في الأيام الأخيرة باشرت حكومة الإطار التنسيقي بشن حملات ساخنة موسعة ضد "صُنّاع المحتوى الهابط" الذين يمارسون، على منصات التواصل الاجتماعي، إفساد الذوق العام وتدمير أخلاق المجتمع، وذلك لأنها حريصة على "إصلاح القيم التي حاول البعض طمسها" حسب بيان وزارة الداخلية.

وهذا يذكرنا بالحملات الإيمانية التي شنها الحاج خير الله طلفاح ضد سيقان الفتيات (السافرات)، وأوامره الحازمة بصبغها بالدهان الأحمر، وحلق شعر رأس كل فتى مائع يطيل (سوالفه)، (نمرة صفر)، حفاظا على أخلاق المجتمع، أيضا.
والحقيقة هي أن آخر من يحق له الكلام عن الذوق والأخلاق والمجتمع هي حكومة العراق الإيراني هذه وكل شقيقاتها السابقات.

نعم، هناك تافهون وتافهات، وسطحيون وسطحيات، وهابطون وهابطات، ولكن لو عاد دعاة محاربة المحتوى الهابط إلى جذور هذه المسألة، وإلى ظروفها الحقيقية، لوجدوا أن لكل واحد أو واحدة من السطحيين والهابطين والتافهين ملايينَ المتابعين والمعجبين، ومنهم، بل في طليعتهم، وزراء ورؤساء أحزاب وأصحاب مليشيات يغدقون عليهم بما خف حمله وغلا ثمنه، من ذهب وفضة، ودولارات وتومانات ودنانير، وسيارات آخر موديل، وقصور باذخة، وحمايات وجوازات دبلوماسية أسوة بحامليها من الرؤساء والوزراء والسفراء وقادة الجيوش.

تماما كما فعلوا ويفعلون في أكذوبة محاربة الفساد. فهم، وكل من سبقهم، لا يمسكون سوى الأسماك الصغيرة الجبانة التي لا تجرؤ على سرقة أكثر من ألف أو عشرة آلاف أو مئة ألف، في الوقت الذي يعرفون فيه السراقَ الكبار العفاريت الذين لا يليق بهم أن يسرقوا أقل من مليارات، ثم يقوموا بتهريبها إلى ما وراء الحدود، علنا، وصراحة، وعلى مرأى ومسمع ضباط وجنود الداخلية والدفاع وجواسيس المخابرات ومفارز المليشيات.

لقد كان ممكنا أن نتوقف عن تسفيه حملتهم هذه لو وضعوا، بشكل مفصل وواضح ودقيق، أوصافا محددة لما يرونه (محتوى هابطا) لكي يمنعوا ضباطهم وجنودهم أصحاب النفوس المريضة والأحقاد الطائفية والعنصرية من استغلال هذه اللعبة، ولكي لا يصبح كل كلام لا يعجب الحكومة أو لا يعجب القضاء أو يفضح الاختلاس والتزوير والخيانة والعمالة مشمولا بجريرة (المحتوى الهابط) الذي يزعمون، كما فعلوا بقانون اجتثاث البعث، وكما يفعلون بالهيئة العليا للمساءلة والعدالة وهيئة النزاهة حين جعلوا منها وسيلة مجزية للارتزاق والارتشاء والاختلاس.

* صُنّاع المحتوى في ضيافة الرئيس

* سلاح ذو حدين لمواجهة المحتوى (الهابط)

ولكننا ورغم كل ما تقدم نقر ونعترف بأن أصحاب (المحتوى الهابط) هم أساس خراب الوطن، وسبب ضياع استقلاله وسيادته وكرامة أهله، وسبب دخول ضباط الحرس الثوري وجنود الولي الفقيه إلى جميع مدن الوطن الذي كان عزيزا وعصيا على الغرباء. فهولاء التافهون والتافهات وزبائنُهم ومتابعوهم وحماتهم الكبار والصغار هم الذين استدرجوا العم سام لغزو العراق، وهم الذين حلوا الجيش العراقي، وألغوا وزارة الدفاع والإعلام.، وهم الذين سمحوا بـ (فرهدة) المتاحف والبنوك والوزارات والجامعات وقصور صدام وأولاده وكبار معاونيه، وهم الذين أسسوا نظام المحاصصة، ونصَّبوا عبد العزيز الحكيم، ومن بعده ولده النبيه عمار الحكيم، وابراهيم الجعفري ونوري المالكي وأحمد الجلبي ومحمد بحر العلوم وأياد علاوي ومسعود البرزاني وجلال الطالباني وأسامة النجيفي وصالح المطلق و(الكربولي إخوان) قادة للعراق، وزعماء لشعبه المنحوس.

وهم الذين جعلوا قادة العراق الديمقراطي الجديد لا يكتفون بتقبيل بول بريمر من رأسه، أو من خده، بل يصرون على لثم شفتيه الورديتين، وعلى شاشات التلفزيون. وهم الذين قالوا لفرسان المعارضة العراقية القادمين من مقاهي طهران ودمشق وعمان ولندن: عليكم بقصور العهد البائد، ومنازل رجاله، فاقتحِموها واحتلوها وخذوها لكم، حلالا بلالا، فهي من حق الغالب على المغلوب. وهم الذين اخترعوا لعبة تقسيم الشعب العراقي، طائفيا وعرقيا، بما أسموه مجلس الحكم العتيد، وأسسوا لعهد الضغينة والأحقاد والفساد، ودشنوا مواسم المفخخات والأحزمة الناسفة والكواتم، وأحرقوا الأسرى وهم أحياء. وهم الذين أمروا وزير داخلية أياد علاوي، وزوج أخته، نوري البدران، بتهريب أول شحنة ضخمة من الدنانير العراقية الجديدة إلى لبنان، بحجة شراء معدات لوزارة الداخلية. وهم الذين أجازوا للمناضل أيهم السامرائي وزير كهرباء أياد علاوي أن يقوم بتهريب مئات الملايين من الدولارات (كاش) من الأموال المخصصة للكهرباء، وبتركِ العراقيين يستمتعون بجمال الظلام وسحره الفتان.

ولولا وجود أصحاب المحتوى الهابط لما (لهط) وزير دفاع أياد علاوي، حازم الشعلان، حفنة ملايين من الدولارات، والخروج بها من مطار العاصمة، بالسلامة، إلى عاصمة بريطانيا العظمى، و(لا من شاف ولا من دري).

ولولا أصحاب المحتوى الهابط لما تمكن كاكا مسعود من الاستقلال بمملكته البارزانية العامرة، والمجاهرة بأخوَّته الصادقة مع آل صهيون. وهم الذين انتخبوا نوري المالكي وهادي العامري وصالح المطلق وآل كربولي والأخوين نجيفي ومحمد الحلبوسي ومثنى السامرائي وأحمد الجبوري أبو مازن ومشعان وحنان الفتلاوي وصدر الدين القبانجي وباقي شلة العيارين لكي يصبح الاختلاس وتهريب الأموال وتشكيل المليشيات والعصابات من مقومات السلطة وأصول الوجاهة والقوة والصولجان. وهم المسؤولون عن وجود مئات الآلاف من الفضائيين في وزارات الدفاع والداخلية والصحة والزراعة والكهرباء. وهم الذين أنشأوا وسلّحوا ودربوا وموّلوا مليشيا بدر والعصائب وحزب الله العراقي وكلَّفوهم بارتكاب المحرمات الضرورية لخدمة الله ورسوله وآله الأكرمين. وهم الذين جعلوا قيس الخزعلي يتطاول على رئيس الوزراء، ويتحداه، ولا أحد رد عليه بشيء، وهم الذين جندوا وسلَّحوا وموَّلوا كتائب المجاهدين الذاهبين للدفاع عن السيدة زينب في دمشق والزبداني ودرعا وحلب وحماة. وهم المسؤولون عن تسليم الموصل والرمادي والفلوجة وتكريت وبيجي والشرقاط لحفنة أشقياء مكللين بالسواد. نعم، يا حكامنا الخائفية على أخلاقنا وقيمنا الخالدة خذوهم وصلّبوهم من خلاف، لأنهم أصل كل الخراب ومنبت جميع الشرور.

عندها فقط سوف نهتف، بالصوت العالي، عاشت حكومة الأخلاق الرفيعة!!!!.