فبدلا أن تتنافس المدارس في الكويت على التميز في أساليب التعليم وتحقيق بيئة تربوية جاذبة، أصبح الهاجس التربوي في أسلمة التعليم من خلال التحفيز على ارتداء الحجاب ومكافأة الطالبات الصغار المحجبات عبر التكريم بالمدارس باعتباره تميز تربوي!
انتشر فيديو في الكويت لمشهد "تكريم" طالبات محجبات في احدى المدارس التابعة لوزارة التربية، دون أن تتحرك الوزارة المعنية ولا مجلس الوزراء في فتح التحقيق في تصرفات بشأن أسلمة التعليم والمدارس في دولة مدنية، الكويت، والتصدي لمسارات العبث التربوي!
لم تحترم وزارة التربية الحريات الشخصية كما صانها دستور الكويت، بل انها تركت السباق التربوي ليس في اتجاه التعليم وتطويره ودعم الطلبة المتميزين تعليمياً، وانما في فرض مظاهر أسلمة المدارس عبر الاقدام على تكريم الطالبات المحجبات!
وخالفت وزارة التربية قانون حماية الطفل الذي نص على "الحماية من أي نوع من أنواع التمييز بسبب محل الميلاد أو الوالدين أو الجنس أو الدين أو العنصر أو الإعاقة أو (أي وضع أخر) وتأمين المساواة الفعلية بينهم في الانتفاع بكافة الحقوق."
لم يكن أن يحدث أسلمة التعليم والمدارس لولا وجود قيادات تربوية مهتمة في تصدير مظاهر شكلية للدين بين طالبات صغار، فالمحاسبة ليست من الأولويات السياسية والقانونية لحكومات متعاقبة لذلك يفلت من العقاب كل من يسعى إلى أسلمة الكويت المدنية!
تطور خطير لا علاقة له بالتربية والتعليم في مصادرة حق اختيار ارتداء الحجاب من عدمه وخصوصا في مراحل دراسية مبكرة يمكن أن تتسبب في اضطرابات نفسية واجتماعية للطلبة من الجنسين وتقود بشكل حتمي إلى التعثر في الدراسة والعزوف عن التعليم.
بلغ التعليم في الكويت إلى أدني مستوياته وفي جميع المراحل بسبب عشوائية القرارات والسياسيات غير المدروسة تعليمياً ودخول وزارة التربية في جوانب دينية جدلية لا تخدم التخطيط الاجتماعي الهادف ولا النهوض في التعليم عموماً.
يتضح أن القرار التربوي أصبح سياسياً تتحكم فيه جماعات دينية تسعى إلى الوصاية على المجتمع ومستقبل أجيال ناشئة دون الأخذ بالاعتبارات الاجتماعية والنفسية والحق في تطوير الذات ضمن بيئة اجتماعية وتربوية تتفق عليها جميع أطراف الأسرة وليس الإدارة المدرسية!
وسبق للتيار الديني المتزمت اجتماعياً والمتشدد دينياً بمجلس الأمة تقديم مشروع "أسلمة القوانيين وفق الشريعة الإسلامية" بعد فشل مشروعهم في عام 2012، فالطريق ليس وعراً أمامهم حين تصمت الحكومات عن هذا الطرح الممنهج ونواب الأمة الأخرين أيضاً.
ليس مستغربا أن يصرح بعض المشرفين على مناهج التربية الإسلامية في وزارة التربية عن الحاجة لسد النقص في تدريس مواد دينية وفقهية من جنسيات عربية محددة والتقليل من دور المدرسين الكويتيين وذلك لتحقيق غايات دينية وليس تربوية!
فمن المعروف أن بعض الجنسيات العربية ذات الميول الدينية المتشددة تتحفز لخطط توجيه العقول الشابة نحو جوانب دينية معقدة بهدف تعطيل العقل في وقت مبكر وبما يخدم غايات غير متسامحة حيث تسيطر الجماعة الكويتية الموالية لحركة "حماس" على القرارات في الكويت.
ولا شك أن العلاقة وثيقة بين السموم الفكرية التي تتبناها احدى الصحف الكويتية اليومية وما تشهده الساحة التربوية والتعليمية والإعلامية والسياسية في تحقيق مشروع (الأسلمة) للدولة المدنية، الكويت، ووأد مظاهر المجتمع المدني في الميدان التربوي.
أفغانستان الذبيح دينياً وسياسياً يجب ألا يكون مرجعاً لنا ولغيرنا في المنطقة، بل يجب أن يقوم مشروع الدولة ضد أسلمة الكويت المدنية والقوانين والسياسات بما يخدم تصدير التسامح والتصدي للتيارات الأصولية.