الإعلان عن الاعتدال الديني بعد التطرف والإرهاب أو تظاهر أصحاب الفكر الديني المتطرف بتفوق بالإيهام الاعتدال ليس مستحيلاً وليس مفاجئاً وليس أزمة مصطلحات سلوكية وفكرية حتى لو بدا للكثير وليس البعض كذلك!

كثير من الأحداث والعمليات الإرهابية التي شهدتها أفغانستان وغيرها بحجة "الجهاد" أو تحت غطاء الإغاثة، كانت غالبا ذات علاقة بتيار ديني له قواعده من المؤيدين والمتعاطفين والمتشددين، لذلك ليس مفاجئاً وجود بيئة حكومية حاضنة للتيار الديني ومتسامحة مع الماضي المتطرف!

كشفت تقارير غربية عن اعترافات جهاز التحقيق الأميركي عن تجاوزات وممارسة أساليب نفسية في التحقيق عن العمليات الإرهابية وهي حقائق لم تنكرها الإدارة الأميركية، ولكن الجماعات المتهمة انكرت معرفتها المسبقة بأساليب التحقيق النفسية والجسدية وطرق المقاومة غير الدينية!

"الإيهام بالغرق"، كانت ممارسة متفوقة للإرهابين المشاركين في هجمات سبتمبر 11، الذين قاوموا عمليات انتزاع الاعترافات ليس لأسباب دينية، وانما لاحترافهم في معرفة أساليب التعذيب النفسية والجسدية قبل حدوثها!

"مدبر هجمات سبتمبر 11، خالد شيخ محمد، استطاع "الإيهام بالغرق" 183 مرة، وكان مقيداً إلى نقالة، ورأسه مائل إلى الأسفل، في حين تغطي وجهه قطعة قماش. وبطريقة ما، تقول النظرية، أدرك أن آسريه كانوا يسكبون الماء على القماش لمدة 40 ثانية، على أقصى تقدير، في المرة الواحدة. لذلك، استخدم أصابعه للعد حتى يتمكن من التنفس مرة أخرى، بعدما راوده الشعور بالإحساس بالغرق". (نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط).

الكويت، كان لها متعلقين في غوانتانامو ومشاركين ومنفذين لعمليات إرهابية مع داعش والنصرة وطالبان، والحكومة قامت بدورها الدبلوماسي والسياسي لتأمين إطلاق سراح المواطنين المعتقلين ولكن هل الجهات الرسمية قامت بتحليل حقيقة الاعتدال الديني لهؤلاء بعد رحلة التطرف والإرهاب؟!

الحكومة الكويتية، تاريخياً، لم تقدم عملاً أو قراراً واحداً ضد التيار الديني وجماعة "الإخوان" تحديداً، لذلك تكاثرت هذه الجماعة وأصبحت واقعاً متماسكاً لا تقوى الجهات الرسمية على مواجهته أو التصدي لمنابعه الفكرية عبر جمعيات وواجهات دينية شتى.

معتقلون كويتيون في غوانتنامو سابقاً منهم من بكى فرحاً بتولي جماعة طالبان الحكم في أفغانستان وهلل لزميل المعتقل، طالباني، الذي أصبح وزيرا في كابول وجدد عبر وسائل التواصل الاجتماعي زف التهاني له من أرض الكويت!

الكويت، سبق لها تحقيق الفشل والإخفاق في نشر "الوسطية" المزعومة داخل الدولة وخارجها لسبب بسيط وهو أن المشرفين على هذه السياسات والأموال الحكومية هم أطراف من تيار ديني متوغل في وزارة الأوقاف ومفاصل أخرى وهم أطراف دينية غير محايدة!

لم تقترب الحكومة من عصب "الإخوان" في الوزارات والأجهزة الرسمية، لذلك تمكنوا من تنظيم المؤتمرات الدولية عبر أموال الكويت العامة لجمع الشمل الديني بالخارج وليس تنظيم مؤتمر مع ممثلي الكنائس والمفكرين الأجانب لمناقشة ما للكويت وما عليها وظاهرة التطرف والإرهاب!

القدر تدخل في الأفراج عن المعتقلين الكويتيين والقدر تدخل، عشرات المرات، في تمكين السلطات الأمنية من كشف خلايا إرهابية ومتطرفة ولكن هل القدر سيتدخل دون نهاية في حماية المجتمع والدولة من التطرف الديني والإرهاب؟! وهل قدرنا التسليم بالإيهام بالاعتدال الديني؟!

لا يمكن إغلاق باب مفاجآت التطرف الديني والإرهاب ونوافذ جماعة الإسلام السياسي، الإخوان، والخطأ السياسي الفادح يتجدد عند التسليم المطلق لما تروج له هذه الجماعات من إيهام بالاعتدال الديني بعد التطرف الفكري!

الجماعات الدينية المتطرف التي تسيطر عليها عقيدة ظاهرها "الجهاد" وباطنها إرهاب ديني وسياسي يمكنها ترحيل الأهداف وتأجيل المجاهرة مجدداً في التطرف والإرهاب ولكن الترحيل والـتأجيل لا يعني طلاق بائن مع الفكر الديني المتطرف!

نصف الاعتدال مظاهر الإيهام والنصف الأخر احتيال وخداع فكري، فحين تغيب الفطنة الثقافية والسياسية يستأنف العقل الديني المتطرف رحلة "الجهاد" السياسية و"الإغاثة" المزعومة لطالما هناك جماعات ترعى سموم التطرف والإرهاب ولا تختلف على الهدف وهوية المنفذين!

التطرف الديني مرض فكري مزمن لا يمكن علاجه نهائياً من أطراف غير محايدة دينياً، أي أطراف متورطة، وعلاج التورط بهذا المرض الذهني المزمن يستدعي علاجه على يد مستنيرين ثقافياً وفكرياً وليس موالين ومهادنين ومؤيدين متوارين!

*إعلامي كويتي