ما كان يُخشى منه قد وقع. العدالة الانتقالية في سوريا تغوص في مستنقع التناقضات الفكرية والسياسية والطائفية. وأعمال القتل والقتل المضاد في الساحل السوري وبعض المناطق يعني أن السيناريو العراقي بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 يتكرر. وتتحقق مخاوف المراقبين المتشائمين من أن تتقدم اولوية الأمن على العدالة الانتقالية في سوريا، الأمر الذي يعني أنَّ البلاد امام أعوام من اللااستقرار.

خطاب رئيس السلطة في دمشق أحمد الشرع الأخير حمل في طياته الكثير من مفردات الحزم. إلا أنه من الأهمية التوقف أمام بعض العبارات، تضع المراقبين في حيرة: لمن يوجه الرئيس السوري خطابه عندما يقول: "نحن قوم نقاتل وفي صدورنا شرف القتال"! فهل دولة المؤسسات الموعودة تتضمن في قواميسها ومفرداتها كلمة "قوم" بكل ما للكلمة من إيحاءات دينية؟!

ثم في خطابه المقتضب يشير إلى "قوى التحقت بمواقع الاشتباك"، ويطالبها "بالانصياع إلى القادة العسكريين والأمنيين". فمن هي هذه القوى التي لا تخضع لأوامر قادة السلطة الجديدة في سوريا؟!

في تقدير هؤلاء المراقبين، فإنَّ الشرع الذي يجيد الثبات في خطاباته، يواجه معضلة جوهرية تتمثل في تعدد الجهات المفترض أن يخاطبها، فهو يخاطب الفصائل التي ساعدت في فتح أبواب دمشق بلغة، ويخاطب الشعب السوري القلق على مستقبله بلغة ثانية، وهو أيضاً مطالب بأن يخاطب العالم الذي يرصد مقارنة الأقوال بالأفعال بلغة ثالثة.

يتعمق الأمر قلقاً وخطورة على المستقبل مع المعلومات التي تتحدث عن إعلان الجهاد في عدد من المناطق السورية لمواجهة اعتداءات فلول النظام الأسدي السابق حسب وصف القيادة السورية الجديدة.

منذ الثامن من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، اليوم التاريخي لسقوط نظام الحكم الأسدي، كان التركيز على سؤال محوري هو: كيف سقط نظام بشار بهذه السرعة وما هو سر التوافقات الدولية التي أسقطت بشار الأسد في زمن قياسي؟ لكن قلة أولئك الذين طرحوا السؤال بشكل مغاير: ما هي الصيغة التي مكنت الفصائل من الوصول إلى قلب العاصمة بزمن قياسي؟ وما هي التداعيات في ظل حراك دولي لحسم ملفات تاريخية شائكة في المنطقة؟! المنطق يقول وراء كل عمل عسكري هدف سياسي؟

وفي هذا الإطار، تقول مصادر مطلعة إنَّ الفصائل كانت تستعد منذ الصيف الماضي للحشد والسيطرة على مدينة حلب بهدف تقوية نفوذها العسكري والتفاوضي، بيد أن شيئا ما، وفق المصادر، فتح أبواب العبور نحو النصر الكامل على النظام الذي حكم سوريا بسياط القمع طيلة خمسة عقود.

في تقدير المصادر عينها، فإنَّ الشرع ورفاقه لم يكونوا على استعداد لتولي زمام السلطة بهذه السرعة، ومن هنا يمكن تفسير الاتيان بمعظم القادة العسكريين والسياسيين من حكومة إدلب.

حقاً السلطة الجديدة في دمشق في موقف لا تحسد عليه. استُقبِلت بفرحة التخلص من نظام حكم قمعي، ووجدت نفسها في مواجهة المتغيرات. مناطق محكومة بتقسيمات الامر الواقع. الفصائل غير الموالية تتشبث بإصبع على الزناد وعين على شكل الدولة الموعودة. الفصائل الموالية ليست جميعها تحت مظلة السيطرة. دعم إقليمي يحدده معيار الولاء. ثم وثم خزينة خاوية من المال الذي يلبي طلبات رواتب المقاتلين على أقل تقدير؟!

سوريا إلى أين؟ سؤال بحجم طوفان المتغيرات في الشرق الأوسط!