أسئلة لا بد منها عن الشهامة العربية المفاجئة التي استفاقت مؤخرا وهرولت إلى دمشق لتعيد واحدا كبشار الأسد إلى أحضان عروبته التي وسخ سمعتها، ومرغ جبينها بالترب.

سؤال. بماذا يختلف بشار الأسد عن عبد الملك الحوثي وقاسم سليماني واسماعيل قاءاني ونتياهو؟.

أعلن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، وهو في مطار دمشق برفقة وزير خارجية بشار، أنه يحمل رسالة مواساة إلى الرئيس بشار الأسد بكارثة الزلزال الأخير. ونسأل، من الذي يستحق هذه المواساة، شعبٌ ممزق ومشرد ومجوع ونائم في العراء أم قاتله ومُشرده ومُهجره ومُدمر منازله بالبراميل المتفجرة؟.

خصوصا وأن الذي فعله بشار والحرس الثوري الإيراني وحزب الله والمليشيات العراقية والجيش الروسي بالشعب السوري محفوظ على رفوف الجامعة العربية وموثق ولا يحتاج لدليل.

وأسألكم بالله، هل من فعل، وما زال يفعل بوطنه وأهله وجيشه ومطاراته وجسوره ومدنه وقراه وجباله وسهوله وبحاره ومائه وهوائه يستحق أن يؤتمن، ويكافأ، ويدعى إلى العودة إلى الحضن العربي من جديد، وعفى الله عما سلف؟

هل اعتذر لكم عما جنته يداه وشبيحته وحلفاؤه اللبنانيون والعراقيون والإيرانيون والروس؟،
وهل اعترف بالخطيئة وتعهد لكم بأن يعود إلى شعبه ويطلب منه المغفرة، وبأن يجاهد معه لإخراج مليشيات حسن نصر الله والحشد الشعبي والحرس الثوري وجيوش الرئيس الروسي بوتين؟

هل طلب أحد البرلمانيين العرب من السيد الرئيس أن يتعهد، مقابل هذه العودة، بإعادة المهجرين والمحاصرين، وإطلاق سراح المعتقلين، ورفع حصاره عن مئات الآلاف من المدن والقرى السورية عما قريب؟

وهل اشترطوا عليه أن يقبل بأن تتولى الحكومات العربية، بنفسها، وليس بشبيحة النظام، إعادة إعمار المدن والقرى السورية التي دمرتها براميله المتفجرة، وقنابل الحرس الثوري الإيراني، ومليشيات اللبنانيين والعراقيين، وصواريخ الطائرات الروسية التي لا تفرق بين مقاتل وبريء؟.

لا غرابة. فغداً أو بعد غد سنشاهده على شاشات التلفزيون وهو يدخل دخول الفاتحين إلى قاعة القمة العربية القادمة، ثم يستقبل بعاصفة من التصفيق الحاد، ثم يتخذ مجلسه بين الملوك والأمراء والشيوخ والرؤساء، منتشيا، متشفيا، عالي الجبين.

وأيا يكن الآمرُ الناهي بهذه الشهامة العربية المفاجئة، أمريكا أو إسرائيل أو إيران، فإن الإبن السوري الفاقد أباه، والأم السورية الفاقدة زوجها وولدها وبنتها، والأخ السوري الفاقد أشقاءه وأقرباءه وأصدقاءه، والمُهجر السوري الدائر في بلاد الله الواسعة باحثا عن مأوى ولقمة عيش سوف يسجل هذه العودة البرلمانية العربية في قلبه وعقله طعنةً أخوية أخرى تضاف إلى طعنات ولعنات لن يمحوها الزمن القادم البعيد.

وما دامت الكارثة التي حلت بالشعب السوري هي التي جعلت البرلمانيين العرب يسامحون بشار، فلا نستبعد أن نجدهم غدا في صنعاء للاعتذار من عبد الملك الحوثي، ولدعوته إلى العودة إلى الحضن العربي، وكأن شيئا لم يكن، وسلام على اليمنيين القتلى والمغيبين والمهجرين والمحاصرين؟.

فعلى طول سنين الحرب التي شنها بشار ضد الشعب السوري كان أعوانه يردّون، دائما، على كل طلب عربي أو دولي بتنحي الدكتاتور الذي يقصف شعبه بالغاز السام والصواريخ والبراميل المتفجرة، بأن "الشعب السوري وحده الذي يقرر مصير السيد الرئيس". و"لا يحق لأحدٍ أن يتجاوز شرعية السيد الرئيس".

وطبعا لا يعني هؤلاء بحديثهم عن الشعب السوري، ملايين السوريين التي هتفت بإسقاط النظام، ولكنهم يعنون فقط شبيحة النظام الذين يقتلون الصغار والكبار والنساء والشيوخ، لحساب السيد الرئيس ويهدمون المنازل على رؤوس نسائها وأطفالها وشيوخهما، ويغتصبون ويمثّلون بجثث الضحايا، وينهبون، وينتزعون حناجر الذين يهتفون بسقوط النظام.

هذه هي الأكذوبة التي يريد أن ينساها اليوم محمد الحلبوسي وعقيلة صالح ورفاقهم البرلمانيون العرب في حضرة السيد الرئيس، وهم يعلمون علم اليقين، قبل غيرهم، وأكثر من غيرهم، بحقيقة الشرعية التي يتمسح بها السيد الرئيس.

فهي نفسُها الشرعية التي يباهي علي خامنئي واسماعيل قاءاني وحسن نصر الله ونوري المالكي ومحمد شياع السوداني، والتي استحقها قبلهم مصطفى الكاظمي وعادل عبد المهدي ومقتدى.

فالنظام السوري، من أكبر رأس فيهِ إلى أصغره، كان وما زال يقول بأن كل ما جرى في سوريا، منذ بدء الانتفاضة، مؤامرة دبرها ضده العرب التكفيريون الوهابيون وأميركا وإسرائيل.

أما الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني وميليشيات حزب الله العراقي وأبو الفضل العباس والنجباء وعصائب أهل الحق، وجيوش بوتين الجوية والبحرية، وقواعده في سوريا، فهي قوات صديقة وحليفة جاءت لنصرة الشعب السوري على أعدائه، وللدفاع عن شرعية السيد الرئيس.

شيء واحد لم يتغير ولن يتغير. هو أن هذا الوالغ في دماء أهله السوريين، سيظل، حتى لو أعيد إلى الجامعة العربية التي لا تجمع، خاسراً شعبه وأمته، وسوف يظل حبيسَ قصره، محاصرا بشعبٍ لا يكف عن طلب رحيله، مترقباً نهايته التي لن تتأخر.