قد يستغرب البعض من العنوان أعلاه ويرى عدم واقعيته، لکنني سأثبت ذلك من خلال السياق وأٶکد بأن الخدمات الکبيرة التي أسداها ويسديها أبن الشاه (رضا بهلوي)، للنظام الديني المتشدد في إيران، لايمکن أن تعادلها أية خدمات أخرى من حيث المساهمة في بقاء وإستمرار هذا النظام وبشکل خاص جدا بعد زيارته الاخيرة لإسرائيل ومشارکته في مراسم المحرقة اليهودية.

قبل مدة، وخلال حديث لي مع أحد السجناء الايرانيين الذي تم إطلاق سراحه وهرب من إيران، قال لي بأن رقم الهاتف الخلوي لرضا بهلوي کان يوزع کالحلوى في السجن بين النزلاء وکان المشرفين على عمليات التحقيق والتعذيب يشجعون النزلاء للإتصال به! بل إن هاشم خاستار، ممثل معلمي إيران الذي تم إعتقاله قبل أعوام على أثر الاضرابات الواسعة للمعلمين، قال بأن مسٶولي وزارة الامن قد زاروه وعرضوا عليه الاتصال برضا شاه، ورفض ذلك.

ماذا يجري؟ ومالهدف للنظام الايراني من وراء ترکيزه على أبن الشاه کمعارض له؟ ولماذا يتم تسليط الاضواء عليه عند أي أحداث وتطورات غير عادية تجري في إيران؟

خلال إنتفاضة 16 سبتمبر 2022، کان هناك ثمة ترکيز إعلامي على رضا بهلوي الى حد التهويل، ولاسيما بعد توجيه دعوة مثيرة للتهکم له من قبل مٶتمر ميونخ للأمن وهنا أقتبس مقطعا لتقرير للزميل"إبراهيم الشمري" نشره في صحيفة الرياض تحت عنوان"مٶتمر ميونيخ للأمن..دعوة أبن الشاه وغياب المعارضة، خطأ لايغتفر يثير قلق المنتفضين في إيران"، حيث کتب:" والشيء اللافت للنظر في الدورة التاسعة والخمسين، هو إعلان مدير القمة كريستوف هويسجن أنه بدلا من دعوة ممثلين عن حكومتي روسيا وإيران، تمت دعوة وفود من المعارضين لهاتين الحكومتين؛ إذ شدد المسؤول الألماني على أن هذه القمة يجب ألا تصبح بعد الآن مكانا للدعاية للحكومات الاستبدادية، وبناء على ذلك أعلن أسماء وفد المعارضة الروسي المدعو إلى القمة، لكن الشيء الغريب هو أنه خلال المقابلة التي أجرتها معه وكالة الأنباء الألمانية الرسمية، لم يذكر أسماء شخصيات المعارضة الإيرانية، مما يثير التساؤلات حول هوية المعارضة الإيرانية التي ستوجه إليها الدعوة للمشاركة في هذا المؤتمر!، ولكن سرعان ما انكشفت الحقيقة الصادمة لتزيل الغموض وتنكشف للعلن بوادر مخطط يهدد مستقبل الشعب الإيراني في الصميم، حيث تفاجأ الرأي العام العالمي بدعوة رضا بهلوي إلى هذا المؤتمر! وهنا يأتي السؤال: من هو رضا بهلوي؟ وما علاقته بالمعارضة الإيرانية؟ وتحت أي مبرر وقع عليه الاختيار للمشاركة في مؤتمر دولي بالنيابة عن شعب يسحق يوميا تحت آلة الموت في شوارع المدن الإيرانية؟! وهل يجازى هذا الشعب المنتفض الذي قدم التضحيات في مواجهة قوات الملالي القمعية أن يمثله في المحافل الدولية ابن دكتاتور أطاح به الشعب الإيراني قبل 44 عاما؟!، قبل أن يمتطي نظام الملالي هذه الثورة الشعبية، بالتنسيق مع الغرب."!

من المهم والمفيد جدا الإشارة هنا الى ماکان رضا بهلوي قد طلبه من الشعب الايراني في خضم إنتفاضة سبتمبر2022، بأن يمنحونه توکيلا للتحدث والتحرك الدولي بإسمهم على الصعيد الدولي، وهنا تجدر الإشارة بأن ثمة أفراد من داخل إيران وبعلم السلطات الحاکمة وتحت أنظارهم ذهبوا الى رضا بهلوي وقدموا له التوکيل!! وبحسب ماقد أعلن في حينها بأن قرابة الـ 300 ألف إيراني منحوه التوکيل، وعندما نقارن بين رقم 300 ألف وبين رقم 85 مليون (عدد سکان إيران)، فإن هذا الرقم لايمثل شيئا، ومع ذلك فقد إعتبر أبن الشاه توکيلا ومنح نفسه الحق لکي يکون سوبرمان الشعب الايراني.

تحرکات رضا بهلوي، تخللتها طعنا في أهم وأکثر معارضة تقف بجدية بوجه النظام منذ تأسيسه، وتشکيك بقدراتها الى جانب إنه سبق وأن صرح لوکالة بلومبيرغ في 20.07.2020، بنفس الاتجاه من أنه: "إذا ماتم تخيير المواطن الايراني بين (مجاهدي خلق) والملالي، فإن الاحتمال الاکبر أنهم سيختارون الملالي"، هذا بالاضافة الى أنه قد قال خلال مقابلة أجريت معه في إيلاف بأن کل ماتقوم به منظمة مجاهدي خلق"يساعد على ترسيخ أقدام النظام الحالي"، وقطعا فإن ترکيز رضا بهلوي على مجاهدي خلق بصورة ملفتة للنظر يوحي بالخيط الرفيع الذي ربط ويربط بين النظام الايراني وبين رضا بهلوي، ويرسم أکثر من علامة إستفهام.

ليس بخاف على أحد إن النظام الايراني يعتبر کل تحرك مضاد له بمثابة مٶامرة خارجية، وهو ومنذ الايام الاولى لإنتفاضة سبتمبر قام بتخوين المشارکين فيها وإعتبرها مٶامرة خارجية، وعندما خرج أبن دکتاتور الامس الذي أسقطه الشعب الايراني ليعلن نفسه ممثلا عن الشعب ومتحرکا بإسمه فإنه وحسب القول العراقي المأثور "چملت السبحة"، ولذلك فإن النظام إستخدم هذا التطور لصالحه سياسيا وإعلاميا والى أبعد حد ولاسيما من حيث إتهام إسرائيل والولايات المتحدة بالوقوف خلف الانتفاضة المندلعة بوجهه والسعي الواضح من أجل الطعن بهويتها وطابعها الوطني.

وعودة الى الزيارة الاخيرة لرضا بهلوي لإسرائيل التە أشرنا إليها في بداية هذا المقال، والتي تمت على أثر دعوة موجهة من قبل وزير الاعلام الاسرئيلي له، فإن وسائل الاعلام الايرانية سرعان ماتلاقفت هذا الخبر وبدأت تنسج على أساس ماسبق وأن مهد له النظام أثناء وبعد الانتفاضة وبصورة ملفتة للنظر، وبهذا الصدد فقد قالت وکالة تسنيم الايرانية المقربة من الحرس الثوري، عن هذه الزيارة بأنه: "أبرز فضيحة وإهانة لخصوم ومعارضي الجمهورية الإسلامية في العقود القليلة الماضية". وأضافت: "وحتى لو لم يتم تنفيذ مثل هذه الزيارة بسبب ارتفاع مستوى الفضيحة، فإنها لا تزال أهم شاهد للجميع ليروا مزاعم الجمهورية الإسلامية حول الفتن الصهيونية الأمريكية ضد البلاد، هي حقيقة وليست حرب نفسية".

طوال الاعوام الماضية ومع إحياء إسرائيل لذکرى المحرقة اليهودية، لم يتم توجيه الدعوة لرضا بهلوي، فهل إن العقلية اليهودية المتسمة بالدقة والحذاقة في التصرف في الاوقات والفترات الحساسة، فاتها إن توقيت هذه الزيارة وتحديدا بعد إنتفاضة سبتمبر2022، تخدم رجال الدين الحاکمين في إيران على الصعيدين الداخلي والاسلامي والعربي بشکل خاص، أکثر من أي شئ آخر، ماذا يجري؟ هل إن لعبة إعداد بديل النظام الايراني بهذه السماجة والسطحية والاسفاف؟ أم إن إسرائيل تنتظر خدمة مقابلة من طهران على أثر هذه الخدمة ذات"الخمسة نجوم" المقدمة لها!

بعد کل هذا، هل إن الخدمات الکبيرة التي قدمها رضا بهلوي، للنظام الديني الايراني ولاسيما من حيث تأکيد کل مزاعمه ودعاياته المغرضة ضد الشعب والمعارضة الوطنية الايرانية، ألاتجعله يستحق وبحق صفة آية الله؟!