بالرغم من مرور سنوات على إعلان النصر العسكري على تنظيم داعش الإرهابي، وسقوط آخر معاقله في مدينة الباغوز السورية الواقعة بالقرب من الحدود العراقية عقب هجوم شنّته قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بدعم من التحالف الدولي في شباط (فبراير) 2019، إلا أنَّ داعش بدأ يطلّ برأسه من جديد في سوريا والعراق، خاصة بعد سقوط النظام السوري.

تصريحات الجنرال مظلوم عبدي بعد سقوط النظام السوري التي حذّر فيها من عودة نشاط داعش للعلن بعد أن كان مخفياً دليل واضح على هذه العودة، بالإضافة إلى تحذيرات الخارجية الأميركية حين قالت "إن التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق أعادت بناء نفسها كما كانت في السابق". كما حذّر رئيس المخابرات الوطنية الأميركية من وجود آلاف الإرهابيين في سوريا مختبئين تحت الأرض لإعادة تجميع صفوفهم.

القنابل الموقوتة
مع سقوط النظام السوري، فرضت قوات التحالف الدولي التي تتواجد في شمال شرق سوريا رقابة مشددة على السجون الواقعة ضمن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، والتي تضم نحو 26 سجناً، يُحتجز فيها أكثر من 12 ألف معتقل قاتل في صفوف داعش الإرهابي، ينحدرون من 55 جنسية غربية وعربية. هناك أيضاً نحو 4 آلاف معتقل من الجنسية العراقية في سجون الإدارة الذاتية، اعتُقلوا خلال معركة بلدة الباغوز شرق سوريا قبل نحو 6 سنوات.

بالإضافة إلى ذلك، يضم مخيما الهول وروز عشرات الآلاف من الإرهابيات (زوجات وأرامل مقاتلي داعش الإرهابي) وفق إعلام "قسد". ويتوزّع المعتقلون، أو بالأحرى هذه القنابل الموقوتة، على 26 سجناً بينها 7 سجون كبيرة ومكتظة بالدواعش، أكبرها سجن غويران في مركز الحسكة، الذي يضم نحو 5 آلاف معتقل بينهم أجانب من جنسيات مختلفة، والذي شهد أعمال شغب وتمرد مسلح عام 2022.

في ظل الفوضى التي خلفها سقوط النظام السوري وترك السلاح في أيدي مواطنين سواء كانوا موالين للنظام أو معارضين، يمثّل ملف أسرى داعش خطراً كبيراً وعبئاً إضافياً على الإدارة الذاتية، خاصة بعد أن رفضت بلدانهم الأصلية إعادة هؤلاء الإرهابيين الخطيرين.

مخاوف تركيا
تسعى الإدارة السورية الجديدة لحل ملف شمال وشرق سوريا عبر التفاوض بعيداً عن المواجهات العسكرية، إلا أن تركيا تخشى أن تفضي هذه المفاوضات إلى قبول قوات سوريا الديمقراطية كأمر واقع رسمي ودستوري، لأن تركيا تعرف جيداً في حال حصول ذلك سيكون من الصعب شن عمليات عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية باعتبارها قوة وطنية معترفة بها محلياً ودولياً.

لماذا ترفض قسد تسليم القنابل الموقوتة إلى الإدارة السورية الجديدة؟
مع سقوط النظام السوري، طالبت تركيا الإدارة السورية الجديدة بتولي مسؤولية السجون التي تضم عناصر داعش في شمال شرقي البلاد، مؤكدة أنها تستطيع المساهمة في هذه القضية! إلا أن قوات سوريا الديمقراطية أكدت معارضتها الشديدة لتسليم السجون التي تضم مقاتلي تنظيم الدولة ـ القنابل الموقوتة ـ في شمال شرقي سوريا إلى الإدارة السورية الجديدة لأسباب كثيرة، منها أن حماية هذه السجون يقع على عاتق التحالف الدولي وقوات قسد فقط.

حاول داعش تنفيذ هجومين على السجون التي تضم الإرهابيين في محاولة لتحريرهم، ويعتبرهم داعش مستقبل نجاحه واستمراره، حيث يسعى إلى استغلال الاضطرابات الداخلية وفوضى انتشار السلاح نتيجة ترك قوات النظام الساقط المقار والفروع الأمنية أسلحتهم وذخيرتهم على الطرقات، فضلاً عن وجود مواجهات مسلحة مع الميليشيات المدعومة من تركيا، والهجوم التركي الجوي والبري على تلك المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.

ويرى مراقبون أنَّ قيادة قوات سوريا الديمقراطية يجب أن تكون حذرة في التعامل مع ملف معتقلي داعش ـ القنابل الموقوتة. وأي قرارات مستقبلية قريبة أو بعيدة حول هذا الموضوع يجب أن تكون مدروسة بعناية وبدقة لضمان استقرار المنطقة وحمايتها من أي تهديدات إرهابية جديدة على المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.

كما يرون أن على الولايات المتحدة مع شريكتها قسد إيجاد حل سريع وجذري لمشكلة أسرى داعش ـ القنابل الموقوتة ـ والضغط على الدول الأوروبية بالموافقة والسماح باستعادة أسرى داعش الذين يحملون جنسياتها، ممن اعتقلوا في سوريا من قبل قوات قسد والتحالف الدولي. وفي حال عدم تلبية المجتمع الدولي لنداءات ومناشدات الدول لاستلام مواطنيها، عليها البدء في محاكمة هؤلاء الإرهابيين بدعم من المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية.

ويرون أيضاً أنه كلما طالت فترة احتجاز الإرهابيين، أصبحوا أكثر تطرفاً، وازدادت احتمالات هروبهم بشكل جماعي، وخاصة بعد سقوط النظام السوري ورفض الدول استلام دواعشها، واستمرار العدوان التركي غير المبرر على شمال وشرق سوريا والمناطق التي تتواجد فيها أسرى وسجون داعش الإرهابي، بحجة فرض الوصاية على تلك المناطق لتكون امتداداً لها، والدفع نحو إقصاء قوات سوريا الديمقراطية عن الحوار ودورها في بناء سوريا الجديدة بحجج واهية.

ويبقى السؤال الأهم: هل تتنازل قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة نتيجة الضغوط التركية وتسلم السجون التي تضم الإرهابيين وأمراء داعش ـ القنابل الموقوتة ـ في شمال شرقي سوريا إلى الإدارة السورية الجديدة، وبإشراف تركيا، ثاني قوة في حلف الناتو؟