تُعد مجزرة عام 1988 في إيران أحد أحلك الفصول في تاريخ هذا النظام المعاصر. هذه المجزرة تُعتبر مثالاً بارزاً على الجريمة ضد الإنسانية، حيث أُعدم حوالي 30 ألف سجين سياسي في صيف عام 1988. ووفقاً لأراء أبرز المحامين والحقوقيين الدوليين وفرق العمل المتخصصة في حقوق الإنسان، تُعد هذه المجزرة واحدة من أكبر انتهاكات حقوق الإنسان في التاريخ المعاصر بعد الحرب العالمية الثانية.

يستعرض هذا المقال الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الحدث، ويمرّ على آراء أبرز المحامين الدوليين في هذا الشأن.

الآراء الدولية حول مجزرة 1988
في اليوم الثالث من اجتماع عالمي لإيران الحرة في باريس في الأول من يوليو/تموز، تم مناقشة موضوع مجزرة 1988 كجريمة ضد الإنسانية. حضر العديد من المحامين والحقوقيين الدوليين البارزين هذا الاجتماع، وكل منهم تناول هذا الموضوع من زاوية مختلفة.

السفير يواكيم روكر، الرئيس السابق لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أكد أنَّ مجزرة 1988 تُعد جريمة ضد الإنسانية وإبادة جماعية، وطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية للتحقيق الدقيق في هذه الجريمة. كما شدد على ضرورة إدراج الحرس الثوري في قائمة المنظمات الإرهابية، وأشاد بجهود جاويد رحمان، الممثل الخاص للأمم المتحدة في شؤون حقوق الإنسان في إيران، في إعداد تقارير مهمة حول هذا الموضوع.

مارك إليس، المدير التنفيذي لجمعية المحامين الدولية، أوضح أن مجزرة 1988 تُعتبر وفقاً للقوانين الجنائية الدولية كإبادة جماعية، وأن جميع الدول مُلزَمة بمحاكمة مُرتكبي هذه الجريمة ومنفذيها. وأشار إلى التجربة الناجحة للقضاء السويدي في محاكمة مجرمي الحرب، مؤكداً على ضرورة عدم منح المجرمين الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية أي حصانة.

كيث هاربر، السفير الأميركي السابق في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، شدد على أهمية كشف هذه الجريمة والسعي لمحاسبة المجرمين. وفي كلمته المدعومة بالأدلة، قال إنَّ الحصانة التي تُمنح للمجرمين تُسهم في تكرار الجرائم، ويجب على المجتمع الدولي أن يعمل بحيث تُحاسَب الجرائم السابقة لمنع وقوع جرائم جديدة.

الدكتور وولف شومبورغ، قاضي الأمم المتحدة في قضايا يوغوسلافيا السابقة ورواندا، أشار إلى أنَّ العدالة لا يمكن تحقيقها بدون الحقيقة، وطالب بإنشاء محاكم دولية لمحاكمة مرتكبي الجرائم المستمرة للنظام الإيراني. وذكر التجربة الناجحة في محاكمة المسؤولين رفيعي المستوى في رواندا ويوغوسلافيا الذين ارتكبوا جرائم وتمت محاكمتهم، ودعا المجتمع الدولي إلى اتخاذ الإجراءات السياسية اللازمة لتحقيق هذه الغاية.

الحلول المقترحة لملاحقة مجزرة 1988 قضائيًا
اقترح أبرز المحامين والحقوقيين الدوليين الحاضرين في الاجتماع العالمي لإيران الحرة تحت عنوان "الجريمة ضد الإنسانية ومحاكمة الآمرين والمنفذين" عدة حلول لملاحقة مجزرة 1988 قضائيًا:

1. تشكيل لجنة تحقيق دولية: إجراء تحقيق دقيق ومسؤول حول هذه الجريمة بواسطة لجنة تحقيق دولية مستقلة.

2. المحاكمة الدولية: استخدام الاختصاص العالمي لمحاكمة الآمرين والمنفذين للجرائم التي ارتكبها مسؤولو إيران.

3. المحاكم الشعبية: إنشاء محاكم شعبية كنقطة انطلاق لتشكيل محاكم رسمية دولية.

4. حماية الأدلة على الجرائم: تطبيق الحماية الدولية للأدلة المتعلقة بجرائم النظام لمنع تدميرها حتى يتم تقديم الأدلة وشهادات الشهود في محكمة دولية نزيهة ومختصة.

5. الضغط القانوني والاقتصادي: زيادة الضغط القانوني والاقتصادي على النظام الإيراني لجعله مسؤولاً عن الجرائم المرتكبة. (من الجدير بالذكر أن العديد من الآمرين والمنفذين للجرائم المرتكبة، وخاصة مجزرة 1988، لا يزالون على قيد الحياة ويشغلون مناصب رسمية عليا في الحكومة. على سبيل المثال، مصطفى بورمحمدي، الذي كان أحد الأعضاء الرئيسيين في "لجنة الموت" في مجزرة 1988، كان مرشحًا للرئاسة في الانتخابات الأخيرة للنظام الإيراني. كما أنه حاليًا رئيس مركز وثائق الثورة الإسلامية، وهو أحد المناصب الرئيسية في النظام).

الخاتمة
تُعتبر مجزرة عام 1988 جريمة ضد الإنسانية تتطلب تحقيقًا ومتابعة جادة على المستوى الدولي. تُظهر آراء واقتراحات أبرز الحقوقيين والمحامين الدوليين أن المجتمع الدولي يجب أن يتعامل بإرادة قوية ومتحدة لمحاسبة مرتكبي هذه الجريمة. هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق العدالة لضحايا هذه الجريمة ومنع تكرارها في المستقبل.

سبق أن أجرى البروفيسور جيفري روبرتسون تحقيقات واسعة حول مجزرة 1988، وفي نظريته القانونية كتب: "لقد أجريت تحقيقات حولها والتقيت بالناجين والشهود. الآلاف من أعضاء منظمة مجاهدي خلق واجهوا لجنة الموت. عندما أُعلن أنهم ثابتون على مواقفهم، أُعدموا دون أي محاكمة. من الناحية القانونية، كانت هذه جريمة، أي أنها إبادة جماعية وتخضع لاتفاقية تُلزم الدول بملاحقة هذه الإبادة الجماعية".

في الجلسة الخامسة لمحاكمة حميد نوري، أحد منفذي مجزرة 1988، في المحكمة الجنائية في ستوكهولم بتاريخ 20 آب (أغسطس) 2021، قال المحامي السويدي البارز كينث لويس، وهو من محامي الشكاة وأسر الضحايا، بالاستناد إلى النظرية القانونية لجيفري روبرتسون والبروفيسور إريك داويد والاتفاقيات الدولية: "إن مجزرة عام 1988 تُعتبر بوضوح إبادة جماعية".

في جلسة الخميس 24 آذار (مارس) 2022 لمحاكمة حميد نوري، أحد منفذي مجزرة السجناء السياسيين في سجن جوهردشت، في المحكمة الجنائية في ستوكهولم بالسويد، قدّم البروفيسور إريك داويد، الخبير البارز في القانون الدولي العام ورئيس مركز القانون الدولي في جامعة بروكسل الحرة وعضو اللجنة الدولية لتقصي الحقائق الإنسانية، نظريته القانونية حول مجزرة السجناء السياسيين في عام 1988 التي ارتكبها النظام الإيراني، وأكد أنه يجب اعتبار مجزرة 1988 كجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وإبادة جماعية.

وقالت السيدة مريم رجوي التي ألقت كلمة في بداية هذا الاجتماع بخصوص مجزرة 1988:

"لیس هناك بيان أو وصف أو كلمة لتعكس مأساة رجم حقوق الإنسان الإیراني، إلا إذا قلنا إن هناك مجازر مستمرة في كل المجالات؛

"مذبحة المجتمع المدني، مذبحة البيئة، مذبحة المعيشة والإنتاج، مذبحة العلوم والأخلاق والثقافة والكلمات، وقبل الکل كلمة الحرية؛

"وخير مثال على ذلك، الذي تجرح قلوب الإيرانيين وضمائرهم وعواطفهم باستمرار، هو مذبحة راح ضحيتها 30 ألف سجين سياسي، 90 بالمئة منهم من مجاهدي خلق الإيرانية، عام 1988. أولئك الذين لم یعرف بعد أسماء معظمهم، ولا عناوين قبورهم".