في خطوة استراتيجية نحو تحقيق استقلال العراق في مجال الطاقة، وتعزيز مكانته وتطوير علاقاته مع المجتمع الدولي، أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عن خطط طموحة لبناء قدرة كهربائية جديدة تصل إلى 10 جيجاواط. الخطة العراقية تهدف إلى التصدي لمشكلة نقص الطاقة المستمرة في العراق، وفي الوقت نفسه تعزيز موقع البلاد كفاعل رئيسي في سوق الطاقة العالمي. وبمواءمة استراتيجية الطاقة العراقية مع المصالح العالمية، تسعى حكومة السوداني إلى تعزيز التعاون الإقليمي وجذب الاستثمارات الدولية.

في وقت سابق، صرح رئيس الوزراء العراقي قائلاً: "لا يقتصر تركيزنا على ضمان الكهرباء الموثوقة للشعب العراقي فقط، بل يتعلق أيضًا بالمساهمة في استقرار الطاقة العالمي وتعزيز الشراكات التي ستفيد العراق والمجتمع الدولي على حد سواء". ويعكس هذا التصريح عزم العراق على استخدام تطوير قطاع الطاقة المحلي لتعزيز علاقاته مع المجتمع الدولي.

بنية تحتية حديثة للطاقة
تتضمن استراتيجية العراق الجديدة للطاقة شراكات حيوية مع شركات عالمية مثل GE Vernova وسيمنز، والتي تعتبر أساسية لتحديث بنية الطاقة في البلاد. تخطط شركة GE لضخ ما يصل إلى 3 جيجاواط من الكهرباء في شبكة العراق من خلال محطات توليد طاقة متقدمة تعمل بالدورة المركبة، مما سيزيد بشكل كبير من قدرة العراق على إنتاج الطاقة.
بالإضافة إلى ذلك، تتضمن الخطة ترقية أكثر من 70 توربينًا ومولدًا في 18 محطة طاقة في أنحاء العراق، مما يضمن قدرة البلاد على تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء بكفاءة أكبر. ويصب ذلك كله في تعزيز البنية التحتية للطاقة في العراق، مما يجعله أكثر قدرة على توفير الكهرباء الموثوقة في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء.

نحو استدامة أكبر
تعكس استراتيجية الطاقة في العراق تحولًا نحو الاستدامة، بما يتماشى مع الجهود العالمية للحد من انبعاثات الكربون. تاريخياً، كان العراق من بين أكبر المساهمين في حرق الغاز، وهي عملية تؤدي إلى إهدار الغاز الطبيعي وتسبب أضرارًا بيئية كبيرة. تسعى المبادرات الجديدة إلى التقاط هذا الغاز المحترق وتحويله إلى كهرباء، مما يقلل من التلوث ويزيد من إنتاج الطاقة.
كما وضع السوداني حجر الأساس لمشروع طاقة شمسية بقدرة 300 ميجاواط في كربلاء، وهو أول عقد من عدة عقود ضمن مشروع طاقة شمسية أوسع يهدف إلى توليد 2250 ميجاواط.
يُعد هذا التحول نحو ممارسات الطاقة المستدامة أمرًا حاسمًا لمستقبل العراق. فهو لا يعالج القضايا البيئية فحسب، بل يتماشى أيضًا مع الاتجاهات العالمية التي تركز على الاستدامة والاستخدام الفعال للموارد الطبيعية. تشير هذه الجهود إلى التزام العراق بأن يصبح منتجًا للطاقة أكثر مسؤولية على الساحة الدولية.

تعزيز التعاون الإقليمي
إلى جانب التحسينات في مجال الطاقة المحلية، يركز العراق أيضًا على التعاون الإقليمي في مجال الطاقة من خلال مشاريع متعددة للربط الكهربائي. ولتنويع مصادر طاقته وتعزيز استقراره الاقتصادي، يعزز العراق تعاونه مع دول الخليج المجاورة.
في هذا السياق يعد مشروع الربط الكهربائي المخطط له مع السعودية جزءًا أساسيًا من هذه الاستراتيجية، حيث سيوفر 1 جيجاواط من الكهرباء للعراق. ولأول مرة، تتلقى بلدة الرطبة في محافظة الأنبار الكهرباء من الأردن، كما تم ربط شبكة العراق الكهربائية بشبكة تركيا، مما يتيح الربط مع أوروبا.

تشكل هذه الشراكات الإقليمية جزءًا من استراتيجية العراق الأوسع لتعزيز التكامل الاقتصادي والاستقرار في الشرق الأوسط. فعبر ترسيخ تعاونه الدائم مع جيرانه، يضع العراق نفسه كفاعل رئيسي في ديناميكيات الطاقة في المنطقة، خاصة مع قناعة حكومة السوداني بأن هذه المبادرات ضرورية لتحويل العراق من بلد يعتمد على مصادر الطاقة الخارجية إلى مركز لإنتاج الطاقة والتعاون الإقليمي.

توسيع إنتاج النفط والغاز
في قطاع النفط والغاز، يحقق العراق تقدمًا كبيرًا في إدارة موارده الضخمة. ويمثل توقيع العقود للجولة الخامسة والسادسة من تراخيص النفط والغاز خطوة حاسمة في هذا الاتجاه، والتي ستجذب استثمارات بمليارات الدولارات من الشركات الأجنبية وتجلب الخبرة اللازمة لتطوير قطاع الطاقة في العراق.

لا تهدف هذه الجولات الترخيصية فقط إلى زيادة الإنتاج، بل تهدف أيضًا إلى تعزيز دور العراق في سوق الطاقة العالمي. يعد تضمين حقول الغاز في هذه الجولات ذا أهمية خاصة، حيث يتماشى مع استراتيجية العراق الأوسع لالتقاط الغاز المحترق واستخدامه لتلبية الاحتياجات من الطاقة المحلية.

كما خصص العراق أموالاً لبناء منشأة جديدة لاستيراد الغاز في الفاو، الواقعة في الجزء الجنوبي من البلاد. يتماشى هذا المشروع مع استراتيجية العراق الأوسع لتحسين بنيته التحتية للطاقة وتأمين مصادر موثوقة للطاقة لتلبية الطلب المحلي المتزايد. ستسمح هذه المنشأة للعراق باستيراد الغاز الطبيعي المسال (LNG)، مما يوفر إمدادات طاقة أكثر استقرارًا وتنوعًا لتوليد الكهرباء والاستخدام الصناعي.

ومن المتوقع أن تضع منشأة الفاو البلاد كمركز طاقة إقليمي، مما يتيح لها إمكانية إعادة تصدير الغاز إلى الدول المجاورة في المستقبل.

التعاون العالمي يشكل خريطة المستقبل
تتعلق رؤية السوداني لمستقبل الطاقة في العراق بشكل وثيق بالتعاون الدولي. وتدرك الحكومة العراقية أن نجاح مشاريعها للطاقة لا يعتمد على الجوانب المرتبطة بالتنفيذ المحلي فحسب، بل يعتمد أيضًا على استمرار التعاون مع الشركاء العالميين والإقليميين. وتعد شراكات العراق مع شركات الطاقة الدولية ودول الخليج المجاورة أساسية لضمان تحقيق البلاد لأهدافها في مجال الطاقة مع المساهمة في استقرار أسواق الطاقة العالمية.

من خلال ربط أهداف التنمية الوطنية العراقية بالاتجاهات العالمية للطاقة، يضع العراق نفسه كفاعل رئيسي في الشرق الأوسط وما وراءه. وتشير الخطط الطموحة لرئيس الوزراء العراقي إلى حقبة جديدة للعراق، لا تقتصر على تلبية احتياجاته المحلية من الطاقة فقط، بل تهدف أيضًا إلى أن يصبح مساهماً أساسياً في تشكيل خريطة التعاون الدولي في هذا المجال عالميًا.

على الرغم من التحديات القائمة، بما في ذلك الحاجة إلى الاستقرار السياسي وتنفيذ المشاريع بكفاءة، فإن مبادرات الطاقة في العراق لديها القدرة على تحويل اقتصاد البلاد ومكانتها في المجتمع الدولي. مع استمرار التركيز على الاستدامة، والتعاون الإقليمي، والاستثمار الدولي، فإن العراق على وشك أن يصبح منتجًا رئيسيًا للطاقة وشريكًا بارزًا في المشهد العالمي لإنتاج الطاقة.