات المسلحة و البواخر و الصواريخ الروسية داخل اراضى سوريا دفاعا عن بشار الاسد و نظامه.و قبل عام و فى لحظة غرور و جهل اسقط القوات التركية الطائرة العسكرية الروسية و منذ ذالك الوقت و لحد اقل من شهر من الان علقت العلاقات الروسية التركية و روسيا هددت تركيا برد عسكرى قوى و طالبت تركيا بالاعتذار الرسمى عن هذا الموقف.فى اول الامر اردوغان و حكومته انكروا بان تركيا سقطت الطائرة الروسية و هددوا روسيا و قالوا اننا لا نعتذر لاى واحد و يجب ان يسقط و يرحل بشار الاسد و نظامه. و لكن من جراء الحصار الاقتصادى و السياحى و السياسى من جانب روسيا على التركيا اصبحت حالة اردوغان و حزبه لاتحسد عليهما، لان التركيا و اقتصاده من الاساس اقتصاد هش و زعيف و لا يستطيع ان يقاوم اكثر من شهر للحصار الاقتصادى من اى دولة كان و خاصة روسيا لان روسيا اكبر دولة مصدرة للغاز الطبيعى لتركيا باكثر من 50% من احتياجاتها و السياحة الروسية و الزراعة الروسى مصدران كبيران لاقتصاد التركى. ولهذا و للاسباب داخلية جمة ارغمت تركيا و اردوغان فى 27/6/2016 على اللاعتذار الرسمى لروسيا بتوسط اسرائيلى، و قبل هذ ارغمت تركيا ايضا على تطبيع علاقاتها مع اسرائيل التى عكرت صفوها منذ عام 2010 بسبب الموقف الاسرائيلى من باخرة السلام التركية التى جائت الى الغزة من اجل سلام و مساعدة انسانية للفلسطينيين و حركة حماس. اردوغان اجبرت خلال اقل من شهر للاعتذار من الاسرائيل و روسيا و تغير موقفه من بشار الاسد و نظامه، و نكست ارداة تركيا و اردوغان فى المنطقة امام الجبهة الايرانية الشيعية ومعه السعودية و القطر.ولان و وراء الستار و الكواليس يحاول اردوغان التقرب من جديد من بشار الاسد و نظامه بتوسط جزائرى و من اجل تطبيع العلاقات السياسة و الاقتصادية و يحاول الان الدفاع عن نظام الاسد و ابقائه خوفا من الكرد فى كردستان الغربية و الانتصارات الكبيرة فى تحرير المناطق الواسعة فى كردستان السوريا لان الكرد الان فى سوريا اصبحوا رمزا لمقاومة الارهاب و الارهابيين من عصابات الداعش و الجبهة النصرة و غيرهم. 

تركيا و اردوغان لا يسمحون لانفسهم ان يروا الانتصارات الكردية و تاسيس الفدرالية فى كردستان الغربية(( رؤزئاوا))على نموذج الفدرالية الكردية فى كردستان الجنوبية فى العراق. الكرد و مسالتهم الشرعية هاجس كبير من هواجس الاردوغان و هو لا ينام الا و يرى الكوابيس الكردية فى احلامه، ولهذا و لعرقلة مسيرة الشعب الكردى التحررى من اجل حقوقهم المشروعة و دولتهم المستقلة على كافة اراضيهم التاريخية يحاول الاردوغان بكل الوسائل ان يتحالف حتى مع الشيطان لعرقلة احلام و مسيرة الثورة الكردية.

اخيرا اردوغان و محاولاته المستمرة و لعبته القذرة على الخيوط و الحبال المتنوعة و المختلفة سياسيا مرة مع الشرق و مرة اخرى مع الغرب،مرة مع المسلمين و مرة مع الاوروبيين(( المسيحييين و اليهوديين))،مرة مع الدكتاتوريين و مرة مع الديمقراطيين، وكل هذا لسسبب واحد الا وهو عرقلة مسيرة الكرد و الوقوف ضد احلام و الانتصارات الكردية، وبسبب اللعب على الحبال اصبح اردوغان اليوم يتبين كمهرج سياسى اكثر منه سياسيا محنكا و قائدا كبيرا و واقعيا للشعب التركى و الدولة التركية، ولكن هذا طبيعة الترك و قيادتهم هم دائما ميالين للعدوان و المؤامرات و الدسائس و الطعن من الظهر للشعوب المنطقة وخاصة الكرد و هم يريدون بكل الوسائل ان يكونوا اعلى من الاخرين مقاما و سلطة و ان يتحكموا فى المنطقة على هواهم و من مصلحتهم، ولكن ولى تلك الزمن و المكانين و هذه المرحلة مرحلة انتقالية للمنطقة ككل نحو التحرر و الاستقلال و بناء دول جديدة كما فى السابق و فى نهاية الحربين العالميين الاولى و الثانية نتيجة دحر و تفكك الدولة المريضة العثمانية الشريرة فى المنطقة، و للكرد و الكردستان الكبير الحظ الاوفر فى هذا التغير الكبير فى المنطقة، اجلا ام عاجلا يجب على الجميع ان يرضوا بدولة المستقلة الكردية فى المنطقة كصاحب حق تاريخى مثل باقى الشعوب المنطقة و يجب على اردوغان ان يسلك طريقا سويا و سليما كسياسى محنك و كبير وليس كمهرج سياسى مضحك امام الجميع.والا يسقط نفسه و حزبه فى هاوية عميقة و بداية سقوطها بينت فى ليلة 15/7/2016 فى محاولة انقلابية عسكرية ضد سياساته و عنجوهيته و غروره.

 

كاتب كردى من كردستان العراق

[email protected]