يبدو أننا لن نعرف أبداً كيف رحل مارادونا، وسيظل مصير الساعات الأخيرة من حياته مجهولاً، حيث تستمر التحقيقات والمحاكمات في الأرجنتين وسط شكوك بأنه توفي لأسباب تتعلق بالإهمال الطبي في أقل الفرضيات إثارة للمخاوف، أو أن هناك شبهة جنائية بما يعني أنه مات مقتولاً.
والمدهش في الأمر أن الغموض الذي يحيط برحيل النجم الأسطوري، يشبه بل يتطابق مع رحيل الكثير من أساطير ونجوم دول العالم الثالث في الفن والأدب والثقافة والرياضة وغيرها، وكأن هؤلاء النجوم لا يحق لهم الرحيل في هدوء بعيداً عن الصخب ودائرة الشك.
مارادونا الذي لم تنجب ملاعب كرة القدم من هو في قدراته المهارية، وقوة شخصيته الكروية، عاش في دبي لسنوات عدة، وفي كل مناسبة كان يقولها بوضوح وبلا مجاملات لأنه لم يكن يعرف سوى أن يقول الحقيقة، كان يؤكد على أن الدول العربية واحة آمنة، معترفاً بأنه كان يشعر بالسكينة والهدوء بعيداً عن صخب الحياة في الأرجنتين وأميركا اللاتينية، وكذلك في أوروبا.
ويبدو أنه كان يقول ذلك وهو يشعر بالمصير المجهول الذي ينتظره في بلاده، فقد حاولت عائلة مارادونا انتزاع أمواله منه "بناته حاولن فعل ذلك"، بالرغم من أنه كان كريماً سخياً إلى حد أنه لا يعلم كم لديه من أموال، وكان يعطي لمن حوله بلا حسابات.
الشكوك تحيط بالفريق الطبي الذي كان يعالج مارادونا، وكذلك مدراء أعماله وغيرهم من الشخصيات، ويمكن القول إنهم لم يكونوا أمناء عليه بما يكفي، مما جعل الشكوك تحيط بطريقة رحيله عن الحياة.
الدولة تواجه حرجاً
وأصبحت "الدولة" في الأرجنتين أمام حرج بالغ لأنها تتعامل مع قضية عالمية، وليس مجرد شبهة جنائية تتعلق برحيل نجم كروي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، حيث يمثل مارادونا قيمة عالمية كبرى، وأيقونة إبداع حقيقة للملايين حول العالم من مختلف الأجيال، مما يجعل الأنظار تتجه من جديد صوب بوينس آيرس لمعرفة آخر التطورات ومسار التحقيقات.
12 ساعة بلا مساعدة
المؤلم في سيناريو رحيل مارادونا، هو التقرير الذي صدر في عام 2021 ويحمل اتهاماً للفريق الطبي بالتصرف "بطريقة غير لائقة وقاصرة"، ما ترك مارادونا يتألم ولم يحصل على مساعدة لأكثر من 12 ساعة قبل وفاته، والأمر هنا لا يتعلق بالإهمال، بل بتعمد تركه يموت دون تدخل طبي.
في نهاية المطاف، اتهم ممثلو الادعاء ثمانية أطباء كانوا يعالجون مارادونا بالقتل، وهو اتهام خطير يترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية وجود نية مسبقة، ما يؤدي لصدور أحكام محتملة بالسجن لمدة تتراوح بين 8 إلى 25 عاماً.
وخلص تقرير الطبيب الشرعي بابلو فيراري، والذي صدر، الإثنين، إلى أن ضربات قلب مارادونا السريعة وغير المنتظمة كانت "إما طبيعية أو ناجمة عن عامل خارجي"، وقال فيراري إنه لا يستطيع إعداد تقرير السموم بناء على عينة بول مارادونا "غير الكافية".
الرجل الأكثر شفافية
وبصفة عامة يرى عشاق النجم الأسطوري أنه يستحق نهاية لا يحيط بها الغموض، فقد كان مارادونا هو النجم الأكثر شفافية ووضوحاً في تاريخ كرة القدم، بل في تاريخ عالم الترفيه بأكمله.
فقد كان يقول ما يشاء، وقتما شاء وبالطريقة التي يراها مناسبة، وقد فعل ذلك في مواجهة الفيفا، بل في مواجهة القوى السياسية الكبرى في العالم، حيث كان منحازاً لما يرى أنه حق البسطاء دائماً، سواء فيما يتعلق بكرة القدم "لعبة الفقراء" التي تحولت إلى سلعة وبضاعة للأثرياء، أو فيما يخص عالم السياسة، وسطوة ونفوذ القوى العظمى، فقد وقف طوال مسيرته مع الشعوب اللاتينية متحدياً قوى الغرب.
التعليقات