تعيش سوريا مفترق طرق حاسماً قد يرسم مستقبل البلد لسنوات طويلة، مع سباق داخلي وخارجي لهندسة عملية الخروج من الواقع الحالي الذي فرضته فصائل المعارضة المسلحة عبر هجومها الأخير على مناطق النظام السوري.

وفي حين تأمل بعض الدول موافقة النظام على القبول بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 لتُتاح الفرصة أمامها للضغط على المعارضة ورعاتها لوقف الزحف والشروع في الحوار من أجل تشكيل هيئة حكم انتقالية تؤسِّس لسوريا الجديدة، سيكون المشهد أكثر تعقيداً في حال واصلت دمشق صم آذانها عبر الاعتقاد بأنَّ النظام قادر على التجهيز لهجوم معاكس يستعيد من خلاله المحافظات والمدن التي خسرها في الأيام الأخيرة.

على أرض الواقع، تنخرط الدول الإقليمية في الصراع السوري بشكل مباشر أو غير مباشر، ولكل منها مصالح وفوائد مما يجري. والأدهى أن من بين هذه الدول من تتلاقى مصالحها عند سيطرة المعارضة على محافظة أو مدينة استراتيجية ما، ولكن سرعان ما تفترق المصالح وتُقرع نواقيس الخطر عند سيطرة المعارضة نفسها على مدن أخرى.

وتتصدر إيران وتركيا وإسرائيل الصورة. واللافت أنَّ مصالح الدول الثلاث تتضارب وتتناسق بشكل سريالي على خلفية ما تريد كل دولة تنفيذه، وليس مبالغاً به أن يكون هناك تلاقٍ غير مقصود بين طهران وتل أبيب في مكان ما بسوريا بداعي المصلحة والضرورة.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طالب منذ سنوات الرئيس السوري بشار الأسد بإعادة فتح باب التواصل بين أنقرة ودمشق. الرغبة الأردوغانية قامت على أساس محاولة اجتثاث خطر الأكراد قبل أن تنضج فكرة كيانهم المستقل. وهو ينظر بعين الريبة إلى تمتع الأكراد بدعم إسرائيلي من شأنه زيادة الضغوط عليه في الداخل، ولم يخفِ في أكثر من مناسبة، هو أو حتى حلفاؤه في الداخل التركي، من قيام دولة على حدوده تحظى برعاية ودعم تل أبيب وتشكل خطراً على أمنه القومي.

جاءت تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي حول بناء تحالف الأقليات والأكراد عماده لتصب الزيت على النار أكثر.

وإلى جانب الملف الكردي، هناك ملف النزوح السوري الذي يشكل عبئاً على إدارة العدالة والتنمية. أردوغان أراد الحوار مع الأسد لحل هذين الملفين، ولكن الطرف السوري تجاهل واضعاً شروطاً تبدأ بالخروج التركي الكامل ورفع الغطاء عن الجماعات المسلحة التي تحظى بدعم تركي قبل الشروع في بحث مخاوف أنقرة.

فكانت النتيجة زحفاً معارضاً إلى حلب عزز من حضور الأتراك ميدانياً، واستفادت إسرائيل التي تعمل على رد الجماعات المتحالفة مع إيران إلى ما بعد الحدود السورية من خروج الإيرانيين من المحافظة الكبيرة. فتلاقت مصالحها في حلب مع مصلحة أردوغان.

لكن التلاقي الظرفي في حلب سرعان ما سينتهي إذا تمكن المعارضون القادمون من الشمال، والذين تمتلك تركيا تأثيراً عليهم، من السيطرة على حمص والوصول إلى تخوم دمشق.

لا تريد الأخيرة أن يضع أردوغان ورقة هذه الفصائل مقابل ورقة الأكراد على حدوده لدفع حكومة نتنياهو إلى التفاوض معه بقصد إرغامها على التراجع عن دعم الفصائل الكردية. لذلك، فإنَّ مصلحة تل أبيب أن تشهد حمص قتالاً بين المعارضين وحزب الله ومن معه من الجماعات الإيرانية.

إقرأ أيضاً: إعلانٌ منتظر من دمشق قد يقلب المشهد في سوريا

هذا القتال يمكنها أولاً من شراء الوقت ودراسة الموقف واستشراف المرحلة القادمة في سوريا. فهناك معلومات كثيرة تحدثت عن رسائل وصلتها من دمشق بطرق غير مباشرة تتضمن وعداً بإخراج المجموعات الإيرانية من البلاد، ورسائل أيضاً من الطرف المعارض يشير فيها إلى عدم رغبته في فتح جبهة معها.

كما أنَّ قتال حزب الله والفصائل المعارضة يساهم في إضعاف الأول أكثر فأكثر، الذي لم يتعافَ بعد من المواجهات التي خاضها معها في الأشهر الثلاثة عشر الأخيرة.

أيضاً، سيساهم ذلك في تشتيت قوة المهاجمين. وبحال لم يتم التوصل إلى تسوية، فقد تذهب باتجاه رسم حزام في المناطق الجنوبية يمتد من القنيطرة إلى درعا والسويداء ويتلاقى مع قاعدة التنف. وقد تهبط القوات الكردية من الشمال الشرقي نحو القاعدة وتستحوذ على المناطق الحدودية مع العراق الخارجة عن سيطرتها حتى قاعدة التحالف الدولي، فيكون الحزام قد وصل ببعضه من أقصى شمال شرق سوريا حتى الجنوب الغربي منها.

إقرأ أيضاً: لبنان في مأزق والحل وصاية جديدة؟

إيران من جهتها، أو بصورة أدق حزب الله، يعتبر أنَّ خسارة حمص تعني انكشاف خاصرته في الشرق اللبناني، ومعها يُقطع عنه خط الإمداد الذي يبدأ من إيران ويمر في العراق وسوريا، علماً بأنه دفع آلاف المقاتلين منذ بدء الحرب السورية لحماية هذا الخط الاستراتيجي الذي يتنفس من خلاله.

فهل سيسمح بذهاب كل التضحيات التي قدمها سدى وهو بأمس الحاجة اليوم إلى حماية وتأمين هذا الأوتستراد المفتوح الذي يبدأ من طهران من أجل إعادة نهوضه؟