يعيش أهالي قطاع غزة منذ أكثر من عشرة أشهر معاناة الحرب ومرارة فقدان الأهل وتوحش الجوع والمرض. تلك الظروف تعصف بهم كل يوم وتحصد أرواحهم واحدًا تلو الآخر.

ولعل أكثر من يعانون من ويلات الحرب الإسرائيلية الشرسة هن النساء. فقد نزحن عن بيوتهن التي دمرها الاحتلال، وأصبح حالهن أشبه بالمأساة التي تتكرر كل يوم. بين الفقر والجوع وفقدان الأبناء والآباء والأزواج وغياب الرعاية الصحية والموت المنتشر في كل مكان، تعاني نساء غزة من آثار نفسية وجسدية ومادية مدمرة. تحولت أحلامهن البسيطة، مثل الحصول على الكهرباء والغاز والعمل لإعالة الأسرة، إلى مجرد البحث عن خيمة آمنة تأويهن من الحر والقصف العشوائي، أو كيس دقيق يسد رمق أطفالهن الصغار الذين عاشوا طفولة سيئة للغاية بسبب الحرب.

فاتورة الحرب عمقت معاناة النساء الفلسطينيات في غزة، فليس هناك امرأة في غزة لم تفقد فردًا أو أكثر من عائلتها، بما في ذلك أطفالها. ورغم ذلك، لا يملكن رفاهية الحداد على أحبائهن أو حتى دفنهم.

وفي خضم الحرب، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بأسر عدد من النساء، واختفى عدد آخر منهن في مناطق شمال غزة، ولم يُعرف عنهن شيئًا حتى الآن، كما لم يُعثر على جثثهن بعد. يقوم جنود الاحتلال أيضًا بسلوكيات مهينة للنساء قد تصل إلى الضرب والسب والتحرش وهتك العرض. فالمرأة الفلسطينية تُعتقل وتُضرب وتُجوع وتُرمّل وتُيتّم، والأصعب من كل ذلك أنها تدفن أطفالها بيديها. هناك أمهات قضين سنوات طويلة في انتظار طفل، وحين تحقق المراد قُتل الطفل وقُتل الحلم وقُتل الأمل. فهل هناك ألم أكبر من هذا؟

نعم، العدوان الإسرائيلي دمر كل شرائح المجتمع الغزاوي، لكن معاناة النساء هي الأكبر. فالمرأة تدفع الثمن الأكبر، كزوجة وابنة وأم وجدة.

من بين هذه المأساة، تروي امرأة قصتها بعد أن انقلبت حياتها رأسًا على عقب بسبب الحرب. وهي أم لطفلين صغيرين، كانت تعيش في غزة قبل أن تجبرها الحرب على العيش في خيمة مشتركة مع 13 فردًا من الأسرة. تقول: "لم أشعر طيلة حياتي بأنني أصبحت عجوزة إلى هذا الحد. كنت أعيش حياة مترفة، ولكن الآن تغير كل شيء في طرفة عين". وتضيف: "أستيقظ كل صباح لإعداد الخبز وإرسال أطفالي للبحث عن الحطب. كما أنتظر في طوابير حاملة العديد من الزجاجات للحصول على الماء. بعد أن فقد زوجي مصدر دخله كطبيب أسنان، أصبح الآن عاطلاً عن العمل". وتواصل: "أغسل الملابس يدويًا، وتؤلمني يداي كثيرًا، خاصة في الشتاء عندما يكون البرد قارصًا، وأبكي كل ليلة متمنية أن ينتهي هذا الكابوس. نحن نفتقر إلى منتجات النظافة، وأحيانًا أضطر إلى الذهاب إلى مستشفى قريب أو البحث عن منزل أحد الأصدقاء للاستحمام وتحميم أطفالي". وبالرغم من هذه التحديات الهائلة، تظل قوية وتستمر في الوفاء بمسؤولياتها. وتختتم حديثها قائلة: "لن يفهم أحد أبدًا ما يعنيه أن تعيش امرأة في الحرب سوانا. إنها تجربة مؤلمة للغاية. أفتقد حقًا الشعور بأنني امرأة كما كنت من قبل".

أما الحوامل، ففي الأشهر الأولى للحرب، واجهت 50 ألف امرأة حامل مشاكل مادية وصحية ونفسية قاسية ومؤلمة بسبب الحرب. تمت 183 ولادة يوميًا دون تخدير أو مسكنات بسبب نقص الخدمات الطبية والصحية وغياب الأطباء. كما حُرمت 45 ألف امرأة من الحصول على الخدمات الإنجابية الأساسية، وولد نحو 5000 طفل في ظروف سيئة للغاية.

وتم تسجيل حالات إجهاض خطرة على الحياة نتيجة إصابة الأم أو خوفها، بالإضافة إلى حالات ولادة مبكرة ومقتل عدد من الأمهات. وضع عدد كبير من الحوامل أطفالهن في المخيمات وفي أماكن غير مناسبة للولادة، حتى سجلت الشهور الأخيرة تعرض حوالى 40 بالمئة من الحوامل للتسمم.

وبحسب إحصاءات رسمية لوزارة الصحة في غزة، ارتفعت معدلات الإجهاض والولادة المبكرة إلى 20 بالمئة منذ بداية الحرب. ويقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن هناك 840 امرأة في غزة يتعرضن لمضاعفات تتعلق بالحمل أو الولادة، هذا بجانب القيود المفروضة من الاحتلال على إرسال المساعدات الإنسانية إليهم، سواء كانت غذائية أو طبية، مما أضر بالنساء وأطفالهن بالدرجة الأولى. ولذلك، تواجه الحوامل والمرضعات مخاطر صحية وغذائية عاصفة وسط بكاء الأطفال من الجوع لعدم وجود حليب صناعي يعوضهم عن نقص ألبان الأمهات الجائعة والمريضة، فضلاً عن عدم توافر أماكن الاستحمام والمراحيض ومياه الغسيل والضروريات الأساسية لهذه الحالات الخاصة.

ومع كل هذه التحديات وصعوبات الحياة، تظل نساء غزة وسط ظروف قاسية ومريرة، لكنهن ما زلن يتشبثن بأمل وقف الحرب وحلول السلام.