نتانياهو يتراجع عن إصلاحاته القضائية هذا اذا لم يقم ببعض الحيل والخدع للمعارضة خلال المفاوضات في مقر رئاسة الدولة؛ هذه الاجراءات ما كانت سوى حزمة من القوانين والتشريعات للحد من سيادة واستقلالية القانون في اسرائيل وشدد الائتلاف على تغيير نظم انتخاب القضاة وخاصة للمحكمة العليا الامر الذي اثار الشارع الاسرائيلي برمته لان الهدف من وراء تلك "الاصلاحات" كان اخراج نتانياهو من ازمته القضائية وتعيين القضاة من قبل الائتلاف كي يقومون بتبرئته، وذلك تماما مثل الانظمة الدكتاتورية يقول خبراء القانون في اسرائيل.

نتانياهو فشل فشلاً ذريعاً في السيطرة على البلاد وعلى ائتلافه الحكومي والذي يبدو لأول وهلة متماسكاً وهو من لون واحد، يمين ويمين متطرف ومتزمت، الا أن بعض أفراده وخاصة من حزب الليكود لم يستطيعوا الاستمرار بخدمة الرجل الواحد المتسلط وطالبوه بالتوقف.
والقشة التي قصمت ظهر الجمل كان إقالة وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت لأنه طالب بوقف الاصلاحات والتفاهم مع باقي فئات المجتمع ومع المعارضة التي أبلغته نيتها التفاوض دون شروط مسبقة.

اليمين واليمين المتطرف
نتانياهو الذي يقوده وزير العدل اليميني المتطرف صاحب فكر أرض إسرائيل الكبرى والمعارض الشديد لسلطة القانون والذي أراد أن يخضع كل المؤسسة القضائية للائتلاف اليميني الحاكم الامر الذي لم يحدث خلال سنوات اسرائيل الـ ٧٥ إذ حافظت كل الحكومات على استقلالية القضاء حتى وإن كانت المحكمة العليا تلزم الحكومة بما لا ترغب.
الى جانب يريف ليفين المتطرف هناك ايتمار بن غفير اليميني المدان بالارهاب ضد الفلسطينيين أكثر من مرة في محاكم اسرائيل وهناك بتسلئيل سموطرتش ابن لإرهابي مدان وهو كان حقق معه بتهمة التخطيط لتفجير سيارة في تل أبيب وأُطلق سراحه لعدم توفر أدلة في حينه، وهو لا يعترف بوجود شعب فلسطيني ويعتبر الأردن جزءاً من أرض اسرائيل، هؤلاء شركاء نتانياهو الذين يحكمون اسرائيل حالياً، وخلال تنفيذ ما وعدوا به ناخبيهم من اليمين، يقومون بإرضاء نتانياهو عبر سن قوانين تساعده في التخلص من محاكماته، ويبدو ان نتانياهو يعرف تماماً ما قام به من مخالفات جنائية وهو يعي تماماً انه سيدخل السجن، لذلك يسمح لهم ويحثهم على تغيير الانظمة وقوانين الاساس وربما من اجل تغيير نظام الحكم وبقاءه في السلطة مثل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان والرئيس الصيني تشي وقيصر روسيا فلاديمير بوتين.

موقف الشباب والجيش
أما اللافت فيما يحصل بدولة اسرائيل أن الجيل الشاب فهم ما يحاك له من قبل هؤلاء من معارضة وائتلاف وقرر الخروج للشارع والإصرار على ديموقراطية الدولة وعلى سيادة القانون واستقلاليته، مئات الالاف الذين خرجوا للشوارع تلقائياً بعد إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت هم من الشباب وحتى إن عشرات الالاف منهم طوقوا منزل نتانياهو في القدس وهؤلاء عطلوا الدولة وسبوها تماماً.
من جهة أخرى موقف الجيش والأجهزة الأمنية المعارض لإصلاحات نتانياهو ومحاولات سيطرة سموطرتش وبن غفير على الجيش والشرطة كان أحد أعمدة الوقوف في وجه إصلاحات نتانياهو ورفاقه من اليمين بل كان الجيش هو الحصن الديموقراطي الأخير لاسرائيل، وذلك في مفارقة عجيبة بسبب التناقض بين العسكرة والديموقراطية في منطقتنا العربية، واستطاع الجيش وباقي الاجهزة الامنية من ردع نتانياهو وحلفاءه حتى على حساب الردع الاسرائيلي في المنطقة وعادت المؤسسة الامنية لتكون الجهاز الذي يجمع حوله أكبر عدد من الاسرائيليين من كافة المشارب والفئات.

صراع شرقي وغربي
لكن هذه الأزمة اظهرت الصراع بين الشرقيين (سفارديم) والغربيين (اشكناز) اذ علت اصوات بضرورة هزم الدولة العميقة المؤلفة من الغربيين وان الشرقيين سئموا لأن يكونوا خدماً عندهم وحاول أركان اليمين إبراز هذه الناحية اكثر من اي شيء وفرز المجتمع على هذا الأساس مع أن غالبية قادة اليمين هم من الغربيين الاشكناز.
لا بتوقع المراقبون للشأن الاسرائيلي ان تنتهي الازمة فهي الان بدأت في الداخل الاسرائيلي بين غرب وشرق، بين من بنوا الدولة واحفادهم وبين من لا زال يشعر بالتمييز لانه شرقي حتى بعد اكثر من ٧٠ عاماً على العيش في بلاد اليمن والعسل كما يصفونها هم.
هذه المرة بقي العرب جانبا ولم يخرجوا للشوارع وربما بشكل مدروس ومحسوب، تاركين اليهود يواجهون بعضهم البعض وابقاء المعركة بينهم دون أن يرفعوا أعلام فلسطين كي لا يتذرع بها اليمين لقمع التظاهرات وتمرير الإصلاحات أو التشريعات التي أرادها لتغيير أنظمة الحكم والتحكم.

تعاظم قوة المعارضة
هذا القرار للعرب في الداخل قد يكون أفضل ما حصل للمعارضة الإسرائيلية التي استطاعت حشد أعداد هائلة من الناس ( اليهود تحديداً) وتغيير بعض التوجهات ففي الاستطلاعات الأخيرة هناك تعاظم في قوة المعارضة الى جهة الانقلاب السياسي فيما لو أجريت انتخابات برلمانية مبكرة، وهذا قد يكون سببًا جعل نتانياهو يتراجع عن الاجراءات ويذهب للتفاوض في بيت رئيس الدولة.