وقعت تفجيرات نوعية في لبنان عصر يوم الثلاثاء 17 أيلول (سبتمبر) الجاري، استهدفت عناصر حزب الله، من خلال تفجير بطاريات أجهزة الاتصالات اللاسلكية. أثارت هذه التفجيرات حالة من الذعر في الأوساط السياسية والشعبية والعسكرية، خاصة أنها تفجيرات جديدة وغريبة، ولم تفرق بين المدنيين والعسكريين. استخدمت فيها الجهة المنفذة – وتشير أصابع الاتهام إلى ضلوع إسرائيل – لأول مرة التكنولوجيا بشكل فج وقاتل على نطاق واسع، وليس كما دأبت سابقًا على اغتيال شخصيات بعينها، كما حدث في حالة رئيس حركة حماس إسماعيل هنية، الذي تم استهدافه بصاروخ موجه عبر الهاتف المحمول الخاص به، أو القيادي في حزب الله فؤاد شكر.
أسفرت "تفجيرات بيجر" عن مقتل حوالى 37 شخصًا، بينهم طفلة كانت تلهو بجهاز اللاسلكي الخاص بوالدها، ووفاة نجل نائب بارز في حزب الله، وإصابة السفير الإيراني وحوالى 3 آلاف عضو في الحزب ومدنيين آخرين.
المعلومات تشير إلى اختراق إسرائيل لشبكة أجهزة الاتصالات اللاسلكية الخاصة بحزب الله، والضغط على الشبكة حتى انفجرت بطاريات الأجهزة.
طالبت وزارة الصحة اللبنانية الجميع بإلقاء أجهزة "بيجر" بعيدًا لتجنب انفجارها، وأشارت إلى أن غالبية الإصابات في البطن، لأن الأجهزة توضع في حزام البنطلون كما هو معروف.
ما حصل يعد اختراقًا خطيرًا لشبكات أجهزة الاتصالات في لبنان، وبشكل خاص لشبكة اتصالات حزب الله، ويكشف أن العدو لديه أيادٍ طويلة ولا يرحم أحدًا، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين أو أطفالًا ونساءً. وما حدث هو رسالة إلى كل المستويات السياسية والعسكرية في حزب الله وإيران وجميع الأذرع.
التقارير الواردة من لبنان تشير إلى احتمالين لا ثالث لهما:
الاحتمال الأول: أن هذه الأجهزة عتيقة، وكانت تستخدم قبل ظهور الهواتف النقالة، حيث أن مهمتها تنحصر في إرسال وتلقي الرسائل، ومن السهل اختراقها. وتلك مصيبة أو سوء تقدير كبير من حزب الله، العدو الأول لإسرائيل في لبنان. إذ كيف للحزب الذي يحارب واحدة من أكثر القوى العسكرية والأمنية تقدمًا في المنطقة، مدعومة بشكل سخي من الولايات المتحدة الأميركية، أن يستخدم أجهزة اتصالات قديمة بين عناصره يسهل اختراقها، خاصة أن تأمين الاتصالات هو "أ ب" العمل الأمني والعسكري.
الاحتمال الثاني، وهو الأكثر ترجيحًا وأشار إليه وزير الداخلية اللبناني الأسبق مروان شربل، أن الأجهزة حديثة واشتراها حزب الله منذ أشهر قليلة، وتعرضت للاختراق. وأضاف شربل أن ما حدث هو خرق أمني استخباراتي سيبراني، ومن المهم معرفة كيف وصلت هذه الأجهزة المنفجرة إلى حزب الله، ومن أي معمل أو مصنع، وانطلاقًا من بائع الأجهزة يمكن معرفة كيف تم الاختراق.
وضع الوزير اللبناني يده على الموضع الأكثر خطورة، وهو استهداف المدنيين، وقال إن ما حدث خطير جدًا، وليس بالضرورة أن يكون الخطر في الأجهزة المتواجدة مع حزب الله فقط، بل من الممكن أن تكون مع العاملين في الشركات والمؤسسات والأطباء.
احتمال شراء حزب الله صفقة أجهزة جديدة، وهو الأقرب للترجيح، يؤكد أن هناك اختراقًا استخباراتيًا خطيرًا للحزب. ورغم أن هذا معروف منذ أزمنة، فإن الاختراق هذه المرة هو الأوسع والأخطر، إذ سهل لإسرائيل قتل تسعة أشخاص، وإصابة أكثر من 2700 آخرين.
وكالعادة، اعترف حزب الله باختراق إسرائيل لدائرة الاتصالات الخاصة به. وقال في بيان: "بعد التدقيق في كل الوقائع والمعطيات الراهنة والمعلومات المتوفرة حول الاعتداء الآثم الذي جرى بعد ظهر هذا اليوم، فإننا نحمل العدو الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذا العدوان الإجرامي الذي طال المدنيين أيضًا وأدى إلى ارتقاء عدد من الشهداء وإصابة عدد كبير بجراح مختلفة".
وأكد الحزب أن "هذا العدو الغادر والمجرم سينال بالتأكيد قصاصه العادل على هذا العدوان الآثم، من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب، والله على ما نقول شهيد".
اختراق أجهزة الاتصالات اللاسلكية لحزب الله مجرد بروفة أو تدريب تقوم به إسرائيل، وسوف تطور الأداء بشكل سريع وأوسع نطاقًا، وعلى الجميع أن يتحسس عنقه أو رأسه، خاصة بطاريات الليثيوم أيون التي تم تسخينها لحد الانفجار. هذه البطاريات تستخدم في غالبية الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف المحمولة وأجهزة التابلت وحتى أجهزة الواي فاي، ويمكن أن تحدث انفجارًا مميتًا كما حدث في لبنان.
وبعيدًا عن الاختراق الإسرائيلي، فإن هناك حالات وفاة لأطفال نتيجة انفجار بطاريات الهواتف المحمولة بسبب الجلوس لساعات طويلة أمام شاشاتها وهي موصولة بالكهرباء، ما أدى إلى ارتفاع حرارة البطارية بشكل كبير وانفجارها.
تفجير إسرائيل لبطاريات أجهزة بيجر يفتح المجال أمام احتمال أن عملية اغتيال إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران قد تمت بالطريقة نفسها.
الاختراق التكنولوجي لمنظومة اتصالات حزب الله في لبنان، ومنظومة اتصالات الميليشيات التابعة لإيران في سوريا أو العراق، أصبح حقيقة واضحة، وليس مجرد احتمالات أو تكهنات.
اختراق شبكة "بيجر" يدخل ضمن حروب الجيل الخامس، حروب التكنولوجيا، وهذه نوعية خطيرة جدًا لم نعتد عليها في المنطقة وغير مستعدين لها جيدًا. التنصت ثم الاختراق الإلكتروني على أجهزة الهواتف المحمولة والكمبيوتر من أكثر العمليات تطورًا في العالم.
ليس خافيًا على أحد أن إسرائيل توظف التكنولوجيا في عملياتها الغادرة، وتعتبر العرب جميعًا أعداء.
البلطجة لا يردعها إلا القوة، وليس بالضرورة الحرب التقليدية، بل القوة تتخذ أشكالًا كثيرة. العرب لديهم من القوة ما يكفي لردع الغرب، ويجب أن يكونوا مجتمعين كما أن الأعداء مجتمعون.
التعليقات