الرأي هو: (output) لوجهة النظر (input).
تذهب وجهة النظر إلى العقل حسب المعلومة المدخلة، ويفلسفها العقل حسب مدخلاتها ليخرجها كرأي في الـ(output).
وجهة النظر: دائمًا يتم تغذيتها للإنسان عبر الثقافة التي تشكل رأيه وتخرجها لاحقًا كمخرجات...!
لذلك: علينا أن نبحث عن الثقافة والدوافع في وجهة النظر التي تخرج لنا رأيًا معينًا، مما قد يساعدنا على فهم حالة أو مشكلة معينة وحل معضلتها.

وأحب دائمًا أن أتذكر قصة الشاعر علي بن الجهم وأستدل بها في حواراتي، لأنها قصة تعجبني وتحوي معاني كثيرة. فعندما قال واصفًا شخصًا آخر ليمدحه: "كأنك الكلب في وفائه"، فهو يطرح رأيه عبر قصيدته حسب وجهة نظره التي تشبعت بالعيش وسط زريبة الكلاب والغنم، فبدأ يعبر من خلال ثقافته وبيئته. وعندما نقلوه إلى حي الرصافة الراقي، بدأ يعبر حسب البيئة التي وضعوه فيها والثقافة التي بدأ يتشربها، فقال إحدى أجمل القصائد، متغزلًا بمن أثارت قريحته التي لم تعد بين الكلاب والغنم:

عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ
جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري
أَعَدنَ لِيَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن
سَلَوتُ وَلكِن زِدنَ جَمراً عَلى جَمرِ
سَلِمنَ وَأَسلَمنَ القُلوبَ كَأَنَّما
تُشَكُّ بِأَطرافِ المُثَقَّفَةِ السُمرِ.

وعندما أكون ضمن حوار معين، فيه عدة أشخاص يختلفون في وجهات نظرهم، أقول لهم بكل صدق وثقة: كلكم على حق...!

أقول عبارتي التي أؤمن بها من واقع خبرة وتجربة، حسب الزاوية التي ينظر منها الشخص بناءً على وجهة نظره التي تشكلت حسب ثقافته ودوافعه واللاوعي فيه: الدافع الحقيقي خلف وجهة النظر. لكنني أحاول أن أجر كل وجهة نظر لترى من الزاوية الأخرى التي لم تنظر من خلالها، لتتعرف على ما لم تعرفه من قبل. فإذا كان المحاور يبحث عن الحقيقة، فسيفرح بما رآه وسيغير وجهة نظره بما يجعله يشكل رأيًا أكثر تطورًا.

وإن كان المحاور معاندًا ينطلق في آرائه من وجهات نظر مسبقة لا تقبل التطور ولا تريد أن ترى الحقيقة في أبهى صورها، فإن النقاش معه لا ينبثق منه نور، بقدر ما ينبثق منه التعب والإجهاد والمرض!

وأعتقد أن محاولة التعرف على بعض حقيقة لوحة سريالية غامضة هي محاولة لمعرفة النفس أكثر من معرفة اللوحة، مما يجعل من المعارف المختلفة للوحة معينة ثراءً معرفيًا جميلاً للتعرف على حقائق النفس البشرية المختلفة. وكلما كانت تلك المعارف والأحكام والتصورات مدهشة ومؤثرة، كلما كانت قيمة اللوحة الجمالية أعلى وأكثر حضوراً.

ولكن عندما نأخذ وجهات النظر ونخضعها لمنطق يتفق عليه الجميع حسب منطق ٢+٢=٤، وليس حسب منطق أن الأبيض أسود والأزرق برتقالي، فإننا نصل إلى الرأي الأكثر صوابًا نسبيًا.
لأنه لا توجد وجهة نظر حقيقية مئة بالمئة كي تنتج لنا رأيًا سليمًا مئة بالمئة.

وهذا يدل على أنه ليس فينا من يكون رأيه ووجهة نظره صحيحة بالمطلق، ولا خطأ أيضًا بالمطلق.

وإذا أردنا أن نتجنب فرعنة فكرة ما أو شخص معين، ولكي لا نظلم الفكرة أو الشخص بالفرعنة، فعلينا ألا نقول إن ما يقوله الشخص أو الفكرة هو الحق وما عداه هو الباطل، ولا نقول إن الشخص يملك الحقيقة المطلقة، وتلك الفكرة حقيقة مطلقة.

كي نحفظ للرأي قيمته، ولوجهة النظر احترامها، ونحفظ للفكرة دوامها كي تثري الأفكار القادمة!