هناك البعض من الناس تقرأ في رسائلهم الطيبة وإسقاطاتهم المثيرة للجدل، فضلاً عن الحب الصادق الخليّ من أي غاية أو هدف، هكذا يخيل لك، ويحاولون مع مرور الوقت، جاهدين، الصيد بالماء العكر، ومهما قدمت لهم من خدمات جليلة، وساهمت في مساعدتهم، وحسب إمكاناتك المتواضعة، فإنهم يتطاولون عليك، ويحاولون رشقك بحجارتهم الطائشة، وبكلماتهم المسمومة اللاذعة، وبرسائلهم الصوتية "النتنة" السخيفة التي تثير المشاعر وكثير من الإحباطات والتناقضات، أضف ـ وهذا ما يؤسف عليه ـ أنهم أكثر ما يدّعون حبّهم واحترامهم وولاءهم المزيّف لك، وهم يُبطنون عكس ما يتفوّهون به على الملأ!

إنّ أمثال هؤلاء الأشخاص صاروا معروفين، وطالما يبثون شكواهم، وكلماتهم الجارحة لمجرد الشكوى، وأكثر ما هم بحاجة إليه هو ضمير حي، وقليل من الاحترام بدلاً من رمي الآخرين بكلماتهم الجارحة!

أظن أنَّ المقصودين من هذه الصراحة يعرفون من أعني!

لكم أصدقائي وأحبّائي المزيّفين كل المودة. رحم الله امرأ عرف قدرَ نفسه.

***

ما هي حقيقة ما يقال إنّ الأقارب بالمجمل، تحولوا إلى ألسنة لهب؟ وهذا هو الواقع الذي لا يمكن أن نحجبه بغربال، أو نغضّ الطرف عنه؟! وهل ما قيل ويقال إنَّ الحالة العامة صارت تضفي على هذه العلاقة أنموذجاً آخر من توتر العلاقات وتراخيها، بين أهل البيت الواحد، إن لم نقل إنها صارت تغط في سبات عميق، بحيث أنها بحكم الميتة! واندثرت، مع مرور الوقت نتيجة ضعف العلاقات وانحباسها، وتراجعها وبشكلِ لافت ومخيف، وبدأت تنحسر وتتراجع وبصورةِ مرعبة!

الحالة الحقيقية لهذه العلاقة مع الأقارب، وفق المفهوم الدارج اليوم، لم تَعُد تهم أحداً ولا بأي شكل كان.

نعم. إنها كذلك، وهذا ما يؤسف له.

هذا المفهوم العام للأقارب طغى عليه مفهوم سلبي، وأصبح كل إنسان منفرداً بنفسه، ومنغلقاً عليها، وضرب عرض الحائط بكل صنوف هذه العلاقة التي صارت مكشوفة للكل، وبات يلعنها كثيرون، وينعتها العامة بالعلاقة الوهمية الهشّة المرضية، وغير مرضي عنها، حيث يغلب عليها روح المصلحة والأنانية المطلقة، والسوداوية البغيضة، بدلاً من أن تكون مسكونة بالحب والصدق واللطف والمودة.

لنكن أكثر لطفاً وتراحماً، ولنترجم روح العلاقة إلى واقع يلفّه المزيد من الثقة، والحب الصادق الذي تحول فجأة، ونتيجة وقائع كثيرة لم تعد محفّزة، إلى عدوانية شديدة الخصومة، ومزيد من الكراهية والحقد واللعنة الساخطة، بدلاً من أن تكون مجبولة بألوان من الوفاء، ومن أقرب الأقرباء ومن يليهم، وما بعدهم في العلاقة.. والمبدأ الذي يربطهم مع بعض المادة أولاً.

فبقدر ما تدفع، بقدر ما تُحترم وتقدر ويُلبّى طلبك، وتُجاز عليه، ويكون لك مكانتك وهيبتك، ويؤخذ برأيك.

واقع، هكذا صار يصوره البعض من أصحاب العقول الخشبية.. ما العمل؟

***

كنت قرأتُ تعقيباً على ما سبق أن نشرته في منصة "فيسبوك" منذ فترة في مقال قصير من قبل شخص يَدّعي الفن التشكيلي، متناسياً ذلك المدّعي أنَّ الفن عمل راق، ومن المفروض أن يكون ذلك الفنان جوهرة من جواهره، ولؤلؤة درية ثمينة لها مكانتها ومدرستها، وسبق أن أبدع ونجح نجاحاً متفرداً فيها، وأعطى الكثير في مجال هذا الفن الجميل والراقي بمدارسه المختلفة من كلاسيكية، رومانسية، تكعيبية، سريالية، وتجريدية وغيرها، فضلاً عن أشكاله، وعليه أن يكون أقلّها مؤدباً في تعقيبه، لا أن يكون منفلتاً وفجاً ساخطاً، وكأن في الدنيا لا يوجد فنان وعالم في الفن التشكيلي سواه!

إنّ أمثال هذا الفنان ـ التُحفة ـ لم يَتركُ إساءة، أو وسيلة إلّا واستعملها من أجل الرد علي، وتقبلت ذلك بكل صدر رحب، وأنا للأسف، لم أعنه بشخصه ولم يسبق لي أن قرأت أي دراسة عن فنّه، أو شاهدت له معرضاً فنياً، أو حتى شاركت في معارض مع فنانين زملاء له... وهو يدّعي أنه فنان تشكيلي يوازي، كما يظن نفسه، بيكاسو أو دافنشي، أو لعلّه فان جوخ الهولندي، وهو في الواقع ليس له حضوره على الساحة الفنية، كما هو حال زملائه الذين يصرخ باسمهم، وحاول بشتى الوسائل الانتقام بالسبّ والشتم والإيذاء، لمجرد أنّي لمّحت إلى الشكل الذي صار يظهر عليه هو وبعض زملائه الفنانيين التشكيليين المقلّدين للفنانين الكبار، في المدينة الفراتية التي يعيش فيها... والأنكى من ذلك بروز بعض المدافعين عن أمثال هذا المدّعي، لمجرد الدفاع عنه. وأمثال هؤلاء المدافعين ليس لهم حضورهم في أي حدث ثقافي سبق أن أقامته المحافظة التي ينتمي إليها، بالكاد ظهورهم في خطابات هامشية كانت تهتم بها الأحزاب التي ينتمون إليها في حينها، وهم أصلاً من المتطفلين على الأدب والثقافة، والاكتفاء بحضورهم بعض جلساتها الحوارية في صالوناتها الثقافية بمناسبة وبلا مناسبة.

إلى أمثال هؤلاء الفنانين التشكيليين، وإلى المثقفين المزيّفين من أبنائها أي فن تجسدون، وعن أي رؤية تبحثون، أو تدفعون بها إلى المجتمع في تلك المدينة الفراتية الأصيلة التي تعيشون فيها، وأنتم في الواقع ليس لكم لا في العير ولا في النفير.

تظلون تعيشون على الهامش، وهذا كثير عليكم!

***

ماذا يعني أن نحب الحياة؟ وهل الحياة تستحق منا كل هذا الحب، والركض في المجهول؟

كثيرة هي التساؤلات التي تتبادر إلى الذهن، ولكنها تحتاج إلى وقفة ومعالجة... وهل نكتفي بالمعالجة؟

الحيا ة معترك بين الواقع والطموح... ومن خلالها يمكن أن نختصر كثير من المنغصات والرغبات التي تنتظر منا أن نخوض في غمارها، وما أكثرها في هذا المعترك الذي يتسابق نحوه الجميع ودون استثناء.

إنه سباق محموم نحو المجهول!

من سيفوز في نهاية السباق المفتوح نحو أفق مشوب بالسلوكيات الخطأ التي بدت تظهر على مسرح الحياة التي نعيشها، ولم يعد هناك أي خجل، أو استحياء باتخاذ أي قرار، قد يفاجأ البعض في أي لحظة من قبل شريك الحياة، أو صديق محترف في الكذب، أو ابن شط بعيداً لا يهمه سوى رسم طريقه في حياة تعصفها القنابل من كل حدب وصوب، أو ابنة وأخت كل بات يبحث عن حياته بالصيغة التي يريد بعيداً عن الحياء والأخلاق التي تربينا عليها.

كل يبحث عن طريقه، وهذا ليس عيباً، ولكن على أن يراعي الصورة الحالية لحياة بدت عليها علامات التآكل والانحدار والفوضى العارمة.

إنه الاحتدام، وهذا ما بتنا نتلمسه في هذا الحياة التي لم يكن للحياء أي دوراً فيها؟

فالكل يريد الوصول إلى رغبته، وهدفه ومرماه، وبالصورة التي يريد.. لما لا؟

***

نعيش في عالم امتلأ بالأحقاد… لقد أصبح الحقد مرضاً من أمراض هذا العصر. فنحن نحقد إذا تخلى عنا الحظ، ونحقد إذا فاتنا قطار الحياة، ونحقد إذا شعرنا بأن الناس الذين يعيشون قريبين منا لا يقدّرون التضحيات التي نبذلها من أجلهم، ونحقد في حال تميز ابن جار في المدرسة على ابن عمه، وهو الذي طالما تراه يشقى ويجهد ليل نهار في الحقل، وكان متفوقاً في دراسته ونجح بامتياز، ونحقد في حال سنحت لصديق العمر فرصة السفر والالتحاق بالعالم الأوروبي باحثاً عن عيش كريم، ونحقد في حال جاء النصيب لابنة صديق سعيد الحظ ومكتف مادياً، ولم يكن الحظ يقف إلى جانب ابنة ذاك الفقير المعتر الذي بحاجة إلى كسرة خبز، والذي تنتظر عريسها راكباً على حصانه الأبيض، ولكن هيهات لها أن يتحقق ذلك الحلم، وكذلك يصل الحال إلى أن يحقد الأخ على أخيه في تأمين لقمة عيش أولاده، ويطاله الحقد حتى في حال كان نصيبه من الزواج أفضل منه.

وأسوأ أنواع الحقد هو الذي يملأ صدر المرء رجلاً كان أو امرأة، بلا داع، أو ربما يشعر بأنه ما زال صغيراً.

فلماذا كل هذا الحقد؟ تظل أرزاق من الخالق سبحانه، وكل واحد في هذه الحياة التي نعيشها يحصل على حظه في هذه المعمورة، وعلى نياتكم ترزقون.