تحتل اليابان المركز التاسع عالمياً على مدار تاريخ الدورات الأولمبية (الصيفية) برصيد 512 ميدالية، منها 173 ميدالية ذهبية حتى الآن والرصيد لايزال في صعود مستمر في أولمبياد باريس، حيث يحتل اليابانيون حتى الآن (الأربعاء) المركز الثالث برصيد 15 ميدالية منها 8 ذهبيات.

روح اليابان.. وتكنولوجيا الغرب
ما يميز علاقة اليابان بالرياضة أنها قائمة على جعل الرياضة جزء من هويتها ورغبتها في التواصل مع العالم، وهو تواصل يقوم على مفهوم عبقري يراعي الروح الوطنية والأبعاد العالمية في نفس الوقت، تحت شعار "روح اليابان.. تكنولوجيا الغرب".

و يعود هذا الشعار إلى أكثر من قرن مضى في الوقت الذي لم تكن اليابان بهذه القوة التكنولوجية التي فاقت بها الغرب في الوقت الراهن، والشاهد في الأمر هو التمسك بالهوية والثقافة والإرث الياباني، مع الاستفادة من التقدم العالمي في نفس الوقت دون انغلاق أو خوف من اندثار الهوية، حتى تحقق لهم النجاح الساحق ببلوغ العالمية دون أن تغيب الروح اليابانية.

روح رياضية لا مثيل لها
وبعيداً عن تفوقهم الكبير في حصد الميداليات على مدار التاريخ الأولمبي، فإن فلسفة اليابان تقوم كذلك على الروح الرياضية واحترام المنافس إلى أقصى درجة ممكنة، وهو الأمر الذي يتضح بشدة في اللعبات اليابانية الهوية، مثل الجودو على سبيل المثال، وفي هذا الصدد رفعوا شعار "الحضارة والتنوير".

دورة 1964.. اليابان تقدم نفسها للعالم
وعلى المستوى التنظيمي نجح اليابانيون في استضافة أولمبياد 1964، وهي الاستضافة التي قدمت اليابان من خلالها وجهها المشرق للعالم، فقد كانت ألعاب طوكيو عام 1964 نقطة تحول في تاريخ اليابان بالكامل، وعززت وعي الشعب الياباني بالعالم الخارجي، وساعدت في تحقيق النمو السريع للاقتصاد الياباني بصورة لافتة.

ولمن لا يعلم فقد تسببت الحرب العالمية في تأخر الاستضافة اليابانية للأولمبياد، والتي كان مقرراً لها بداية حقبة الأربعينيات من القرن الماضي.

طوكيو 2020.. اليابانيون ينقذون العالم
في أولمبياد طوكيو 1964 أنقذ العالم اليابان من هاجس العزلة، وفي أولمبياد طوكيو 2020، والتي أقيمت في صيف 2021 أنقذت اليابان العالم من كابوس فيروس كورونا، وكأنهم يردون الدين للعالم، فقد كان فيروس كورونا بمثابة الكابوس " الصحي والنفسي" الذي يكتم أنفاس العالم، وجاء الأولمبياد الياباني كأول حدث رياضي عالمي لينقذ الجميع من حالة أقرب إلى التجمد والعزلة.

اليابان.. عظمة رياضية هادئة
وتظل علاقة اليابان بالدورات الأولمبية مثالية، تنظيماً وتتويجاً، فقد استفادت منها أكثر من أي أمة أخرى بمقاييس عصرها، واللافت في الأمر أن بلاد الشمس المشرقة تثبت نفسها رياضياً وتلتهم الميداليات الذهبية بكل تواضع، وهي في ذلك لا تشبه الصين أو أميركا مثلاً، حيث غرور السيادة والقوة والهيمنة، وما الرياضة إلا جزء من "مفهوم القوة وفرض الذات على العالم" في العقل الصيني والأميركي، ولكن في الحالة اليابانية يظل التفوق الرياضي قوة ناعمة هادئة لأمة تعمل وتتألق وتتوهج وتنتزع اعجاب العالم في صمت وتواضع، وابتسامة تقول كل شئ عن "اليابان الجميلة".